غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
كانت تمسك بيد والدتها الهزيلة في العناية المركزة، تسمع تمتماتها الأخيرة التي حفرت في قلبها وصية لا تُنسى: "طلبي الوحيد أن تقدّمي امتحانات الثانوية العامة، لا تتركي علمك يا حبيبتي".
منذ تلك اللحظة، تغيّر كل شيء في حياة سما الحافي، وغدا هدفها الأوحد أن تبرّ بوعد أمها، لعلّ تحقيقه يخفف شيئًا من آلام الفقد.
أنهت سما جميع اختباراتها، وانتظرت النتيجة بفارغ الصبر، لكن القدر كان أسرع؛ فقد رحلت والدتها شهيدة قبل صدور النتائج بأيام.
عُرِفت سما منذ طفولتها بنبوغها، دائمًا الأولى في صفها، لا تفارقها دفاترها، ولا تملّ من الدراسة. كانت تنتظر عام الثانوية العامة بشغفٍ يملؤه الأمل، باعتباره نقطة التحوّل الكبرى في حياتها، "سنة الحلم" كما كانت تسميها.
 تبتسم كلما تخيلت نفسها تدرس علوم الفلك في قاعة جامعية، تخصص كانت تراه نافذتها إلى السماء التي طالما تأملتها، لكن الحرب التي اندلعت بعد شهرٍ ونصف من بدء العام الدراسي سرقت منها عامين من عمرها الدراسي، وحولت الحلم إلى رماد.
تبتسم كلما تخيلت نفسها تدرس علوم الفلك في قاعة جامعية، تخصص كانت تراه نافذتها إلى السماء التي طالما تأملتها، لكن الحرب التي اندلعت بعد شهرٍ ونصف من بدء العام الدراسي سرقت منها عامين من عمرها الدراسي، وحولت الحلم إلى رماد.
أُغلقت المدارس، وتحوّلت إلى مراكز إيواء، وأعلنت وزارة التربية والتعليم تأجيل امتحانات الثانوية العامة لعامين كاملين، لتصبح الحياة في غزة معلّقة بين ركام وذكريات.
في كل يومٍ كانت سما تحاول أن تُبقي ذاكرتها الدراسية حيّة، تراجع ما تبقى من دروسها بينما تفقد أحبّتها واحدًا تلو الآخر: صديقة، جارة، قريبًا، أو مأوى جديدًا بعد نزوح متكرر.
وحين أعلنت الوزارة بعد عامين استئناف الامتحانات، شعرت أن الحلم ينهض من تحت الركام. جمعت ما تبقّى من كتبها، بدأت تستذكر دروسها وسط انقطاع الكهرباء والإنترنت، كأنها تقاوم الموت بالعلم.
لكن في تلك الليلة التي قصفت فيها الطائرات الإسرائيلية منطقة النصيرات، بدا أن السماء انفتحت نارًا.
في لحظةٍ واحدة تحوّل بيتهم إلى كومة ركام. استُشهدت شقيقتها وأبناء شقيقتها وزوجا شقيقتيها، وأصيبت والدتها إصابة بالغة. خرجت سما من تحت الأنقاض حيّة، تحمل في جسدها الكدمات وفي قلبها ثقبًا لا يلتئم.
كانت والدتها في العناية المركزة حين زارتها لأول مرة، بالكاد تفتح عينيها. أمسكت بيد ابنتها وقالت بصوتٍ واهنٍ: "كمّلي علمك، وفرّحيني بمعدل عالي بتوجيهي". كانت تلك الوصية كفيلة بإحياء روحٍ كادت تُطفأ.
رغم النزوح، وغياب الكتب، وانقطاع الإنترنت، جلست سما لتقدّم اختباراتها إلكترونيًا، تتحدى كل ما حولها، مدفوعة بإيمانها بأن أمها تنتظر فرحتها.
بعد دفن أمها، صدرت النتائج، وحصلت سما على معدل 95.6% في الفرع العلمي، كما حلمت دائمًا.
أنهت جميع الاختبارات، تنتظر النتيجة بفارغ الصبر، لكن القدر كان أسرع؛ فقد رحلت والدتها شهيدة قبل صدور النتائج بأيام.
بعد الدفن بأيام، صدرت النتائج، وحصلت سما على معدل 95.6% في الفرع العلمي، كما حلمت دائمًا.
"لم أتمنَّ سوى حضن أمي وشقيقتي شيماء لأقول لهما إنني فعلتها رغم استحالة الظروف. كنت أريد فقط أن أفرّح قلب أمي".
حين سمعت اسمها بين المتفوقين، قالت بصوتٍ مخنوق: "لم أتمنَّ سوى حضن أمي وشقيقتي شيماء لأقول لهما إنني فعلتها رغم استحالة الظروف. كنت أريد فقط أن أفرّح قلب أمي، لكنها رحلت قبل أن تسمع النتيجة".
وهكذا، وفت سما بوعدها، لتصبح قصتها شهادةً على أن الإرادة يمكن أن تولد من بين الركام، وأن وصايا الأمهات لا تموت مهما اشتدت الحرب.
 
                 
            
 
                                                                    
 
                                            






















