شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م12:55 بتوقيت القدس

الموسم الدراسي.. فرحة يخطفها سوء الاقتصاد في غزّة

02 سبتمبر 2019 - 21:34

قطاع غزة:

مع ساعات الصباح الأولى، يهرول يوسف نحو أمّه التي تُعدّ له ولأشقائه "الساندويشات" استعداداً للذهاب إلى المدرس، يصرخ بصوت عالٍ "مرّ أسبوع على بدء المدرسة ولم تأتِ لنا حتى اليوم بالقرطاسية، لا أريد الذهاب إلا بشنطة جديدة ممتلئة بالدفاتر"، لتعده الأم أنها ستذهب بعد نهاية الدوام لشرائها معاً، إلا أنه لم يعد يصدّقها، فالوعد تكرّر ولا موفّي له!

هذه قصّة مئات العائلات التي تسكن قطاع غزّة باختصار، تبدأ كلّ صباح ولا تنتهي في المساء بالطبع، متجدّدة باستمرار، غضب الصغار تجاوز طاقة أسرهم الذين بالكاد يوفرون مصروف مأكلهم ومشربهم، فماذا عن بدء موسم المدارس والحاجة إلى القرطاسية؟

غضب الصغار تجاوز طاقة أسرهم الذين بالكاد يوفرون مصروف مأكلهم ومشربهم

سهى خليل والدة يوسف تقول إن زوجها يعمل موظفاً في السلطة الفلسطينية، لا يتقاضى سوى 750 شيكلاً / 210 دولاراً تقريباً بعد الخصومات وسداد قرض كان قد استدانه من البنك، يقسّم المبلغ ما بين سداد ديون البقالة التي تؤمن لهم بعض الحاجيات مثل السكر والأرز والعدس والطحين ومستلزمات منزلية أخرى، وبين مصروف لحوم وخضروات لا يكفي لكن الأم تحاول تدبير الأمر بأقل الإمكانات.

"أكره مواسم الأعياد والمدارس بفصليها الأول والثاني، العبء يزداد والأطفال لا يستوعبون"، تضيف الأم التي لديها خمسة من الأطفال في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية أيضاً، وطفلة في التمهيدي. 

بحسب سهى، فإن تكلفة القرطاسية وحدها التي يحتاجها أبناءها في الدراسة لا تقل عن 300 شيكلاً / 80 دولار تقريباً، ما يعادل نصف راتب زوجها الذي يتدبرون شهرهم فيه، أمر لم تستطع تجاوزه حتى الآن، إلا بحال قبلت مكتبة إعطاؤها الأغراض بالتقسيط، وهنا، لا يقبل أصحاب المكتبات المدرسية بغزة في هذا الحل إلا إذا كانت قريبتهم.

وفي حل مؤقت، تحاول الأم استصلاح ما تبقى من قرطاسية العام الماضي، أو تدبير الأمر بالفائض عن الحاجة لدى قريباتها من شنط مدرسية ومستلزمات أخرى تُعوّض ما لم تشتريه.

تكلفة القرطاسية وحدها التي يحتاجها أبناءها في الدراسة لا تقل عن 300 شيكلاً / 80 دولار تقريباً

في منزل آخر في غزّة، قصّة ثانية، مثلاً يعود الأطفال في الأيام الأولى من بدء الموسم الدراسي يحدّثون والديهم عن قرطاسية زملائهم، "هيثم يا ماما اشترى شنطة جرارة، يستطيع جرّها بيده وهي طبية، وريتال يا بابا اشترت دفاتر مرسوم عليها فلّة ليس لدى المكتبة التي تأخذونا إليها مثلها".

 يقول محمد أبو جلالة وهو أب لأربعة من الأبناء، منهم ثلاثة في المدرسة: "لو بدي أجيب كل المطلوب لواحد منهم سوف أجبر على أن آتي للكل مثله وإلا سأقع في ورطة مع أبنائي، خصوصاً أن القرطاسية ليست رخيصة الثمن مقارنة مع الوضع الاقتصادي بغزّة".

230 شيكلاً / 65 دولاراً بلغت تكلفة القرطاسية التي اشتراها محمّد لأولاده، تنوّعت ما بين دفاتر وشنطة واحدة ومطرات للمياه وأقلام رصاص وملوّنة ومحايات وبرايات وألوان ودفاتر رسم وأقلام لبّاد وتجاليد للدفاتر والكتب، دون الاهتمام بجودتها إلا أنها تؤدي الغرض فحسب.

يضيف أنه ما أن يصطحب أبناءه إلى المكتبة لشراء القرطاسية، حتى يبدأ كل واحد بتحصيل ما يريد بغض النظر عن سعره، ما يجبره على توبيخهم في بعض الأحيان لكنه لا يخفي شعور العجز في حديثه أنه يتمنى توفير كل ما يحتاجونهم خصوصاً أنهم يحبون المدرسة والدراسة ومتفوقين فيها.

ويصف بدء الموسم الدراسي: "بالأزمة" المتجددة مرتين في العام الواحد، يتخللها طلبات كثيرة خلال الفصل الدراسي ما بين أنشطة مدرسية ورسوم أحياناً ومصاريف لطباعة الامتحانات والملازم، ما يشكل المزيد من الأعباء على كاهل الأهالي.

إسلام عطالله لديها ثلاثة أبناء في المدارس، ما بين المرحلة الابتدائية والثانوية ترى أن قرطاسية المدرسة يجب أن تكون بالمعقول، تماماً كما فعلت مع أبنائها برغم أنها قادرة على توفير كل ما يلزمهم وبأغراض مميزة، لكنها في الوقت ذاته فضّلت أن تختصر مراعاة لزملائهم وزميلاتهم بالفصل وتماشياً مع الوضع الاقتصادي العام لسكّان القطاع.

تقول: "فكرت ماذا سيكون شعور الطالب الملازم له بالفصل، كنت أحب أن أطبع صورهم على دفاترهم لكنني استثنيتها واستبدلتها بدفاتر جيدة وليست مزخرفة، واستعنت بتجليده بالرسومات التي يحبونها"، ما جعل التكاليف أقل ومناسبة للمدارس الحكومية التي تضم مستويات طلاب وطالبات فيها مستويات معيشية متباينة في بعض الأوقات.

ووفق بيانات للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة البطالة في قطاع غزّة بلغت خلال العام الماضي 52% مقابل 44% في العام السابق عليه، وكان لافتاً انخفاض نسبة العاملين بأجر في القطاع الخاص، الذين يتقاضون أجراً شهرياً أقل من الحدّ الأدنى للأجر إلى 72% العام الماضي مقابل 81% في العام السابق عليه، إذ يبلغ معدل الأجر الشهري في غزة 671 شيكلاً إسرائيلياً. (الدولار = 3.52 شيكل).

كاريكاتـــــير