شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025م01:00 بتوقيت القدس

ممنوعة من زيارته منذ 5 سنوات

نار الشوق تستعر في قلب أم الأسير "رائد"

05 مارس 2020 - 09:37

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات: منذ أن اعتقل مطلع تشرين أول/ أكتوبر للعام 2004م، أدركت أم الأسير رائد الحج أحمد أنها لن تستطيع أن ترى ابنها أو تعانقه مجددًا إلا بإذنٍ "يتفضّل عليها به جنديٌ مرتزق لا يعرف شيئًا عن معنى حب الوطن".

رغم مرور أكثر من 16 عامًا على اعتقاله بالقرب من معبر بيت حانون "إيريز"، إلا أن صورة "رائد" لا تغيب عن ناظريها أبدًا.

في كل جمعةٍ تتخيله يتجهّز للصلاة، يقبل رأسها قبل الخروج، ثم يتذمّر إذا لم تكن قد أعدّت له "المقلوبة" التي يعشقها، ترى طيفه يقترب منها كل عيد ليعانق روحها ويطفئ نار الشوق التي أضرمتها قرارات الاحتلال التعسفية بحقها عندما منعتها من زيارته قطعًا منذ قرابة خمس سنوات.

بدأت حكاية رائد، عندما اعتقل قرب معبر بيت حانون، بتهمة انتمائه لكتائب شهداء الأقصى، ومحاولته تنفيذ عملية فدائية هناك، ليحكم عليه بالسجن مدة 20 عامًا.

تقول: "جسده بعيد، لكن رائحته تفوح في كل ركن داخل البيت، صورته الخالدة على جدرانه أينما وليت وجهي تطبطب على قلبي، أدعو له في كل صلاة أن يريح الله قلبه –وكل أسير- من عذاب الأسر، اقتحامات الليل الوحشية، وعذاب المرض بين جدران السجن الرطبة".

بدأت حكاية رائد "الأسير" الذي ولد عام 1983م في حي الفاخورة داخل مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، عندما اعتقل قرب معبر بيت حانون، بتهمة انتمائه لكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، ومحاولته تنفيذ عملية فدائية هناك، ليحكم عليه بالسجن مدة 20 عامًا.

في كل اعتصامٍ للأسرى تتصدّر أم رائد التي تُكنى بـ "أم رامي" الصورة، ترفع يافطة في تفاصيلها "رائد" يبتسم، وتشهر علامة النصر في وجه الكاميرات لعلها تصل إلى ابنها الذي لم تره منذ سنواتٍ طوال بقرارٍ تعسفي من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، وتحت حججٍ واهية، تقول: "أتعمد الظهور في الصور قوية، لا أريد أن يراني المحتل منكسرة، رغم كل ما يهيج في صدري من ألم سببه الفراق".

"كيف يحرمونني من حق كفلته لي كل المواثيق والقوانين الدولية؟ هل يشكل وجودي بعمري هذا أي خطر على كيان الاحتلال؟".

 كان الأسير رائد الذي تنحدر عائلته من قرية "بيت دراس" المهجّرة، إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، طالبًا جامعيًا في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة القدس المفتوحة بغزة حين اعتقل، تعلّق أم رامي بالقول: "كان طموحه كبيرًا، لكنهم حرموه مستقبله، وشكلوه بأيديهم داخل عتمة السجن".

تضيف: "كان رائد إنسانًا طيبًا يحبني ويهتم بي، ويلبي كل ما أطلبه منه، أبكي كثيرًا كلما اقترب شهر رمضان المبارك، وأتذكره وهو قادمٌ من السوق يحمل بين يديه متطلبات الشهر من قطائف وقمر الدين والخروب واحتياجات السحور"، تتنهّد وتكمل: "كان نفسي أشوفه متزوج وعنده أولاد.. الله يرضى عليه".

معاناة أم رامي متجددة، فبالإضافة إلى مرارة سجنه، كلما سمعت عن أم أسير تمكنت من رؤية ابنها والاطمئنان عليه، اشتعلت في قلبها نيران القهر تتساءل: "كيف يحرمونني من حق كفلته لي كل المواثيق والقوانين الدولية؟ هل يشكل وجودي بعمري هذا أي خطر على كيان الاحتلال؟".

"هم معنيون بتعذيبنا" تتابع، موضحةً أنها ناشدت الكثير من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والدولية والجهات المختصة في الدفاع عن الأسرى، "لكن دون جدوى، بقي قرار الاحتلال نافذًا".

أصيبت أم الأسير "رائد" بمشكلاتٍ صحية بعد قرار المنع "الجائر"، الانتظار تسبب لها بمشكلاتٍ في الأعصاب، وضيقٍ في التنفس، لتعبر عن خشيتها أن يصيبها مكروه قبل أن "تكحل عينيها برؤيته.

في الفترة ما قبل الخمس سنوات الأخيرة، كانت أم رامي ليلة زيارة السجن، تستيقظ طوال الليل تراقب عقارب الساعة حتى يطلع الفجر، تصعد الباص والسعادة تغمر قلبها، تبدأ بترتيب الكلمات التي ستقولها له، ثم تصل لتصطدم بالزجاج العازل، تراقب نظراته وابتسامته الجميلة، ثم تبدأ بالحديث معه عبر الهاتف المتاح، تبرد نار قلبها قليلًا فتنتهي فترة الزيارة، وتعود إلى بيتها بحسرة الفراق من جديد.

يا الله، لا يمكن أن تتخيلوا لهفتي لسماع كل التفاصيل، كيف صار شكله؟ ماذا أخبره؟ هل أوصل سلامه لي؟ ماذا يأكل؟ هل هو مريض؟ والكثير الكثير من الأسئلة".

لعل ما يريح قلبها قليلًا هذه الأيام، هو سماح الاحتلال لوالده منذ وقت قريب بزيارته، بعد أن كان هو الآخر ممنوعًا لسنواتٍ طويلة.

تقول: "يا الله، لا يمكن أن تتخيلوا لهفتي لسماع كل التفاصيل، كيف صار شكله؟ ماذا أخبره؟ هل أوصل سلامه لي؟ ماذا يأكل؟ هل هو مريض؟ والكثير الكثير من الأسئلة".

تزيد: "عاهدتُ نفسي أن أقيم أكبر الاحتفالات بعد أن يخرج سالمًا، سأعد الولائم، وأدعو الناس لمشاركتي فرحة خروجه"، تصمت قليلًا، تتنهد ثم تكمل: "أسأل الله أن يحدث ذلك قبل أن أفارق الحياة".

كاريكاتـــــير