غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في سوق دير البلح، يقف الثلاثيني محمود الراعي أمام بسطته لبيع الطحين. ينادي على بائع دخان بالقرب منه ويسأله عن أسعار السجائر، ثم يضرب رأسه، ويضحك.
ثم يرد: "هذه الحرب كان الها فايدة وحدة عندي إنها خلتني أبطل دخان".
بدأت حكاية محمود، أو انتهت دعونا نقول -مع التدخين- عندما عرف أن البدائل المحلية المتاحة للمدخنين، عن السجائر الأجنبية والمستوردة التي قاربت سعر الواحدة منها الـ 50$ خلال فترة الإبادة، تحتوي على "مبيدات حشرية"، وأوراق أشجار غير معروفة الضرر.
يخبرنا: "سمعت من أصدقاء لي، أنهم أصيبوا بضيق تنفس، ونقلوا بالإسعافات إلى المشفى، وهذا ما كان دافعًا أكبر للخوف من أي بديل، في الوقت الذي كان من المستحيل علي توفير ثمن السيجارة العادية".
منذ اندلعت الحرب على قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023م، ارتفعت أسعار السجائر بصورةٍ خيالية، لا سيما بعد إغلاق المعابر وقت اجتياح مدينة رفح، جنوبي القطاع، في مطلع مايو/ أيار الماضي، ومنع "إسرائيل" دخول البضائع والاحتياجات لأسواق القطاع.
وقد لجأ عدد من الباعة، لاستحداث بدائل تزيد لديهم نسبة البيع والربح، في ظل إقلاع أعداد كبيرة من المدخنين، وعدم توفر السيولة النقدية لشراء السجائر المستوردة.
يحكي الراعي عن فرقٍ شاسع في المبالغ التي تمكن من ادخارها منذ مايو/ أيار الماضي، "وهي التي كنت أنفقها على شراء السجائر كل يوم".
ويقول: "قبل الحرب حاولت كثيرًا الإقلاع عن التدخين، لكن في كل مرة تهزم عزيمتي سيجارة باثنين من الشواقل. أفرغ فيها عصبيتي"، مشيرًا إلى أن السيجارة من نوع كاريلا، أو مارلبورو، تكلف الكثير الكثير، "وبات يستحيل على المدخن توفير مصروف سجائره، وفي نفس الوقت احتياجات أسرته، وهذا ما دفع الكثيرين للإقلاع عن التدخين".
وصلت أسعار السجائر الأجنبية خلال الفترة السابقة إلى 100 شيقل للسيجارة الواحدة، أما البدائل عنها من نوع الشامي، فوصل سعر السيجارة منها لـ 20.
ووصلت أسعار السجائر الأجنبية خلال الفترة السابقة إلى 100 شيقل للسيجارة الواحدة، أما البدائل عنها من نوع الشامي، فوصل سعر السيجارة منها لـ 20، في حين بلغ سعر السجائر العربية 10 للواحدة، بينما انتشرت في الأسواق بدائل أخرى لقبت بـ "النيكوتين" تتراوح أسعارها بين 2 و5 شواقل للسيجارة.
على جوانب الطرقات، لم يدخر باعة السجائر فكرةً لاختراع بدائل رخيصة، دون أن يأبهوا لمخاطرها الصعبة على صحة المدخنين. حاتم أحدهم، (وقد اكتفى بذكر اسمه الأول)، ويقف في سوق النصيرات، وقد أشار إلى أنه يبيع الدخان من نوع "شامي ضفاوي" مستورد من الضفة، "وهناك أنواع أقل جودة منه، ويصنفها المدخنون بالرديئة، مصنعة من أوراق الجوافة، والشاي، بالإضافة لبضع قطرات من النيكوتين" يقول.
ويكشف أن بعض الباعة، استخدموا المبيدات الحشرية من نوع 300k، المستخدم في إبادة الصراصير، وتم بيعه كنيكوتين، لدرجة ارتفعت فيها أسعار مبيد الصراصير بشكل خيالي، "حتى وصلت لـ 1000 دولار، بعدما كان سعره قبل الحرب ٢ دولار فقط".
ويضيف: "تجاره الدخان أصبحت مزادًا للأمراض القلبية والسرطانية"، مؤكدًا أن هذه الأسعار وهذه المواد المستخدمة لصناعة البدائل الرخيصة دفعت الكثيرين للإقلاع عن التدخين.
وتشهد المستشفيات والنقاط الطبيبة على حالات كثيرة من أمراض صدرية وغيرها من الأمراض الناتجة عن التدخين، "وقد تفاقمت في ظل الحرب بشكل كبير" يخبرنا الدكتور محمد أبو عفش، مدير الإغاثة الطبية في شمالي قطاع غزة.
وتسبب التدخين، لا سيما لسجائر مجهولة المصدر والتصنيع، بمشكلات كبيرة في الرئتين، نتيجة نقص الأكسجين في الدم، وهو ما يفعله التدخين عمومًا "لكنه كان مضاعفًا مع بدائل الحرب".
ويخبرنا: "كل الدراسات تضع التدخين مسببًا أول للسرطانات، وعلى رأسها سرطان الرئتين".
ويؤكد أن في قطاع غزة، من "أبدع" في صناعة بدائل رخيصة، استخدم فيها المبيدات الحشرية، وأوراق الأشجار، وغيرها من المواد، التي يمكن أن تسبب نهايةً الموت نتيجة استنشاق أبخرتها".
"يوميًا تمر علينا حالات خاصة من الشباب، لديهم التهابات شديدة في الشعب الهوائية، وضيق في التنفس، ومشاكل في القصبة الهوائية، وهذا الأمر خطير جدًا".
ويقول: "يوميًا تمر علينا حالات خاصة من الشباب، لديهم التهابات شديدة في الشعب الهوائية، وضيق في التنفس، ومشاكل في القصبة الهوائية، وهذا الأمر خطير جدًا، وقد حذرنا منه مرارًا لا سيما مع اكتشاف أن السجائر التي يلجؤون إليها في ظل غلاء أسعار الدخان المستورد توجد فيها مبيدات حشرية".
عبد الكريم محمد، أقلع عن التدخين بعد إصابته بوعكة صعبة. يقول لـ"نوى": أمام التزاماتي في الحرب، وجدت أن هناك إمكانية للاستغناء عن التدخين أصلًا! بدلًا من أن أشتري سيجارتين بـ 100 شيكل، أشتري بها احتياجات أساسية".
ويضيف: "أولوياتنا اختلفت. أصبحنا نحسب حسابًا لكل شيء، والتدخين في ظل هذه الأوضاع، وبهذه الأسعار، جنون".
ويخبرنا أبو محمد، وهو رجل ستيني نازح في خان يونس جنوبي قطاع غزة، عن تجربته في الإقلاع عن التدخين بعد ٤٠ سنة. يقول: "عندما بدأت أسعار السجائر ترتفع في ظل انعدام الدخل، فكرت بتركه تمامًا. توفير المأكل والمشرب للعائلة كان من أهم الأولويات، ولم يكن هناك مجال لأي ترف أو رفاهية ولو لمرة"، مشيرًا إلى أن علبة السجائر من نوع (كينج) وصل سعرها لأكثر من 1200 شيقل.
في بداية الأمر، اتجه أبو محمد للبدائل الرخيصة، لكنه بعد تجربتها، وجد نفسه قد دخل في أزمة تنفس، وآلام في القلب، فقرر التوقف على الفور، مؤكدًا أن وقف إطلاق النار، "وحتى عودة أسعار التدخين لطبيعتها، لن تضعف من عزيمتي أمام هذا القرار، الذي وجدت أنني أصبحت بعده أفضل صحة، وأوفر جيبًا" يقول ضاحكًا.
























