شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م01:11 بتوقيت القدس

26 عامًا.. 29 شهيدًا.. 150 جريحًا

مجزرة الحرم الإبراهيمي.. رائحة الدم في ذاكرة الشهود

25 فبراير 2020 - 20:39

الخليل - شبكة نوى :

"كان فجرًا ملطخًا بالدم القاني، لقد امتزجت دماء المصلين على سجادات الصلاة ما بين شهيدٍ وجريح، مشهدٌ لا يمكن أن يُمحى من ذاكرتي وإن مرَّ فوق عمري عمرٌ آخر، هناك فقدتُ أخي وزوج شقيقتي والكثير من الأحبة"، بهذه الكلمات بدأ إمام الحرم الإبراهيمي كامل إدريس حديثه عن مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها الإسرائيلي "باروخ جولدشتاين" في مثل هذا اليوم الموافق 25- شباط/ فبراير عام 1994م.

 كانت صلاة فجر الخامس عشر من رمضان، عندما اقتحم جولدشتاين برفقة عددٍ من المستوطنين، وبمساندة جنود الاحتلال، الحرم الإبراهيمي، من بوابة المسلمين التي لم تكن الحراسة عليها مشددة في تلك الليلة، "كان كل شيءٍ مدبرًا، فالمجرم الذي يعمل طبيبًا لم يرتكب المجزرة وحدة" يقول إدريس، وهو يستعيد شريط أحداث المجزرة التي خلَّفت 29 شهيدًا وما يزيد عن 150 جريحًا.

ويضيف: "كنتُ ليلتها مكلفًا بصلاة العشاء في مسجدٍ مجاورٍ للحرم، حينما فوجئت بابن خالتي عبد اللطيف الكركي، وهو أيضًا أحد شهداء المجزرة، يصيحُ ويصرخ ويخبرنا بهجوم المستوطنين على مصلي الحرم بالشموع المشتعلة والأحذية، وتوعّدهم لهم بالفجر القادم"، يصمتُ برهةً ثم يكملُ بغصة: "قالوا لهم بالحرف الواحد: شوفوا بكرة شو راح يصير فيكم".

في موعد صلاة الفجر، كانت كل الشواهد تشي بخطر ما، يزيد الإمام إدريس، مستدركًا: "لكن لم يخطر ببالنا أن يتعرض الحرم لهذه البشاعة، التي تعكس الحقد الذي تربى عليه هؤلاء المستوطنين تجاه المسلمين".

وفي الوصف يقول ادريس: "عندما توجهنا نحو البوابة الإلكترونية، كان الجنود قد تغيروا، ومُنعت النساء من دخول الحرم، وتم تحويلهن للصلاة في مكان يطلق عليه اسم "الجاولية"، ثم دخلنا وبدأنا صلاة الفجر".

أثناء السجود، بدأ إطلاق النار صوب المصلين بكثافة، صارت الجثث تتهاوى، والدماء تملأ المكان، كان جولدشتاين يقوم بتفريغ الرصاص، ثم إعادة تعبئة "المشط" (المخزن) من جديد، وكان يسانده قرابة 15 مستوطنًا يقفون قرب الباب الخارجي، يطلقون النيران من فتحات الباب، هذا قبل أن يهجم من استطاع النجاة بجسده من المصلين على القاتل ويقتلوه.

يزيد إدريس: "بدأنا نخلي الشهداء والجرحى، بعد أن تحولت أرض المسجد إلى بركةٍ من الدماء والأشلاء، شاهدتُ شقيقي الذي رافقني إلى الصلاة وابن خالتي وهما غارقيْن بالدم، ظننتهما مصابَين، فأخذتُ أبحث عن الإسعاف، لكنهما ارتقيا قبل أن تصل إليهما يد المساعدة".

يتذكر الشيخ إدريس أحد المصلين الذين كانوا يصلون خلفه، وينادونه "أبا عيسى"، أصيب في كتفه وتم علاجه في الأردن، وهناك اكتشف الأطباءُ إصابته برصاصتين مختلفتين، وهو ما يثبت أن إطلاق النار كان من أكثر من شخص".

المجزرة التي كَسَت الخليل وباقي المدن الفلسطينية بثوبٍ من حزن، أعقبها إغلاق الحرم الإبراهيمي تسعة أشهر، وتقسيمه إلى قسمين، الأول للمسلمين، والثاني للمستوطنين، فيما وُضعت البوابات الإلكترونية التي تمنع المصلين من إدخال أي شيئ معدني للحرم، في الوقت الذي كان المستوطنون فيه يدخلون القسم الثاني بأسلحتهم.

لا كلمات يمكنها أن تصف مشاعر الإمام إدريس، وباقي مصلِّي الحرم، عند العودة للحرم بعد تسعة أشهرٍ من الإغلاق، عن تلك اللحظات يقول: "كان شعورًا لا يوصف، كيف يمكنهم بعد ارتكاب هذه المجزرة البشعة، أن يحولوا القاتل والمجرم إلى بطل ويكافئوه بمنحه أكثر من نصف مساحة الحرم، بينما يحرمون الضحية من حقهم في الصلاة بإرثهم الإسلامي العريق".

بدوره، يقول مدير الحرم الإبراهيمي حفظي أبو سنيمة: "هذا اليوم هو تاريخ الذكرى الأليمة، ففيه استشهد وجرح العشرات من المصلين، وعلى إثر ذلك تم تقسيم الحرم إلى قسمين بالقوة وفق سياسة الأمر الواقع".

ويوضح أبو سنيمة، أن هناك 10 أيام بالسنة، يُغلق خلالها الحرم في وجه المسلمين، مضيفًا: "هناك أكثر من ألف دكان مغلق منذ وقت المجزرة، وشارع الشهداء، وسوق الخضار المركزي، وشارع السهلة، كلها تحت السيطرة الإسرائيلية لإحكام الخناق على الحرم الإبراهيمي، وهو الأمر الذي يثير مشاعر واستفزاز المسلمين بشكلٍ دائم".

من الجدير ذكره، أن وزير الجيش الإسرائيلي نفتالي بينيت، أصدر قبل يومين، قرارًا بإنشاء مصعدٍ كهربائيٍ لتسهيل وصول المستوطنين إلى الحرم الإبراهيمي، وهو  ما عدَّهُ مدير الحرم "إجراءً تدنيسيًا يهدف للهيمنة".

كاريكاتـــــير