غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لم يكن في قلب إيمان العروقي متسعٌ لفكرة "التبنّي" يومًا؛ لا لأنها لم تحلم بالأمومة، بل لأنها أقنعت قلبها على مدار عشرين عامًا من الزواج أن ما لم يُقسم لها من الله، ستكمل بدونه. كانت تقول دائمًا: "لم يرزقني الله بطفل، وهذا قدري. لن أبحث عن ما لم يعطني الله".
في أحد أيام الإبادة الجماعية على غزة، أخبرَتها صديقتها التي تعمل طبيبة في المستشفى الأمريكي، عن رضيعةٍ لم يُعرف لها أهل، نُقلت إلى المستشفى بعد أن استُهدف منزلها في دير البلح وسط قطاع غزة، وكانت بالكاد تبلغ من العمر ثلاثة أشهر. لا اسم لها، لا عائلة تبحث عنها، ولا أحد يملك حتى خيطًا واحدًا يدل على هويتها.
"ربما لن نستطيع تغيير العالم، لكن بإمكاننا أن ننقذ طفلة صغيرة".
تأثرت إيمان بشدة، وذات مساء كانت تجلس مع زوجها رامي. لم تستطع أن تمنع قلبها عن الحديث: "رامي.. سمعت اليوم عن طفلة، فقدت كل شيء. لا أحد يعرف من هي، ولا أين أهلها. ناجية وحيدة من تحت الأنقاض".
نظر إليها زوجها، ثم سألها بهدوء: "بماذا تفكرين.. إيمان؟".
أجابت بصوتٍ هامس: "أفكر أن نعطيها حياة.. أن نكون لها عائلة".
ذلك الحديث، كان بداية الولادة لفكرة لم تزر هذا البيت من قبل. لم يتخذا القرار في لحظة، لكنّ الحوار بينهما لم يتوقف لأيام. تساءلا، خافا، ترددا. ثم قال رامي: "ربما نحن لا نغيّر العالم، لكن بإمكاننا أن ننقذ طفلة صغيرة".
"الحياة تنفّست من جديد". حملت إيمان "جنة"، واحتضنها رامي، ودخلا بها إلى بيتٍ أصبح منذ ذلك اليوم بيتًا بثلاث قلوب.
ذهبا معًا إلى قرية الأطفال (SOS)، حيث تمكث الطفلة بعد مغادرتها المستشفى. هناك، شاهدت إيمان الطفلة للمرة الأولى، كانت صغيرة كنسمة، تحدق بعيونٍ واسعة في فراغٍ لا تعرفه. اقتربَت منها، ولامست يديها الصغيرتين، هنا استوطنت الطفلة قلب إيمان ورامي معًا.
قدمت إيمان طلبًا للتكفّل بالطفلة، وتعهدت برعايتها والاهتمام بها بالكامل، وقبل أن يُسمح لها بأخذها إلى البيت زارتها مرات عدة، وأصبحت تتعلق بها أكثر في كل مرة.
"ورامي؟"، كان في كل مساءٍ يجهز لها ركنًا صغيرًا في البيت الذي نزح فيه بمخيم النصيرات.
وفي مساءٍ بارد، ومع قدوم منخفض جوي قارس البرودة، اتّصلت إيمان بإدارة القرية قائلة: "أخشى أن تمر الليلة على صغيرتي في خيمة القرية أريد أن أصطحب لها ملابس دافئة"، وكانت قد سمعت عن موت عدد من الأطفال في الخيام بسبب برودة الطقس.
بعد ساعة، جاء اتصال من إدارة القرية يحمل أجمل بشرى: "تعالي.. يمكنك أخذ الطفلة إلى منزلك".
في تلك اللحظة، تقول إيمان "إن الحياة تنفست من جديد". حملت "جنة"، واحتضنها رامي، ودخلا بها إلى بيتٍ أصبح منذ ذلك اليوم بيتًا بثلاث قلوب.
اختار الزوجان اسم "جنة"؛ لأن مجيئها كان بمثابة الفردوس الصغير الذي نزل على قلبيهما. تقول إيمان: "أدخلت الفرح في تفاصيلنا، في صوت البيت، في نومنا، وصحونا، وحتى في انتظارنا للغد".
الآن، تبلغ "جنة" من العمر ستة أشهر وأسبوع. أمضت منها ثلاثة شهور في كنف الزوجين العروقي. ورغم أن الإجراءات القانونية ما تزال معقدة –فلم تُستخرج لها شهادة ميلاد بعد– إلا أن إيمان وقّعت تعهدًا رسميًا بإعادتها إذا ما ظهر أهلها الحقيقيون.
"وحتى ذلك الحين -يقول رامي وإيمان وهما يلاعبان الطفلة التي تضحك ببراءة: "جنة ليست مجرد طفلة دخلت حياتنا.. جنة أعادت تشكيلنا. نحن لم نبحث عنها، لكنها وجدتنا.. تمامًا كما تُرسل السماء رسائلها لمن يستحقها".
























