شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م01:14 بتوقيت القدس

الدفع أو السجن ...الحكومة تدير ظهرها لتضحيات "بئر النعجة"

26 ابريل 2023 - 09:10

جباليا:

بعد أكثر من ثلاثة عقود من تضحيات ونضال سكان منطقة "بئر النعجة"، التي سكنوها كنوع من المقاومة الديمغرافية في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، لمنع تمدد مستوطنات الاحتلال وإقامة مركز احتياطي للجيش الإسرائيلي، تكافئهم سلطة الأراضي اليوم بأوامر السجن وحجز الرواتب بذريعة "التسوية".

قرار سلطة الأراضي بتسوية أراضي "بئر النعجة" الواقعة غرب مخيم جباليا شمال قطاع غزة، جاء بعد تدمير طائرات الاحتلال الحربية منازل المواطنين بسبب "الحزام الناري"، الذي شنته شمال القطاع خلال عدوانها عام 2021، ما اضطرهم للمطالبة بتعويضات عن الأضرار الناجمة عنه، بينما لا يمكنهم أخذها إلا بتسوية أراضيهم وخلو طرف من سلطة الأراضي.

يأخذ السيد خضر حسن نفسًا عميقًا، مع زفرة حزن، وهو يتحدث عن ضيق الحال والضغوطات التي تمارسها عليه سلطة الأراضي ليوافق على تسويةٍ يدفع فيها جزءًا من مستحقاته لسداد جزء من ثمن داره!

"في أي مكان في العالم يكرّم من يتقاعد عن عمله، إلا في غزة يقطع راتبه ظلمًا، بطريقة لا تمس للإنسانية ولا للاحترام بصلة "، هكذا تحدّث خضر الذي يسكن في "بئر النعجة" منذ 36 عامًا.

لدى خضر ثمانية أبناء يعيلهم بالإضافة لأبناء أخيه الشهيد، كانت حياته "مستورة"، حتى وصل سن التقاعد وتوقّف راتبه بحجة تعدّه على أرضٍ حكومية، رفضت بسببها سلطة الأراضي إعطاءه خلو طرف، إلا بعد تسوية مالية وقانونية يشتري بها الأرض من مستحقاته.

يقف خضر في منتصف شارع رملي، على جانبيه بيوت بنيت عشوائيًا، يشير إلى بيته ويقول: "أسكن هنا منذ 36 عامًا، إذا توقف مصدر دخلي الوحيد كيف أعيش، إن أرادت سلطة الأراضي تسوية على الأقل يجب أن تكون مناسبة!".

يسير بخطوات ثقيلة، يحاول التماسك عبثًا، يكمل حديثه: "الظلم الأكبر أن التسوية خيالية، طلبوا مني شراء بيتي بسعر 120 دينارًا للمتر، وهذا مبلغ كبير بالنسبة لسعر الأرض عندما سكناها، وأيضًا بالنسبة لسعرها الحالي الذي لا يتجاوز 70 دينارًا للمتر".

تبلغ مساحة منطقة "بئر النعجة" النائية وغير المرخصة 85 دونمًا، يعيش فيها نحو 11 ألف نسمة، لا تصلهم معظم الخدمات كالمياه والكهرباء والصرف الصحي وتعبيد الشوارع، يعيشون أوضاعًا اقتصادية وحياتية صعبة، وهم الآن عائلات ممتدة، أجداد وأحفاد.

السيد محمد كتكت، هو مواطن آخر يسكن المنطقة منذ عام 1987، حين لبّى نداء السلطة الفلسطينية مع عدد من الأسرى المحررين وقيادة الفصائل لإحباط توغل الاحتلال حينها، يعقّب: "أنا أسير محرر، هكذا تم تكريمي".

تعرّض بيت كتكت لضرر خلال عدوان 2021، يكمل: "أردت ترميمه ولم يكن في الحسبان رفض سلطة الأراضي منحي خلو طرف بحجة أني متعدٍ على أرض حكومية، طلبوا مني التوقيع على تعهّد شكلي لاستلام ورقة خلو طرف لأتمكن من أخذ تعويض".

يحمل كتكت ورقة بأمر حبس بحقه ويردف باستنكار: "لا أفهم بالقانون، وقّعت تعهدًا مع السلطة دون أن أفهمه، فوجئت بقضية رفعت عليّ سجنت بسببها 12 يومًا، وما زالت مهددًا بالسجن، ولا أملك ما أعطيه لهم، أهكذا تقدّر تضحياتي".

وحول الوضع القانوني لسكّان "بئر النعجة" قال آمال شمالي مديرة العلاقات العامة والإعلام في سلطة الأراضي إن هذه المنطقة هي تعديات على أراضٍ حكومية، شرعت سلطة الأراضي بمعالجة العشوائيات فيها بناءً على طلب مواطني المنطقة!

وبخصوص المنازل التي دُمرت خلال عدوان 2021 توضح شمالي معايير التسوية لأراضي المنطقة، إذ تمنح قطعة الأرض للسكان مقابل دفع ثمنها بنظام التقسيط لمدة عشر سنوات، حيث يدفع المواطن 60% من قيمة الأرض مقسمة على ثلاث دفعات على مدار عشر سنوات مع تحديد نسبة الدفعة الأولى بـ 20% ".

وتؤكد شمالي: "الاتفاق الذي دار بين سلطة الأراضي والمواطنين كان بحضور شخصيات اعتبارية، ووقع المواطنون على تعهدات بالتسديد، لكنهم لم يلتزموا بها ما اضطر السلطة لرفع قضايا عليهم".

وتختم: "كل مواطن اشترى أرض متعدَ عليها بعقد انتفاع، يجب عليه دفع ثمنها لسلطة الأراضي؛ لأن القانون لا يحمي المغفلين، ونحّذر من شراء هذا النوع من الأراضي".

وحول الاتفاق الذي وقع بين سلطة الأراضي وأهالي بئر النعجة بتاريخ 26 مايو من العام المنصرم، يقول فايز حسان محامي أهالي المنطقة لـ "نوى": "استغلت سلطة الأراضي جهل المواطنين بالقانون، للحصول على التراخيص والأوراق التي يحتاجونها لأخذ التعويضات، ورفعت عليهم دعاوي قضائية، دون الرجوع للجنة الحي لإبرام اتفاق شامل".

ويضيف حسان: "أصل المشكلة يكمن بأن معظم سكان المنطقة حاليًا اشتروها من العائلات التي سكنتها في الانتفاضة الأولى ودفعوا ثمنها، حيث كان ثمن الدونم حينها لا يتعدى 5 آلاف دينار."

وطالب المحامي بتجميد قرار سلطة الأراضي الجائر، وتعيين لجنة محايدة لتثمين الأراضي في منطقة بئر النعجة بمصداقية وعدل.

قضية إنسانية بحتة، تحاول سلطة الأراضي تخليصها بغطاء قانوني، والمتضرر الوحيد هو المواطن، الذي يدفع الآن نتيجة صموده أمام عدوان الاحتلال، وتتخذ قراراتِ جائرة بحقه..  وهنا السؤال، هل تراعي الحكومة ما مرَّ ويمر به أهالي منطقة بئر النعجة أم ستبقى مصرَّة على قراراتها؟

كاريكاتـــــير