شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 01 نوفمبر 2025م20:14 بتوقيت القدس

نازحون إلى البحر..

غزة.. يلتهم الموج "خيمة" فيُغرق الدمع القلوب!

10 ديسمبر 2024 - 16:40

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

على شاطىء بحر الزوايدة، وسط قطاع غزة، تجلس فايزة محمد الراعي. تغيب ذاكرتها وسط الأمواج المتلاطمة، فتغرق في دمعها. تتذكر تلك الليلة القاسية، التي أمطرت فيها السماء وهاج البحر، فابتلع خيمتها بلا رحمة.

تدفن الراعي نفسها في تفكيرٍ عميق: ماذا سأفعل عند قدوم منخفض آخر؟ في نفس الخيمة "الممزقة"، المسقوفة بـ"شادر" بالٍ لا يقي حر الصيف ولا مطر الشتاء!

تقول: "أعيش معاناة كبيرة جدًا أنا وأطفالي. لا أمتلك من الأغطية إلا  القليل، بما لا يكفي عدد أفراد الأسرة. ننامُ ملتصقين ببعضنا كي نحصل على بعض الدفء عبثًا".

تعيش السيدة اليوم رعبًا حقيقيًا من البحر، وتستمر في ذكر تلك الليلة. عندما هاج ووصل مدّه إلى خيمتها وكافة الخيام الملاصقة. "المشهد كان مرعبًا" تضيف،  مردفةً بقهر: "هذه المرة نزحنا بأوامر إخلاء من البحر. لقد أضحى هو الآخر عدوًا كما طائرات الاحتلال ودباباته".

سعى زوج فايزة جاهدًا. لإيجاد مكان ٍ آخر يأوي عائلته، لكنه  لم يجد. في كل مرةٍ يسأل فيها عن مساحةٍ صغيرة لينصب فيها الخيمة، يكون الجواب: "فش وسع، ما في أماكن فاضية".

بعد اجتياح مدينة رفح جنوبي قطاع غزة،  تقلصت المساحات الفارغة، والأراضي التي أقام عليها النازحون خيامهم، فبات البحر الحل الوحيد، ولو كانت الخيمة قريبة من حدود الموج.

اختارت عائلة فايزة مرغمةً البقاء هناك رغم مخاطر المد، فحتى التفكير في المغادرة أو النزوح إلى أماكن أخرى مكلف للغاية، وليس في مقدور العائلات التي خسرت تحت النار كل شيء، "تصلُ أسعار المواصلات إلى ٢٥٠٠ شيكل كحدٍ أقصى، و٧٠٠ شيكل كحدٍ أدنى. أسعار تعجيزية  لأسر لا تملك في جيوبها شيكلًا واحدًا" تعلق السيدة.

وتتحدث الثلاثنية أزهار الصفدي، عن مخاوفها التي تعيشها قرب شاطئ بحر  دير البلح  في خيمةٍ من بطانيات، برفقة أطفالها الصغار.

"خيمتي عِبارة عن بطانيات. ابنتي التي أنجبتُها  في هذه الحرب بعملية قيصرية، وتبلغُ الآن من العمر أربعة أشهر، تفتقد  كُل حقوقها كطفلة".

 في محاولةٍ لمقاومة غدر البحر وهيجانه، تضعُ  السيدة سواتر رملية، وهي عبارة عن أكياس من الرمل صفتها بعضها فوق بعض لعلها تحجب ريح البحر وموجه وقت العاصفة، "لكن محاولاتي باءت بالفشل، البحر تخطى السواتر، ووصل إلى الخيمة".

تُخبرنا عن أمنيتها في ألا ينال البرد من أطفالها الستة، وتضيف: "خيمتي عِبارة عن بطانيات. لم يساعدني أحد في توفير ملابس  لصغاري، وابنتي التي أنجبتُها  في هذه الحرب بعملية قيصرية، وتبلغُ الآن من العمر أربعة أشهر، تفتقد  كُل حقوقها كطفلة. لا أجد لها ما يدفئها. لا ملابس ولا حفاضات، وحليبي لا يُشبعها في ظل الواقع الغذائي المتردي".

وتقول: "أنا لا أعيش حربًا واحدة بل عدة حروب: البرد، والبحر، وحرب  الطعام وحرب الإبادة".

وتفتقد آلاف الأسر، التي نصبت خيامها قرب شاطئ البحر لأي اهتمامات مؤسسية، أو جهود إغاثية، ونادرًا ما يصلها المساعدات، في ظل أيدولوجية مؤسسية تُعطي الأولوية  للمخيمات المُنظمة، كونها "أسهل  في التعامل" وفق تفكيرهم.

وبحرقةٍ تقول الخمسينية نوال الخطيب، وهي نازحة من منطقة الكرامة شمالي قطاع غزة، لـ"نوى": "نحن على البحر كُلنا في رعاية الله، شقفة نايلون لا ولن تحمينا إذا نزل المطر".

"نجوتُ من الموت بأعجوبة. كان بيني وبين رصاصة زورق إسرائيلي أقل من ذِراع، لكنها وبكلِ أسف أصابت طفلة صغيرة في ذراعها".

تستذكر الخطيب دفء  بيتها  الذي فيه من الأغطية والمفارش والسجادات الكثير، لكنها  الآن في خيمة أرضيتها نصفُ حصيرة عتيقة، وبطانية لا تكفي لتدفئة صغار ابنها الوحيد.

تضيف: "أكادُ أن أفقد عقلي من شدة المُعاناة والتفكير. نزحنا  بدون ملابس، وأعطانا أهل الخير بعضًا منها لكنها بالكاد تكفي. نعيش في حالة انعدامٍ للأمن على شاطئ البحر (..) البحر نفسه يصبح عدوًّا في أحيانٍ كثيرة".

وتتطرق السيدة إلى الزوارق الحربية الإسرائيلية، التي تُطلق الرصاص على الخيام بشكلِ عشوائي ودون سابق إنذار "فتصيبُ من تُصيب من أطفال ونساء".

وتقول: "نجوتُ من الموت برحمة الله. كان بيني وبين رصاصة زورق إسرائيلي أقلُ من ذِراع، لكن وبكلِ أسف أصابت طفلة صغيرة في ذراعها، إصابة بليغة".

وبرغم التحذيرات المُتكررة من المد البحري من قبلِ جهاتٍ عدة، إلا أنها لم ترتقِ لما يمكن تصنيفها كجهود إغاثية تُساعد النازحين على الانتقال لمناطق بعيدةٍ عن البحر،  أو حتى توفيرِ خيامٍ تُناسب فصل الشتاء، وتقيهم من الغرق من  الأمطار الغزيرة على الأقل.

كاريكاتـــــير