غزة/ شكة نوى- فلسطينيات:
في أقصى جنوبي قطاع غزة، وتحديدًا في مواصي القرارة، يعيش أبو أمجد فرج الله أحمد نازحًا منذ أن دمّر الاحتلال منزله ومحله الصغير لبيع الدواجن والديك. ومع أن الحرب سلبته استقراره ومصدر رزقه، فإنها لم تستطع أن تنتزع منه قدرته على تحويل الوجع إلى ابتسامة.
ضحكة أبو أمجد ليست مجرّد لحظة فرحٍ عابرة، بل فعل مقاومة في وجه القهر، وشهادة على أن الإنسان قادر على صناعة حياةٍ من تحت الركام، مهما ضاقت به السبل.
"طبيعي أن أحب الضحك والتفاعل مع الناس، رغم أنني عصبي المزاج، لكننا تجاوزنا مرحلة الخوف، فالحياة الخطرة أصبحت روتينًا يوميًا".
بدأت رحلته الفنية في زمن الجائحة، حين كانت الكاميرات تلاحق الخوف خلف الكمامات. أطلق يومها مقاطع فيديو ساخرة تناولت التعليم الإلكتروني والحجر الصحي ومفارقات الحياة اليومية، قبل أن يكمل طريقه في زمن الإبادة، عبر مقاطع قصيرة تجسد "الكوميديا السوداء" بكل ما فيها من وجعٍ وسخرية.

برفقة طفلته ريم، الصغيرة التي تشاركه التمثيل بحضورها العفوي وصدقها، استطاع أن يقدّم وجع غزة بلغةٍ بسيطةٍ تمسّ القلب. يقول: "طبيعي أن أحب الضحك والتفاعل مع الناس، رغم أنني عصبي المزاج، لكننا تجاوزنا مرحلة الخوف، فالحياة الخطرة أصبحت روتينًا يوميًا".
أبو أمجد متزوج وأب لخمسة أطفال. درس البرمجيات وقواعد البيانات، ثم عمل في الأسواق، إلى أن افتتح محلًا صغيرًا قبل أن يبتلعه القصف. ومع ذلك، لم يتوقف عن الإبداع، بل وجد في الكوميديا وسيلةً لمقاومة الألم وإيصال صوت غزة إلى العالم.
"الكاميرا أصبحت وسيلتنا لنقول إننا ما زلنا هنا، نصوّر في كل الأوقات، أثناء النزوح، والبحث عن الماء، وانتظار التكية، عن الخيام، والخصوصية المفقودة، في كل لحظةٍ نحاول أن نخلق حياة".
يبتسم بخفةٍ تخفي وراءها كثيرًا من المرارة قائلًا: "كثيرون يمازحونني قائلين: ما زلت حيًّا؟ سيغضب الاحتلال منك بسبب مقاطعك الساخرة، لكنني أؤمن أن الخطر حولنا في كل مكان، في كل لحظة، بغضّ النظر عن السبب".
ويضيف: "نواجه الخطر يوميًا، ولا ندري إن كنّا نصوّر من أجل المحتوى أم من أجل البقاء. الكاميرا أصبحت وسيلتنا لنقول إننا ما زلنا هنا، نصوّر في كل الأوقات، أثناء النزوح، والبحث عن الماء، وانتظار التكية، عن الخيام، والخصوصية المفقودة، في كل لحظةٍ نحاول أن نخلق حياة".
تحديات التصوير لا تقلّ قسوة عن مشاهد الحرب. فمع ضعف الكهرباء وشحّ الإنترنت، يضطر أبو أمجد وريم إلى السير لمسافات طويلة بحثًا عن شبكةٍ مستقرة. يقول: "نمشي كثيرًا لنرفع الفيديو، وأحيانًا ننتظر ساعات حتى يكتمل التحميل، وفي النهاية قد ينقطع الإنترنت أو يُفرّغ الهاتف من شحنه فجأة. كل ذلك يجعل العملية شاقة، لكنها تستحقّ العناء لنُسمع صوتنا للعالم".
بالنسبة لأبو أمجد، الضحك ليس ترفًا، بل شكل من أشكال المقاومة. تحويل الوجع إلى فنّ هو طريقه للبقاء، وصوته ليقول إن في غزة من يضحك رغم الموت.
ريم، الطفلة ذات الملامح البريئة، شريكته الدائمة في صناعة المحتوى، يتحدث عنها بفخرٍ أبويٍّ واضح: "كانت موهوبة منذ أن بلغت الرابعة، كنت أراها تمسك الهاتف وتتحدث بطريقتها العفوية. وعندما شاركت معي في أول فيديو، حصد أكثر من مليون مشاهدة، وكانت يومها في الثامنة فقط".
بالنسبة لأبو أمجد، الضحك ليس ترفًا، بل شكل من أشكال المقاومة. تحويل الوجع إلى فنّ هو طريقه للبقاء، وصوته ليقول إن في غزة من يضحك رغم الموت.
يختم قائلًا: "طموحي أن يصل صوتنا إلى العالم، ليعرف الجميع أن في غزة فنانين أقوياء. وفي النهاية، كلما أضحككم أبو أمجد، تذكّروا أن خلف الفيديو الكثير من الوجع".
 
                 
            
 
                                                                    
 
                                            






















