شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 01 نوفمبر 2025م19:55 بتوقيت القدس

استُشهدت وحيدة أهلها..

اشترت "شهد" لأمّها "كعكعة" وخبّأتها في جيب السماء!

24 يونيو 2024 - 17:13

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"يا ريتني يا ماما رحت معك، لمين بدي أضل بعدك يا حبيبتي"، قالتها وهي تعانق جثمان طفلتها شهد، مدلّلتها التي رُزقت بها بعد ثمانية عشر عامًا من الزواج، وسبع محاولات زراعةٍ باءت كلها بالفشل!

في خيمة جثامين الشهداء بمستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، احتضنت منى جثمان طفلتها شهد عودة الله (10 أعوام) للمرة الأخيرة، وبكت كأنها لن تضحك بعد ذلك أبدًا.

أصرت شهد على شراء كعكةٍ لوالدتها كانت قد جرّبتها مسبقًا، وأعجبها طعمها. "كان إصرارًا عجيبًا لم يحدث أن شهدته عليها من قبل" تقول أمها.

كان إنجاب شهد حلمًا راود منى سنواتٍ طوال، وحين تحقق، وكبر النبتُ وأصبح يانعًا، جاءت طائرات الاحتلال واجتثّت روحه. تركت جسد ابنتها جثةً هامدةً على قارعة طريق، يلتقي فيه وجع الفقد بأسى التهجير وحياة الخيام الغارفة بالألم.

في تفاصيل ما جرى، أصرت شهد على شراء كعكةٍ لوالدتها كانت قد جرّبتها مسبقًا، وأعجبها طعمها. "كان إصرارًا عجيبًا لم يحدث أن شهدته عليها من قبل" تقول الأم المكلومة.

أخدت شهد "الشكيل"، وذهبت باتجاه البائع الذي يقف في نهاية الطريق، دون أن تعلم أنها تعد خطواتها الأخيرة في هذه الحياة! لحظاتٌ وألقت طائرة الاحتلال الحربية صاروخًا، أصاب ثمانية أطفالٍ بينهم شهد.

اهتز البيت مع انفجار الصاروخ، وانتفضت منى إلى شباك المنزل تبحث عن مكان القصف، ثم صرخت بصوتٍ عالٍ "شهد راحت تشتري كعك.. شهد بالشارع.. القصف عند البسطة اللي بتبيع كعك، بنتي وينها؟".

ركضت بخطواتٍ سريعة، لكن الجيران أمسكوا بها، وأعادوها إلى البيت وهم يؤكدون لها أن ابنتها مصابة، وأنهم أخذوها إلى المستشفى على الفور.

توقف الزمن، وجلست منى كجلسة ميتٍ لا يعي ما يدور حوله، تحاول أن تتجرع تأثير الصدمة، التي كانت أكبر من قدرتها على اللحاق بطفلتها إلى المشفى حتى!

هنا توقف الزمن، وجلست منى كجلسة ميتٍ لا يعي ما يدور حوله، تحاول أن تتجرع تأثير الصدمة، التي كانت أكبر من قدرتها على اللحاق بطفلتها إلى المشفى حتى!

مرت ساعة وكأنها عُمر، ثم أفاقت ووجدت حولها إخوانها جميعًا. سألتهم بصوتٍ لا يكاد يُسمع "كيف بنتي؟"، فرد أحدهم متلعثمًا: "بنتك وضعها حرج ادعيلها"، ثم صرخت بهم مرة أخرى "بنتي استشهدت"، نظر الأخوة إلى بعضهم وأجاب الأوسط مربّتًا على كتفها: "عند الله يختي".

تصف منى فراق شهد بأنه نهاية كل شيء جميل بهذه الدنيا، "لقد كانت الحياة قاسيةً جدًا علي عندما توفي زوجي قبل عام، وتركني وحيدةً أربيها، فكيف أعيش الآن بعد رحيل شهد؟ بلسم جروحي وفراشتي الجميلة؟" تتساءل بقهر.

تطأطئ السيدة رأسها، وتذرف دمعة، وتحكي عن شهد: "هي أكبر من عمرها، ذكية ومميزة جدًا في دراستها، ولا تقبل إلا بارتداء الملابس الجميلة والنظيفة، وتحب تسريحات الشعر. كانت تحلم بأن تصير كابتن طائرة في المستقبل، وتحلق فوق الدنيا كالفراشة، لكنها لم تكن تعلم أن نهايتها أيضًا ستكون على يد طائرة.. من نوعٍ بشعٍ جدًا".

بعدما استشهدت شهد عادت منى وحيدةً تعاني مرار الفقد، ووجع الفراق الأبدي الذي ينخز قلبها، أصبح بيتها باردًا خاليًا من زوجها وطفلتها، "والآن صار علي أن ألغي كل خططي التي كنت أرسمها للمستقبل، برفقة شهد، حبيبة الروح والقلب، التي كانت تحلم بالطيران كالفراشة، فطارت بروحها وغابت للأبد" تختم أمها.

 

كاريكاتـــــير