شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م11:03 بتوقيت القدس

نورس.. صانعة أفران الطين المشهورة "من السلك للسلك"

09 ديسمبر 2019 - 09:51

قطاع غزّة:

لم يعد قطاع غزّة بيئةً آمنةً للعيش، هذا ما نتج عن حصارٍ أحكمته "إسرائيل" منذ أكثر من عقد، وثلاث جولاتٍ كبرى من العدوان أنهكت أرواح مليونين ونصف المليون إنسان يعيشون فيه.

كيف يتعايش النّاس مع الأوضاع هنا؟ يُحاولون التخطّي فقط، يخلقون رزقهم من العدم في ظل أوضاعٍ اقتصادية صارت في أسوأ أشكالها. ربّما كانت قصّة إحدى النساء اللاتي يسكنَّ شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة ملهمة، فهي زوجة وأم، لم تقرّر الاستسلام لظروف غزّة المأساوية، بل إنها صنعت مجدها بيدها – هكذا تقول -.

نورس أبو جامع، صانعة أفران الطين المشهورة من السلك إلى السلك (وهذا مصطلح عامّيٌ هنا يعني: من أقصى شمال قطاع غزّة إلى جنوبه)، كون الاحتلال يحصر حدوده هكذا، بأسلاك شائكة تقتل كلّ فلسطيني يقترب منها وتجعل الأمر علامة حذر لكلّ من يفكر بالاقتراب.

"منذ 17 عاماً، تجمّدت أطرافي وتيبّست وأنا أعمل بصناعة أفران الطين" تقول نورس التي بلغت الـ 50 عاماً، كانت تقف تحت أشعة الشمس التي تشبه بارود الاحتلال بنورها السّاطع ونارها الحارقة، لا تستريح، تتنقّل بين مجموعة أفرانٍ أوصاها الناس بصنعها مقابل مبلغ من المال لا يتجاوز الـ 50 دولاراً، وهذا مبلغٌ متوسطٌ بالنسبة إلى حجم التعب الذي تبذله السيدة في عملية الصناعة.

وتضيف: "الوضع في غزّة يتطلّب منا التعب، إن لم نكافح بشكل شخصي، لن يكافح أحدٌ من أجلنا، 17 عاماً وما قبلها من ظروف معيشية تعيسة، تحديتها بكامل قوّتي، لم أستسلم للغرق في الموت والفقر والعوز، لقد خلقتُ من أجل عائلتي فرصةً للعيش".

يشتهر الفلسطينيون بصناعة أفران الطين التراثية منذ القدم، وبعض الناس –مهما كان وضعهم الاقتصادي جيدًا- إلا أنهم يفضلون هذا النوع من أدوات الخبز والطبخ التقليدية إذ يرونه صحّيًا أكثر، وأكثر لذّة في طهو الأطعمة المختلفة، ناهيك عن الفقراء الذين يبحثون من خلال استخدامه عن توفير الغاز كونه يعتمد في إشعاله على الحطب، أضف إلى ذلك فئةً ثالثةً هي العائلات المعتادة على صنع الخبز في البيت، فلا تشتريه جاهزًا أبدًا، فتعمد سيداتها إلى تعويض ساعات انقطاع التيار الكهربائي التي تصل إلى16  ساعة تقريباً في اليوم الواحد، باستخدام فرن الطين وخبز عجينهن على نار الحطب، واستغلال الكهرباء حين الوصل بإنجاز مهام أخرى كغسل الملابس وكيّها مثلًا.

وتتابع نورس: "لم يكن أمامي سوى الطين لتوفير لقمة عيشي ومصروف أبنائي وبناتي، بين احتياجات المدارس والجامعات، وطلبات المنزل، واحتياجات زوجي الكفيف، لقد نجحت فعلاً".

تحت الشمس، ولصناعة فرنٍ واحد، تستغرق السيدة حوالي أسبوعين كاملين من العمل الشاق، ناهيك عن مرافقة أبنائها إلى السوق لعرضه أمام الزبائن، تعلّق بالقول: "العمل بهذه الحرفة ليس ممتعاً بقدر ما هو متعب ومؤلم، أرهق يديّ وأصابعي؛ لكنني بحاجته وبحاجة مدخوله المادي بالتأكيد".

"ببناء أفران الطين بنيتُ منزلي طوبة طوبة" تقول نورس، وتضيف: "العمل عبادة، هذا ليس شيئًا أخجلُ منه، أفتخرُ بنفسي وأشعرُ بأني قدوة جيّدة، هذا يقيني، أحب إرادتي في العمل، رغم كل التعب يتحتم عليّ المواصلة، لن أستسلم للفقر والبطالة الحصار والموت".

وبحسب وزارة التنمية الاجتماعية بغزة، فإن نسبة انعدام الأمن الغذائي في صفوف سكان القطاع بلغت 70%، كما أن نسبة الفقر والبطالة وصلت خلال العام 2019م إلى ما يقرب من 75%، في حين أن 33,8% يعيشون تحت خط الفقر المدقع.

كاريكاتـــــير