شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 24 ابريل 2024م03:09 بتوقيت القدس

قراءة أدبية في قصة "الثور الذي سرق جزمة الكنغر" لخالد جمعة

24 ابريل 2019 - 06:04
شبكة نوى، فلسطينيات:

مداخلة أدبيّة للشاعر بدر عثمان، تمّ تقديمها في حفل توقيع قصّة "الثّور الّذي سرق جزمة الكنغر"، للشاعر والكاتب خالد جمعة، بتاريخ 18 أبريل 2019، في مبنى المحكمة العُثمانيّة بمدينة رام الله.

تذكّرت وأنا أقرأ قصّة "الثّور الّذي سرق جزمة الكنغر" (مؤسّسة تامر، 2019) جُملةً للنّاقد التّفيكيكي الشّهير جاك داريدا، وهي الّتي تتضمّن دعوتهُ المُستمرّة في التّشكيك بفكرة "النّقاء" الوهميّة، أو بديهيّة النّقاء، لأنّهُ ببساطة يدفعنا إلى تحليل تقني من شأنهِ أنْ يؤدّي إلى بساطة أصل غير قابل للتحلّل، أو التّحليل.

ومع أنّي صرتُ مُقلّاً بأدب الطّفل، إلّا أنّ سؤالاً بنيويّاً كان يشغلني عند ذكر هذا الأدب؛ وهو سؤال السّلطة. سلطة الكاتب ممثّلاً برسولهِ الرّاوي مُجسّداً أخلاقياتهُ في إطار تنظيريّ دعويّ. والجواب ولو جزئيّاً جاء في قصّة الثّور. سأقولُ كيف ولماذا وأين لاحقاً. 
وفيما يلي سأذكر نقاط ثلاثة، حاولت من خلالها بناء هذه المُداخلة الّتي قد يكون أنّها أقّلت في الجانب الشّكلاني للنصّ لصالح الجانب المضاميني على عكس عادتي في قراءة النّصوص.

أولاً: قصّة الثّور؛ تخييل واقعيّ 
تلعب قصّة الثّور بين جزئيتين أصيلتين في الأدب، مضموناً يحملُ تخييلاً يجعلُ المعلومة الواقعيّة أشبه بالمخيال. وشكلاً صديقاً ينتمي إلى البناء القصصي الهرميّ، البداية، الحبكة، الخاتمة.

وفي البدايةِ، سأقوم بمحاولةٍ للتفريق بين أمرين، الأوّل: قصص أطفال تستخدم الخيال وتوظّفه. الثّاني: قصص أطفال ذات بناء خياليّ. وما يُخيّل لي، أنّ قصّة الثّور من النّوع الثّاني؛ أي الّذي يتّخذ الخيال قاعدة بناء لا تقنيّةً لإنقاذ القصّة حينَ تُغرقها واقعيّة الواقع الفجّ. وهي بهذا الأمر إذ تُحقّق توظيفاً واقعيّاً للحقيقة بقالبٍ خياليّ، عبر تمريرٍ مبني على معلومات دقيقة تمّ استخدامها في الحبكة.

ثانياً: انكسار البطل لصالح الجماعة
إنّ من المُلفت في هذه القصّة، ذهاب جُمعة إلى كسر سلطة الفرد البطل، إلى ثالوثٍ لا علاقة لهُ بالدّين، ولكن بالسّياسة. رُكّب هذا الثّالوث توظيفيّاً لحلّ مُشكلة الفرد. وقد تبدو مصداقيّة مؤسسة تامر هُنا واضحة في انحيازها لنشر هذا العمل رادّةً لُبّ فلسفتهِ الجماعيّة إلى فلسفتها المُجتمعيّة، مشياً نحو مقولتها الذّائعة مُجتمع حر وآمن، والّتي إذا فكّكناها قليلاً نرى أنّها مُجتمع حر لفردٍ آمن.

ثالثاً: الحوار المُمتدّ؛ أسلوب لكسر سلطة الرّاوي 
يظهرُ في القصّة حواراً ليس بالقصير بين شخصيّاتها الّتي اتّفقت على حلٍّ لإرجاع الحقّ الّذي وازاهُ المؤلّف بالجزمةِ. ويوظّفُ فيها حواراً أراهُ انعكاساً لفكرة إيتالو كالفينو، النّاقد والرّوائي الإيطالي، في كتابهِ "Uses of Literature" نيويورك 1982، والّذي يفكّك فيهِ فكرة الصّوت في النصّ؛ بالمعنى السّلطويّ. فلمن الصّوت في القصّة؟ وفي حلّ المُشكلة، ينأى جمعة بنفسهِ قليلاً ويعطي الصّوت للثالوثِ لحلّ القضيّة، وفي هذا كسر جميلٌ لسلطة "الرّاوي الإله" كما أسمتهُ مقالات بحثت في تقنيّات السّرد وبشكلٍ واضحٍ تجربة أُمبرتو إيكو في كتابه "تأمّلات في السّرد" المركز الثقافي العربي 2015. 
وذهاباً إلى الختام، لا بدّ من توجيه تلويحة محبّة للرسّام خالد جرادة، لهذه الرّسومات الّتي تحمل النصّ بشكلٍ خفيفٍ ومتناسق.

وأخيراً، فكّرت ذات مرّة بعدم انتشارٍ مهول لفكرة الأطفال يكتبون أدباً للأطفال. فلماذا لا يكتبون لبعضهم وينتهي دور الكبار؟ من الواضح أنّ حياتهم أجمل من الكتابة عنها فيعيشونها، وحياتنا بائسة ولذا نكتبْ.

كاريكاتـــــير