"كأنه حلم، لا إنه كابوس" كلمات جاءت على لسان الدرّاج الفلسطيني علاء الدالي، بعد أن أطلق جنود الاحتلال النار عليه و"قصّوا" رجله – حسب وصفه -؛ بينما كان يتفرّج على الحدود شرق رفح، خلال مسيرات العودة في الثلاثين آذار / مارس من العام الجاري.
فعليًا، كانت الرصاصة القاضية التي أنهت حلم علاء في تمثيل فلسطين في سباق دولي للدرجات الهوائية، من المقرر عقده في آب / أغسطس 2018.
يقول الشاب الذي يبلغ من العمر 21 عامًا إن حياته كانت جميلة، لديه الكثير من الأصحاب الذين يرافقونه في سباقات الدراجات الهوائية، لمدة لا تقل عن الـ6 ساعات يوميًا، حتى أنه ذهب بصحبتهم إلى مسيرات العودة السلمية للمشاركة عبر دراجاتهم الهوائية كرسالة من سبّاقي غزّة، ولم يكن يدرك أن الاحتلال قد قرر حرمانه من ممارسة هوايته المفضلة ومن ممارسة حياته الطبيعية أيضًا.
يسكن علاء مدينة رفح جنوب قطاع غزّة، مهاجر من يافا. يحكي عن إصابته "كنت أقف على مسافة بعيدة نسبيًا عن السلك الفاصل، تقدّر بـ200 متر، فقط كنت أتأمل الحدود والجنود المختبئين خلف الساتر الترابي، حتى صحوت من التأمل وأنا ملقى على الأرض، الدماء تناثرت على ملابسي وشظايا الرصاص شوّهت القدم اليسرى".
"تخيلي عصا يكسرها أحد من النصف، كيف تنشق نصفين؟ أنا كنت كذلك، كانت رجلي ثابتة كالعصا وتم كسرها برصاصة متفجرة أودت بي أرضًا، أستيقظ وأغفو وأنا أسأل المسعفين والأطباء، كيف رجلي؟ هل سيتم بترها؟ أمانة عليكم لا تبتروها. عندي سباق يا الله، لدي حلم بدخول هذا السباق، لا تحرموني منه وتبتروا رجلي" يصف المشهد ويسأل نفسه "بطّل ينفع لا سباق ولا غيرو؟ بس يمكن مع طرف صناعي؟ مين بده يركبلي طرف صناعي طيب؟".
وبحسب وزارة الصحّة الفلسطينية، فمنذ بدء فعاليات مسيرة العودة الكبرى في 30 مارس 2018، حتى نشر التقرير، ودّع قطاع غزّة 44 شهيداً من بينهم 5 أطفال ونحو 7000 إصابة خلال شهر واحد فقط، وتتركّز إصابات الرصاص الحي "المتفجّر" غالبًا في المناطق السفلية من الجسم بنسبة 80% من عدد المصابين، هذا ما أكّده الدكتور عدنان البرش استشاري جراحة العظام بمجمّع الشفاء الطبي.
وفي قصّة أخرى، يروي الشاب إبراهيم البحطيطي 25 عامًا أنه كان يسير بقرب الجدار الفاصل في منطقة "ملكة" شرق حي الشجاعية، هو وصديق له يتأملون الحدود ويتخيلون أنفسهم دخلوها واستمتعوا بالمناظر الخلابة داخلها، حتى فوجئوا بمداهمتهم من قبل قوات الاحتلال التي اعتقلتهم لفترة قصيرة أبرحتهم ضربًا ثم أطلقت النار على أرجلهم من مسافة الصّفر، ثمّ سلمتهم للجهات الفلسطينية.
يعاني البحطيطي اليوم بفعل الإصابة من تهتّك بعظام قدمه اليسرى، وتآكل اللحم بداخلها بسبب الرصاص غير المعلوم ما هيته، ويرى بذلك أن إسرائيل تسعى إلى التسبب بإعاقات دائمة للشباب في استهدافها لأرجلهم بهذا النوع من الرصاص، الأمر الذي نبّه له الأطباء حيث قال البرش إن ما نسبته 90% من الجرحى قد استهدفهم الاحتلال برصاص متفجّر بالمفاصل، كي يتسبب لهم بإعاقة متعمدة، خاصة أن هذا النوع من الرصاص خطير ولم يسبق استخدامه ضد المتظاهرين السلميين على الحدود ما يدلل على رغبة الجنود بضرب الشبان في مناطق مفصلية تحكم حركتهم وبالتالي الإحالة دون وصولهم إلى تلك المناطق مجددًا.
وأثارت الحالات التي وصلت إلى المستشفيات دهشة الأطباء الذين وجدوا صعوبة في التعامل معها، كونها تسبّب حروقا تصل إلى العظام، وتُحدِث نزيفاً نسيجياً، وتسمماً للأوردة، والشرايين، وتهتّكاً في الأنسجة، والعضلات، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إعاقات مستديمة حسب د. نضال كامل المغنّي استشاري وأخصائي جراحة العظام في مجمّع الشفاء الطبّي في تصريحات صحفية.
وأعقبت رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود في فلسطين، ماري إليزابيث إنجرس: "يعاني نصف المصابين في عياداتنا – الذين يزيد عددهم عن 500 مريض – من إصابات بعيارات نارية دمر فيها الرصاص الأنسجة بعدما سحق العظام. وهو ما سيستدعي هؤلاء المرضى إلى إجراء عمليات جراحية معقدة للغاية كما وسيعاني معظمهم من إعاقات طوال حياتهم".
وتضيف "إن التعامل مع هذه الإصابات أمر صعب للغاية. فبالإضافة إلى الرعاية الطبية العادية، فإن المرضى غالباً ما يحتاجون إلى جراحة إضافية وعلاج طبيعي طويل جداً وكذلك العمل على إعادة تأهيل المصاب. وستترك هذه الإصابات قصوراً وظيفية دائمة لدى الكثير من المرضى، وقد يحتاج بعضهم إلى عمليات بتر إذا لم يتم توفير العناية الكافية لهم في غزة ولم يتمكنوا من الحصول على التصريح اللازم للعلاج خارج القطاع".
وقال الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أشرف القدرة إنه سجل 21 حالة بتر للأطراف جراء اعتداء الاحتلال الإسرائيلي على مسيرات العودة الكبرى منذ 30 مارس الماضي، موضحًا أن من حالات البتر 4 في الأطراف العلوية، شملت واحدة في كفّ اليد، و3 في الأصابع، وباقي حالات البتر الـ 17 هي بالأطراف السفلية