شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:37 بتوقيت القدس

بين آذارين.. ذات الأسى في نبرة الصوت

"نوى" ترسمُ صورةً لنساء المناطق المهمشة بغزة

10 مارس 2020 - 22:51

غزة:

"بمجرد سماعنا لصوت إطلاق نار، يسرع أطفالي لتعبئة ملابسهم في أكياس، ويصرخون: "يلا نشرد ع المدارس"، بهذه الحال تعيش السيدة ليلى أبو عطيوي من قرية جحر الديك المهمشة، أقصى الجنوب الشرقي لمدينة غزة يومها.

وبينما يحتفل العالم بـ"آذار" كشهرٍ للنساء، إذ يتصادف فيه اجتماع يوم المرأة العالمي، ويوم الأم، بالإضافة إلى اليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري، تعاني المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من أقصى أشكال التمييز نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ قرابة 14 عامًا، ومن أزماتٍ تزداد تعقيدًا بمرور الأيام، في مجتمعٍ تزيد فيه نسبة الفقر على 65%.

تقع قرية جحر الديك في منتصف المسافة بين مدينة غزة والمحافظة الوسطى؛ على خط التماس مع الاحتلال، فهي منطقة حدودية مساحتها 6200 دونمًا، تشتهر بزراعة الزيتون والحمضيات والخضراوات، وهي منطقةٌ قليلة العمران، محدودة الخدمات لدرجة عدم وجود مركزٍ صحي مما جعل معاناة المواطنين في هذه القرية المهمشة تتفاقم.

أبو عطيوي:مرور السنوات لا يمكن أن يمحو التجربة المريرة من الذاكرة

عودة إلى أبو عطيوي- الأم لستة أبناء- التي ترى أن الظلم يقع عليهن (وتقصد نساء المنطقة) من جانبين: الأول هو الاحتلال "إذ عاشت تجربة مريرة على مدار الحروب الثلاثة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، فقد تعرضت للإصابة بشظية قرب القلب في حرب عام 2008، ورغم نجاح عملية إزالة الشظايا، إلا أن بعض الأجزاء الصغيرة المتبقية أدت إلى تلفٍ شديد في أعصاب يدها".

وفي سياق حديثها عن الجانب الأول، روت أبو عطيوي كيف سقط صاروخ من طائرة f16 الحربية أمام منزلها في عدوان عام 2014م، فتقول: "لا أنسى كيف بقيتُ أحضن أبنائي طوال الليل، بينما تهدّم جزء من الجدران وتكسرت الشبابيك، وفي الصباح هربنا إلى أحد المدارس جريًا على الأقدام لعدم وجود مواصلات"، تسكت برهةً وتتمتم بأسف: "لا ننسى ولو لحظة، الوضع المزري الذي عشناه هناك، من قلة المياه والنظافة، وانعدام الخصوصية".

هذا الواقع كما تؤكد أبو عطيوي، ما زالت تعاني منه نساء المنطقة اللاتي تعرضن لذات التجربة، ناهيك عن باقي نساء المناطق الحدودية في قطاع غزة، ممن مررن بتجربة اللجوء إلى مدارس وكالة الغوث تحت القصف، تعلق: "مرور السنوات لا يمكن أن يمحو التجربة المريرة من الذاكرة، ربما وجود خدمات الدعم النفسي يخفف قليلًا من تبعات تلك الذكريات، لكنها بأي حال لن تمحو مرارة ذكرى تتجدد مع تجدد الاستهداف الإسرائيلي للمناطق الحدودية ولو بشكلٍ متقطع.

أما الجهة الثانية التي تتلقى منها نساء المنطقة الظلم والتهميش فهي من المسئولين أيًا كانت مراتبهم القيادية، تقول: "هناك نقص شديد في الخدمات وبرامج المؤسسات، أضطر على سبيل المثال إلى السير مسافات طويلة من أجل الوصول إلى موقف السيارات، ولولا بناء وزارة الإسكان لأبراجٍ عند أطراف القرية، لبقيت تلك البقعة دون مواصلات"، تزيد: "لا يوجد لدينا سوق، لكم أن تتخيلوا ذلك! نضطر إلى شراء احتياجاتنا من أسواق البريج أو النصيرات، أقرب المناطق إلينا".

وترى أبو عطيوي ضرورة أن تركز المؤسسات على تقديم خدمات إدارة مشاريع للنساء في المنطقة، "فأن تأكل السيدة من عرق جبينها أفضل، وأن يكون المشروع باسمها أضمن لحقها، فهي الأقدر على تحديد احتياجات منزلها" تزيدد، وتتابع: "الكثير من النساء يرغبن بهذا للتخلص من واقع الفقر الذي يعيشونه، فلا يبقين تحت رحمة الكوبونات، التي إن توفّرت في شهر قد لا تتوفر في سواه".

الشابة حياة أبو عيادة هي صحفية تعيش في منطقة جحر الديك، وناشطة شبابية متابِعة لأوضاع النساء في منطقتها.

أبو عيادة: أغلب ما يتم تنفيذه هو جلسات توعية، وعلى أهميتها، إلا أن الدعم الحقيقي للنساء يبقى قليلًا جدًا

بعد جولة تفقدية قامت بها اليوم، ترى أن حاجة النساء في المنطقة تتركز بشكل أساسي على توفير المشاريع الاقتصادية، وألا يكون هذا عبر مؤسسةٍ وسيط، "فهذا لن يسهم في الاستجابة لاحتياجات النساء، وإنما تنفيذ مشاريع مؤسسات أخرى".

تقول لشبكة "نوى": "أغلب ما يتم تنفيذه هو جلسات توعية، وعلى أهميتها، إلا أن الدعم الحقيقي للنساء يبقى قليلًا جدًا"، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لجأت الكثير من العائلات إلى عدم تعليم البنات والتزويج المبكر".

"مثلًا في السنة التي تخرّجت فيها من الثانوية العامة كنا 25 فتاة بمعدلات مرتفعة، خمسة منا فقط درسن في الجامعة"، تضيف أبو عيادة بغضب، وتردف: "صحيح أن نسبة التعليم الأساسي جيدة، ولكن هناك نسبة تزويج مبكر عالية، نجد فتيات صغيرات ربات أسر، بينما التعليم الجامعي فقليلًا ما ترتاده الفتاة بعد نجاحها بالثانوية العامة".

تضيف أبو عيادة حول معاناة المنطقة –كبقعة مهمشة داخل قطاع غزة-: "هناك جهل بثقافة ضرورة انخراط الفتاة في المجتمع، فحتى عند تنفيذ الندوات، المشاركات غالبًا هن من المتزوجات، فعادات المنطقة لا تسمح بمشاركة غير المتزوجات، وهذا يتطلب جهدًا مضاعفًا من قبل المؤسسات من أجل التغلّب عليه".

المشكلة الأخرى، هي المتعلقة بممارسات الاحتلال حين يعمد إلى رش المبيدات فوق الأراضي الزراعية فيؤدي إلى حرقها، وكذلك إطلاق الرصاص بشكل مستمر على مكب النفايات الرئيسي، ما يتسبب بأزمة تلوّث بيئي، تعاني منها المشكلة بشكل مستمر، ناهيك عن الاجتياح المباشر عندما يحدث ويدمر كل شيء في طريقه.

تعكف حاليًا الشابة حياة برفقة مجموعة من المتعلمين في منطقتها، على إنشاء مبادرة شبابية هدفها حمل هموم قرية جحر الديك، ونقلها إلى المسؤولين من أجل وضع الخطط والبرامج التي تستجيب لاحتياجات القرية، وتحديدًا النساء اللواتي يعتبرن الأكثر معاناة.

إلى الجنوب من قطاع غزة، تحديدًا أقصى مدينة رفح، تقع قرية خربة العدس المهمشة، التي تسعى إلى عقد الجلسات التثقيفية بشكل مستمر للنساء، فلا يكاد يمر أسبوع دون عقد جلسة تثقيفية وتوعوية حول العديد من القضايا التي تمس المجتمع ونسائه، تقول سهيلة أبو عمرة المدير التنفيذي للجمعية: "المنطقة مهمشة والنساء غالبيتهن يعملن في الزراعة، ويُعلن أسرًا بأكملها".

تبلغ مساحة خربة العدس 2350 دونمًا، بينما يبلغ عدد سكانها 9466 نسمة، وفقًا لإحصائية 2016م، تسكنها عائلات من المواطنين (ليسوا ممن هاجر أجدادهم عام 1948م) إضافة إلى بعض العائلات من المهاجرين.

تقول أبو عمرة :"نسبة التعليم هنا جيدة مقارنة بمراحل سابقة، خاصة التعليم الجامعي، ولكن مع سوء الأحوال الاقتصادية، بقيت ظاهرة تفضيل الذكر على الأنثى في التعليم، حتى لو حصدت الأخيرة معدلًا أعلى".

أبو عمرة: استمرار اعتماد المؤسسات على مشاريع تقدمها مؤسسات محلية كبرى، لن يلبي احتياجات النساء في المناطق المهمشة

وتضيف :"إلى جانب ورشات التوعية، تقدم الجمعية مشروع التعاونيات، وهو عبارة عن دعم بقيمة 15 ألف دولار لمشروع تديره 6 نساء، والمعمول به حاليًا هو تربية مواشي، كون هذا العمل رائج وله سوق".

ورغم أن هذا المشروع قديم في الجمعية، إلا أن شيئًا لم يتغير أو يتطور بين آذارين، سوى افتتاح مطبخ كمشروع نسوي، وهو ما عدّته أبو عمرة غير كافٍ، مستدركةً بالقول: "هذه هي الإمكانيات التي توفرت على مدار عام كامل، إضافة إلى مشروع تشغيل مؤقت حصلت عليه من وكالة الغوث، بواقع 3 شهور للسيدة غير المتعلمة و 9 شهور للحاصلة على شهادة جامعية".

وتجزم أبو عمرة، أن استمرار اعتماد المؤسسات على مشاريع تقدمها مؤسسات محلية كبرى، لن يلبي احتياجات النساء في المناطق المهمشة، ولكن هذا هو المتوفر في ظل أزمة التمويل التي تعانيها المؤسسات.

إن تواصل حالة التهميش، وقلة فرص العمل للنساء في المناطق الريفية، وظاهرة التزويج المبكر، ونقص الخدمات العامة كالطرق والمؤسسات الصحية المجانية، كل هذا يتطلب صياغة برامج وخطط عمل خاصة بكل منطقة على حدة، وليس الاعتماد على ما توفره المؤسسات الكبرى في قطاع غزة.

 

كاريكاتـــــير