شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م17:32 بتوقيت القدس

حقق أعلى مبيعات في مهرجان "أدنبرة"

نيروز قرموط.. بـ"عباءة البحر" كتبت حكاية غزة

29 فبراير 2020 - 10:04

غزة:

ضجت الصحف البريطانية في آب/ أغسطس من العام 2018م، بخبر رفض وزارة الداخلية البريطانية منح الكاتبة الفلسطينية الشابة نيروز قرموط من مدينة غزة، تأشيرة دخول للملكة المتحدة، من أجل المشاركة في مهرجان "أدنبرة" الدولي للكُتّاب. بعد وقتٍ حصلت "نيروز" على موافقةٍ متأخرة، ما اضطر إدارة المهرجان إلى تخصيص مناسبة خاصة لنيروز لتقدّم كتابها "عباءة بحر وقصص أخرى".

في العام 2019م، كانت مشاركتها في المهرجان أسهل، لكن المفاجأة أن كتابها الذي يضم 11 قصة قصيرة، حصَدَ أعلى المبيعات بين 49 كتابًا غيره، لكتّابٍ عالميين، وهي المجموعة ذاتها التي حصلت على جائزة القلم العالمية عام 2017م (وهي جائزة بريطانية للكتب المترجمة للإنكليزية)، حيث كانت نشرت المجموعة مترجمةً عبر دار "كوما برس"، فمن هي نيروز قرموط التي نالت شهرتها خارجيًا قبل أن تنالها في فلسطين؟

ولدت نيروز عام 1984م في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بمدينة دمشق في سوريا، لعائلةٍ متنوّعةٍ فكريًا وسياسيًا، فوالدها أحد مناضلي "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، ووالدتها مناضلةٌ من حركة "فتح"، عادت بتصريح زيارةٍ إلى غزة عام 1994م، لتعيش فترة من الزمن في مخيم "جباليا" للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة، ثم تنتقل للسكن في أكثر من منطقة، حتى وصل بها المطاف للسكن مع عائلتها في أحد أبراج منطقة تل الهوا بمدينة غزة.

هذا الواقع جعلها ترى كل فئات المجتمع، لم تخطط لتكون كاتبة، لكن نشأتها في بيئةٍ تعيش الثقافة والأدب ساعد على خلق الزخم في قاموس مفرداتها وفِكْرها، كانت متفوقةً في المواد العلمية، درست الصيدلة ثم انتقلت إلى العلوم الإدارية، لتعمل في وزارة شؤون المرأة، وتشارك في رسم الخطة الاستراتيجية للمرأة الفلسطينية، وهذا زاد من صلابة تجربتها، حملت نيروز من معنى اسمها الفارسي "يوم الفرح" الكثير، فهي لا تملّ الابتسام ولا تقطّب حاجبيتها أبدًا أثناء الحديث.

في بيت نيروز تتداخل العوامل التي تشكّل الوعي لشابةٍ كانت الكتب السياسية والأدبية جزءًا أساسيًا من مكوّنات بيتها، تلك الكتب التي كانت تصطف بعناية على أرفف مكتبة داخل غرفةٍ خاصة، اتخذت من اللون البني بدرجاته كساءً؛ لم يكسر رونقه التناقض القادم من لوحةٍ سريالية معلّقة على صدر إحدى جدرانها، يغلبُ فيها اللونان الأخضر والأبيض، وتزدادُ بهاءً ببقعة الضوء القادمة من شباك الغرفة، التي كسرت عتمةً ناتجة عن انقطاع الكهرباء في مدينة غزة.

تقول نيروز لـ"نوى" بعد ابتسامةٍ عريضة: "واجهتُ الكثير من الصعوبات حتى تمكّنت من المشاركة، كان كتابي مرشحًا لجائزة كتاب العام بالمنافسة مع 49 كاتبًا عالميًا، قرأت قصة واحدة منه، وتحدثت لأكثر من مرة عن الوضع الاجتماعي والإنساني والسياسي في فلسطين وقطاع غزة على وجه التحديد، وقد وجه لي الحاضرون الكثير من الأسئلة حول الوضع هنا".

المفاجأة الجميلة أن القائمين على مهرجان "أدنبرة" تولوا بأنفسهم إطلاق الكتاب عام 2019م، بل وكانت تلك الانطلاقة هي ذاتها وجه التمويل للمهرجان عقب النجاح الذي حققه الكتاب.

آثرت الشابة الحديث باللغة العربية الفصحى "فحتى من لم يفهمها في ذلك الوقت أحبَّ موسيقاها (..) كان الاندماج كبيرًا عندما تحدثت عن الإنسان الفلسطيني ونضالاته ومعاناته" تضيف.

عرجت نيروز في حديثها عن تأخّر حصولها على التأشيرة، لأسبابٍ "غير منطقية"  ومنها: تذبذب راتبها نتيجة الخصومات التي تفرضها السلطة الفلسطينية، وتارةً بسبب كونها عازبة، وهنا تضحك وتقول: "ضحك الحضور حين قلتُ لهم في المهرجان، أنا لن آتي لأتزوج هنا وفي ثلاثة أيام، هذا غريب"، مستدركة: "الناشر رفض إطلاق الكتاب دون حضوري، وهذا تصرفٌ نبيلٌ منه".

"أن تعيش لسنوات داخل وطنك بلا هوية وتُحرم من حق التنقل والحركة هذا بحد ذاته تجربة تبقى عالقة في الذهن"، هكذا علّقت نيروز على قدومها لوطنها بلا هوية وطنية حتى عام 2009م، كحال كل الذين عادوا من الخارج عقب اتفاق "أوسلو"، لتبقى الدفعة الأخيرة ممن لا يحملون الهوية الفلسطينية عالقة في نفس الدوامة حتى الآن.

هذا الأمر أوضحته في كتابها، وأثار تساؤلات الحضور في المهرجان حوله، وكيف تجرب شابة السفر للمرة الأولى رغم تجاوزها سن الثلاثين، وبكل هذه الصعوبة؟!

"صَبَرتُ سنوات على الكتاب حتى يكون أصلب وأكثر متانة"، تزيد نيروز التي بدأت كتابة قصتها الأولى "عباءة بحر" عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014م، بترشيح من الكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف الذي يشغل منصب وزير الثقافة حاليًا، الذي توقّع لها يومًا أن تكون كاتبة ناجحة.

وقعّت نيروز مع دار النشر اتفاقًا لكتابة 14 قصة أخرى، واستمرت بتحرير هذه القصص على مدار 5 سنواتٍ لاحقة، تابعت خلالها مراحل التحرير والترجمة عبر البريد الالكتروني، إذ حال الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 14 عامًا، دون تمكنها من المتابعة بشكلٍ مباشر ووجاهي، وهذا ما أخّرها لسنوات، إضافة غلى انشغال دار النشر لعامين في طباعة كتب أخرى لحين استلام التمويل من دار القلم البريطانية.

110 صفحات، هي قِوام كتابها الذي ضم عناوين مثل: "عباءة بحر"، "قمر السمرلاند"، الضفيرة الطويلة، دفتر وقلم، رضاعة ثدي، الزنابق البيضاء، عنب أسود، المرآة، وكلها تتحدث عن اللاجئين، وبعضها عن المستوطنات في الضفة الغربية، وهذا دفعها لمتابعة عشرات مقاطع الفيديو، وقراءة الكثير من المراجع لتشكّل فهمًا أقرب للواقع.

يقول الكاتب البريطاني "ويل هازر عن كتاب نيروز: "قد تكون عباءة بحر قصصًا، لكنها تقربنا من حياة الفلسطينيين الحقيقية أكثر من أي وقتٍ مضى، أكثر من أي تقريرٍ إخباري، أو مجموعة من البيانات، القصة الافتتاحية للكتاب "عباءة البحر" عبارة عن استكشاف جذري للحياة العادية في غزة، حيث كانت مليئة بالمخاوف النسوية.

في الزنابق البيضاء تروي نيروز قصة فلسطيني يبيع الزنبق في شوارع "تل أبيب"، حيث يسكنها المحتلون، ومع فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة أصبح يبيعه في شوارع غزة، ذات مرة كانت طائرة إسرائيلية تستعد للقصف فقرّب الطيار الصورة على وجه الضحية- بائع الزنبق- شكّ بأنه يعرفه، بالفعل كان يشتري منه الزنبق هناك، في المدينة المحتلة، لكن رغم ذلك، أرسلَ الصاروخ، وقتل بائع الزنبق.

تحدثت "نيروز" عن حياة اللاجئين وعن المستوطنات، وعن قطاع غزة "أكبر سجن في العالم" يحتجز فيه الاحتلال 2 مليون إنسان، وعن الحرمان من الوصول إلى باقي الوطن في الضفة الغربية والقدس.

كانت التفاصيل صادمة للحضور الذي لا يعرف عن قطاع غزة، سوى ما ينقله الخبر وبالرواية الإسرائيلية، "التي نواجهها نحن برواية فلسطينية يعرض فيها كل طرف نضالاته ويلغي الآخر، وهذا أظهر الرواية الفلسطينية في الخارج ضعيفة متناقضة ومتضاربة" تعلّق.

وتردف : "لأول مرة يسمعوا رواية بلحن مختلف عن القضية الفلسطينية، قالوا كنا نتخيل أن هناك صوت كامن لا نعرفه، ولكنه الآن موجود أمامنا"، فجلّ ما يعرفونه عن الفلسطيني القادم من قطاع غزة أنه منغلق فكريًا وفقير حتى لو كان مثقفًا"، معقبةً: "أردتُ أن أريهم صورةً مختلفة، فهناك التطور الطبيعي الذي نحن جزء منه، طبيعة النضال تختلف وتتطور".

وتوضح نيروز بأن هناك تصورًا بأن اللاجئين يعيشون في خيام وهذا غير حقيقي، "البعض يريد إبقاء هذه الصورة بغرض الحصول على التمويل، ولكن اللاجئين باتوا موظفين في مؤسسات محلية ودولية، بل وبعضهم أصبح من رجال الأعمال" ، هناك حالة إفقار ممنهجة لكل شرائح الشعب الفلسطيني بما فيها اللاجىء، ولكن هذا لا ينفي تطور مجتمع اللاجئين داخل مجتمع أوسع سواء بالتعليم أو البناء.

تستند إلى مقعدها، وتزيد بالقول: "ليس لديهم تصورات دقيقة، الخبر يَجتزئ الرواية من سياقها".

تتحدث قصة "حليبنا" للكاتبة الشابة، عن فترتين زمنتين، الأولى أثناء تفجير عصابات إسرائيلية لفندق الملك داوود عام 1946م، والثانية خلال تنفيذ شاب فلسطيني لعملية فدائية. طُرِحَ الأمر في القصة عبر تسلسلٍ زمني جعل تنفيذ الشاب للعملية منطقي جدًا في ظل سرد تفاصيل القصة.

أما في قصة "عنب أسود" فتحدثت نيروز عن منطقة محددة بين الخليل والقدس، وطرحت قضية المستوطنات الإسرائيلية، فيما تتكلم قصة "دفتر وقلم"، عن أطفالٍ يجمعون الحجارة على عربة كارو يعملون عليها، وهي مزعجة للجيران، لكنهم يجنون مع نهاية النهار 24 شيكلًا ليعودوا إلى الكرفان الذي يعيشون فيه منذ قصف الاحتلال منزلهم في عدوان عام 2014م.

أرادت نيروز لنصوصها أن تعرض القضية، وواقع الإنسان الفلسطيني، تضيف: "لا أريد استعطاف الرأي العام العالمي، ولا أتحدث عن بطولات، ولا أستخدم لغة خطابة رنانة، فقط أتحدث عن الإنسان الفلسطيني بعيدًا عن أي مفهوم سياسي مسبق لديه، وهذا ما راعيتُت توجيهه للحضور من كل دول العالم أثناء إطلاق الكتاب"، معقبةً: "نحن بشر نخطئ ونصيب، لسنا ملائكة.. ولسنا شياطين أيضًا".

لكن ورغم النجاح الذي حققته، إلا أنها ظلّت عاتبة على وزارة الثقافة الفلسطينية، التي تجاهلت الحدث تمامًا ولم تحظَ بأي تكريم أو استقبال، رغم أن وزير الثقافة الحالي هو من دعمها لتكون كاتبة، بل وأقامت في بريطانيا حينها على نفقتها الخاصة، هي تؤمن بأن دور الوزارة ينبغي أن يكون أكبر من مجرد التصفيق، إنما كان الاحترام والاستقبال في بلاد أجنبية يكفي.

كانت البداية الحقيقية لنيروز مع المقال السياسي الذي واصلت الكتابة فيه لسنوات عبر مواقع صحفية، لكنها ظلّت مجهولةً للجمهور، وظن الكثيرون بأنها ذكر، لكنها ولدى خوضها تجربة الكتابة الأدبية انقطعت عن المقال السياسي وتفرغت للكتابة الأدبية، إلا بعض المقالات التي كانت تكتبها في بعض الأحداث المهمة.

تؤمن نيروز بأن كلًا من السياسية والأدب صقلا شخصيتها، فالسياسة منحتها الثقافة والوعي بالواقع، والأدب كان أكثر عمقًا، فهو يستخدم السياسة بشكل كبير، ويزيد من متانة النص الأدبي، وهذا منحها القدرة على خوض عدة مناظرات ناجحة خلال وجودها في المهرجان، انتقلت خلالها من الأدب للسياسة بكل سهولة، فخلفيتها السياسية جعلتها تظهر القضية للآخرين بشكل سلس.

نيروز التي تكتب أصلًا في العلاقات الفلسطينية الخارجية بشكل دقيق تدرك أن الفلسطينيين يفتقدون لذاتٍ فلسطينية تمتلك القرار السياسي، لأن التمويل خارجي، والمال السياسي يلعب دورًا أساسيًا في تغيير المحاور".

وبالعودة إلى لغة الأدب فهي لا تجزم أيهما أقرب لشخصيتها، هي أم لغة السياسية، لكن هناك ثقافة عمّقت فكرها السياسي وهذا انعكس على الأدب، كذلك الأدب انعكست بعض استعاراته على مقالها السياسي.

تستعد نيروز حاليًا لتحرير كتابها من أجل طباعته هذا العام باللغة العربية، وسوف تصدر روايتين في آذار/ مارس ضمن كتاب يُنتجه "قلم الباسيك" بالمشاركة مع كاتبات كرديات، لدعم نساء المناطق التي تحررت من "داعش".

مشاركتها في مهرجان ادنبرة

مشاركتها في مهرجان الكورك للقصة القصيرة في إيرلندا

كتابها في المكتبات البريطانية 

الصحافة الأجنبية تكتب عنها

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير