شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025م00:55 بتوقيت القدس

ورشة عمل عقدتها "فلسطينيات" ضمن مشروع (engage)..

"لا للإفلات من العقاب: حماية الصحافة مسؤولية جماعية"

06 نوفمبر 2025 - 19:32

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

من رام الله، خرج الصوت عاليًا: "كي لا يفلت المجرمون من العقاب". لم يكن اجتماعًا عاديًا، بل نداءً أخلاقيًا يصرخ باسم كل من قُتلوا لأنهم حملوا الكاميرا والقلم من أجل إيصال أصوات الضحايا.

في قاعةٍ تفيض بالوجع والوعي معًا، اختتمت مؤسسة "فلسطينيات" والمركز الفلسطيني للتنمية والحريات "مدى"، ورشة عمل بعنوان "لا للإفلات من العقاب: حماية الصحافيين/ات مسؤولية جماعية"، ضمن أنشطة مشروع (Engage)  الذي تنفّذه "فلسطينيات" بالشراكة مع جامعة النجاح الوطنية، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي.

الورشة، التي تزامنت مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين في الثاني من نوفمبر الجاري، فتحت جرحًا جديدًا في الذاكرة الفلسطينية وهي تناقش الجرائم الإسرائيلية ضد الصحافيين والصحافيات خلال حرب الإبادة على قطاع غزة وفي الضفة الغربية، لتطرح سؤالًا جوهريًا: ماذا يريد الصحافيون الفلسطينيون من العالم؟

في كلمة الافتتاح، قالت وفاء عبد الرحمن، مديرة "فلسطينيات": "إن "إنهاء الإفلات من العقاب" مفهوم كبير في منظومةٍ خذلت الصحافيين والصحفيات في فلسطين. فالقانون الدولي ومؤسساته لم توقف العدوان، ولم تحمِ الصحافيين/ات من رصاص الاحتلال"، مضيفةً: "قبل أن نتحدث عن العقاب، علينا أن نطالب أولًا بوقف الإبادة، وهذا لم يحدث بعد".

وذكرت عبد الرحمن الصحفية شيرين أبو عاقلة، التي اغتيلت في جنين عام 2022م على مرأى العالم ومسمعه، مردفةً بمرارة: "الصحافي الأمريكي مهدي حسن قدّم تحقيقًا أثبت الجريمة وحدد المجرم، لكن حتى اللحظة لم يُحاكم أحد".

وتابعت: "منذ بدء الإبادة على غزة، وثقت فلسطينيات استشهاد 280 صحافيًا وصحافية، بينما وثق مركز الميزان ارتقاء 303 شهداء. نريد حقهم جميعًا، وحق شيرين وغفران وراسنة، وغيرهم ممن قتلهم الاحتلال. هذه مسؤوليتنا كفلسطينيين قبل أن تكون مسؤولية العالم".

الكلمة التالية جاءت بصوت شيرين الخطيب، القائمة بأعمال مدير مركز "مدى"، التي قالت: "هذا اليوم يمثل نداءً متجددًا لضمير الإنسانية، فحماية الصحافيين شرط لتحقيق العدالة وترسيخ حرية الرأي والتعبير".

وأكدت أن الصحافيين/ات الفلسطينيين/ات يعملون في بيئة قمعية يُنتهك فيها حقهم في العمل بحرية. فمنذ بدء الحرب استُشهد المئات منهم، واستمرت الاعتقالات والمنع من التغطية بهدف إسكات الرواية الفلسطينية.

وأوضحت أن مركز "مدى" وثّق (846) انتهاكًا، بينها (780) انتهاكًا إسرائيليًا مباشرًا ضد الصحافيين والصحافيات. وفي قطاع غزة وحده، استُشهد منذ بداية العام 47 صحافيًا ليصبح العدد الإجمالي 303، معقبةً بالقول: "تحقيق العدالة يتطلب شراكة حقيقية بين المؤسسات الحقوقية والإعلامية والأهلية لتوثيق الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها".

بدوره، ذهب سمير زقوت نائب مدير مركز الميزان لحقوق الانسان ومدير المشاريع، إلى أعمق من ذلك في تشخيص الجذر القانوني للمشكلة، فأكد أن الإفلات من العقاب هو حصانةٌ منحها العالم للجناة، قائلًا: "منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية عملت منذ سنوات لإنهاء هذه الحصانة، ورفعت دعاوى أمام محاكم في بريطانيا وإسبانيا، ونظمت حملات مناصرة وتحشيد تحت شعار إنهاء الإفلات من العقاب".

"اللوبي الصهيوني نجح في دفع بعض الدول لتغيير قوانينها بحيث لا يمكن ملاحقة المجرمين إلا إذا كانوا يحملون جنسية الدولة ذاتها"، ما دفع المؤسسات الحقوقية لملاحقة مزدوجي الجنسية".

وفي ورقته بعنوان "الإفلات من العقاب ودور المحكمة الجنائية الدولية في المساءلة"، أوضح زقوت أن استمرار الجرائم الإسرائيلية تغذيه الحماية الغربية التي تحول دون محاكمة المجرمين، وأن نظام العدالة الإسرائيلي عاجز عن إنصاف الفلسطينيين، خصوصًا في غزة، إذ يمنعهم من محاكمة أي إسرائيلي.

وأضاف: "اللوبي الصهيوني نجح في دفع بعض الدول لتغيير قوانينها بحيث لا يمكن ملاحقة المجرمين إلا إذا كانوا يحملون جنسية الدولة ذاتها"، ما دفع المؤسسات الحقوقية لملاحقة مزدوجي الجنسية.

وختم بقوله: "لدينا ملفات ضخمة توثق الجرائم بحق الفلسطينيين، وسنصل إلى العدالة ذات يوم، فالعالم لا يستطيع أن يظل أعمى إلى الأبد".

أبو لبدة: "إفلات "إسرائيل" من العقاب، هو نهج أشارت إليه كثير من تقارير الأمم المتحدة، ونظام العدالة الجنائية الدولي منحاز للمتهمين لأنه يشترط أدلة يقينية يصعب توفيرها في حالات القصف والحرب".

وفي مداخلةٍ أخرى، قال الباحث القانوني في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، عمار جاموس: "إن ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الصحافيين/ات ليست مطلبًا مهنيًا فحسب، بل فعل إنصافٍ للضحايا وعدالةٍ للحقيقة نفسها".

وأضاف: "دولة الاحتلال قتلت 256 صحافيًا/ـة في غزة، وهذه الجرائم تُعدّ الأعلى عددًا في التاريخ الحديث ضد الصحافيين"، مشيرًا إلى أن "منع دخول الصحافة الأجنبية إلى القطاع كان محاولةً متعمدة لطمس الحقيقة".

وفي ورقته المعنونة "الجهود الحقوقية لمناهضة الإفلات من العقاب بناءً على الدليل المختص في الإعلام حول الإبادة على غزة"، أوضح أن إفلات "إسرائيل" من العقاب، هو نهج أشارت إليه كثير من تقارير الأمم المتحدة، وأن نظام العدالة الجنائية الدولي منحاز للمتهمين لأنه يشترط أدلة يقينية يصعب توفيرها في حالات القصف والحرب، "فالأدلة الرقمية رغم قوتها تظل دلائل لا أدلة قاطعة"، على حد تعبيره، مؤكدًا أن المؤسسات الحقوقية غير الرسمية تتحمل مسؤولية أخلاقية في سد هذا الفراغ العدلي.

د.صابرين أبو لبدة: "إسرائيل ادعت أن إطلاق النار كان غير متعمد، بينما وثقت منظمة (بتيش دين) إفلاتًا بنسبة (92%) في شكاوى الفلسطينيين ضد الجيش الإسرائيلي، وفق تقرير 2025م".

ومن جانبها، تناولت د.صابرين أبو لبدة، منسقة المشاريع في الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون، في ورقتها لتي حملت عنوان: "لا للإفلات من العقاب: الجوانب القانونية وحماية الصحافيين مسؤولية جماعية"، البعد القانوني للقضية، مشيرةً إلى أن النظام الإسرائيلي يعتمد على "قانون العقوبات لعام 1977م" و"قوانين الطوارئ لعام 1945م"، لكنه يفتقر إلى استقلالية التحقيق، بما يخالف المعايير الدولية.

"قضية شيرين أبو عاقلة مثال صارخ على ذلك"، تقول أبو لبدة، مردفةً: "إسرائيل ادعت أن إطلاق النار كان غير متعمد، بينما وثقت منظمة (بتيش دين) إفلاتًا بنسبة (92%) في شكاوى الفلسطينيين ضد الجيش الإسرائيلي، وفق تقرير 2025م، ما يؤكد أن الإفلات من العقاب سياسة ممنهجة قد ترقى إلى جرائم حرب".

وأضافت: "إسرائيل ليست موقعة على نظام روما، لكنها خاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بفضل انضمام فلسطين عام 2015م".

اقترحت أبو لبدة إجراء إصلاحات فلسطينية داخلية، منها تعديل قانون الجرائم الإلكترونية بما يضمن حرية التعبير، وإنشاء آلية مراقبة مدنية بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

واقترحت أبو لبدة دعم التحقيقات المفتوحة في المحكمة الجنائية منذ عام 2021م حول الجرائم ضد الصحافيين كجرائم ضد الإنسانية، وإجراء إصلاحات فلسطينية داخلية، منها تعديل قانون الجرائم الإلكترونية بما يضمن حرية التعبير، وإنشاء آلية مراقبة مدنية بالتنسيق مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان.

وفي ختام الجلسة، فُتح باب النقاش أمام الحضور، الذين أجمعوا على أن العدالة لا تبدأ في "لاهاي"، بل من الداخل الفلسطيني.

تحدثوا عن ضرورة إصلاح الأنظمة المحلية لضمان محاسبة كل من ينتهك حرية الصحافة، وعن دور الذكاء الاصطناعي في كشف الاستهداف الممنهج للصحافيين الفلسطينيين، والانحياز ضد روايتهم عبر الفضاء الرقمي.

ورغم قتامة المشهد، ظل في القاعة شعور بأن المعركة مستمرة: معركة الذاكرة والعدالة والحقيقة، كي لا يُمحى وجه شيرين، ولا تُنسى كاميرات وأقلام الصحافيين والصحفيت التي صارت شواهد على الجريمة.. وعلى الأمل أيضًا.

كاريكاتـــــير