غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
"كل اللي بتذكرو إني كنت نايمة جنب ماما، وكنت خايفة كتير من صوت الطيران. صحيت لقيت حالي بأرض جيرانا، وحواليا ناس بيقولولي تخافيش إنت بخير".
قالتها سلمى وبكت طويلاً، فقد اشتاقت كثيرًا لحضن أمها.. أمانها الذي اختفى إلى الأبد. تتابع بصوتٍ متقطع: "نفسي يرجعو أهلي لو ليوم واحد، أحضنهم وأشبع منهم".

في السابع من كانون أول/ ديسمبر من العام الماضي، كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساءً. كل شيءٍ كان عاديًا ما عدا صوت طائرات الاحتلال الحربية في منطقة معن شرقي خان يونس، جنوبي قطاع غزة، قبل أن ينطلق صاروخٌ فيصيب منزل عائلة "صلاح".
عائلةٌ آمنة، كان أفرادها يتجهزون للنوم على أمل انتهاء الحرب في اليوم التالي، فانتهت كل حروبهم، وصعدوا إلى حيث الأمان في سماء الله.
مجزرةٌ بكل ما تحمله الكلمة من معنى ارتكبت بحق العائلة، فأحالت البيت المكون من أربعة طوابق كومةً من الركام، وتحتها جثامين أهله.
سلمى، الناجية والشاهدة على المجزرة، أفاقت من غيبوبتها بعد يومين، وحكت عن اللحظة التي ضرب فيها الصاروخ البيت، وكيف أغمي عليها بعدما سقط جسدها في أرض الجيران. سألت طبيبًا يحاول إيقاظها: "أين أهلي؟ ماما وين؟" فلاحظتهم يهمسون لبعضهم، ثم أجابوها: "تخافيش يا عمو أهلك بخير".
غفت مرة أخرى ثم أفاقت وسألت: "ليش ماما مش عندي؟"، فأجابتها خالتها هذه المرة: "حبيبتي يا خالتو، أهلك كلهم في الجنة، قولي الله يرحمهم".
عرفت سلمى ابنة الأعوام التسعة أنها الوحيدة التي نجت، برفقة شقيقها الصغير آدم ذو العام الواحد! 35 شخصًا كانوا داخل البيت بينهم أمها ووالدها وإخوانها وأختها وأعمامها وأخوالها وأولادهم وزوجاتهم، كلهم راحوا ضحية ذلك الصاروخ الغاشم.
تحكي سلمى: "عندما أخبرتني خالتي، لم أعرف ماذا أقول. سكتُّ طويلًا محاولةً حبس دموعي، لكنني لم أبكِ. غفوت فقط".
مكثت سلمى وشقيقها أسبوعًا في المشفى، ثم خرجا ليواجها العالم وحدهما، بعدما تهاوت فيه أوراق شجرة العائلة، وحل في قلبها الخريف إلى الأبد. لا بيت، ولا أم، ولا أقارب حتى.
تضيف: "بسمع صوت أهلي وين ما كان بحسهم حواليا، بسمع صوت ماما وهي بتنادي عليا، يمكن لإني ما ودعتهم، بس شفت صورتهم وهما بأكياس مكتوب عليها أسمائهم".
ذلك الوصف الحزين، لا يغادر لسان سلمى. في كل لحظةٍ تخرج من جيبها هاتف أمها الذي نجى بدونها، وتتنقل في معرض الصور الممتلئ بجمعات العائلة والمناسبات والصور العشوائية لإخوانها طارق وسالم ومريم، قبل بدء هذه الحرب الشرسة.
انتقلت سلمى للعيش في خيمة داخل مخيم البركة للأيتام، برفقة آدم الذي أصبح طفلها المدلل. يرافقها في كل مكان، ترعاه وتعلمه المشي وتحافظ على نظافته الشخصية، وفي ساعات الليل ترعاه خالتها التي تسكن في خيمةٍ مجاورة.
نامت العائلة على أمل صباحٍ مشرق، إلا أن طائرات الاحتلال جعلتها نومة أبدية، لا صحو بعدها. وكتبت على سلمى أن تعيش طفلةً بأعباء أم، ترعى آدم على أمل أن يكبر، فتتقاسم معه مشقة الحياة المتعبة.
وحتى شهر يونيو بلغ عدد الأطفال الشهداء جرّاء استمرار العدوان على قطاع غزّة نحو 15 ألفًا، فيما بلغ عدد الأطفال المصابين 34 ألفًا، في حين وصل عدد الأطفال اليتامى إلى 17 ألفًا.
و منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م، وإعلان الحرب على القطاع، نزح نحو 1.7 مليون شخص، أي ما يعادل أكثر من 75% من السكان، وتحول وضع المعيشة في المخيمات ومراكز النزوح، في ظل نقص حاد في الطعام والماء والوقود، إلى كارثة إنسانية حقيقية .
























