شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 26 ابريل 2024م00:14 بتوقيت القدس

مبادرة قابلة للتعميم

"فطور الهنا".. كي لا يُقال "جاع طفلٌ في رفح"

25 فبراير 2023 - 18:53

رفح:

عندما اعتادت مريم ياسين أن تكون الأذن الصاغية لابنتها "ورد" بمجرد عودتها من المدرسة، كان عليها أن تنصت للكثير من التفاصيل -المهمة وغير المهمة- التي تلقيها ابنتها على طاولة الطعام بشكلٍ عشوائي الترتيب.

كل ما تتحدث به الفتاة ذات الأعوام التسعة في كفة، وذكرها لزميلتها "فرح" في كفةٍ أخرى، هنا تترك مريم الملعقة، وتضع يدها على خدها، وتركز مع "ورد" وكأنها تسمع حديثها للمرة الأولى: "كثير يا ماما بحزن عليها، كل الأولاد بينزلو الفسحة بيشتروا بمصروفهم، وبياكلو ساندويشاتهم إلا هيا، بتقول إنها بتفطر في البيت، بس هي وضعها صعب، ودايمًا معهاش أكل ولا مصروف".

كانت مريم تتعمّد إرسال "ساندويشات" إضافية مع ابنتها يوميًا باسم "فرح"، وأحيانًا تحسن العطاء بتفاحة، أو موزة، وفي مراتٍ تعطيها شيكلًا لعل ذلك يكون "في ميزان حسناتها"، حتى جاءت "ورد" بالأمس تتحدث عن فطورٍ مميز حصلت عليه "فرح" من إدارة المدرسة، هي وبعض الأطفال الآخرين، هكذا أخبرتها فرح.

تقول مريم: "سألت معلمة ابنتي في رسالةٍ خاصة عن الموضوع، فوجدته "مبادرة إنسانية" أطلقها مبادرون في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة تحت اسم "فطور الهنا"، وهنا فقط عرفتُ أن الدنيا لسة بخير، وأن البركة في الشباب".

في فترات "الاستراحة المدرسية"، تظهر ملامح الفقر على بعض أبناء الأسر المستورة، الذين لا يُقبِلون على المقاصف للشراء، وأحيانًا يكتفون بساندويشات بيتية جهّزتها أمهاتهم على استحياءٍ بحشوة زعتر أو فلفل أحمر، لكن عيونهم تلمع نحو شاندويشات أخرى تُباع في المدارس مع زجاجة عصير أو بعض السكاكر". 

"مشهدٌ يستحق أن يقف الإنسان أمامه"، يقول هارون المدلل من "تجمّع مبادرو رفح"، الذي أطلق المبادرة الخيرية، التي تدخل ضمن مبادرات "تكايا الخير"، وتخصّ أطفال المدارس.

ولعل أقسى صور الحصار الإسرائيلي، ظهور ملامحها على الصغار! تظهر نتائج الفقر والبطالة التي تضرب عائلاتهم برغم أن العام المنصرم شهد عمل آلاف الفلسطينيين هنا في الأراضي المحتلة عام 1948م، بعد توقفهم منذ العام 2005م.

وبحسب المدلل، انطلقت مبادرة "فطور الهنا" منذ بداية الفصل الدراسي للعام 2023م، وتتنقل بين مدارس المدينة بجهود عشرات المتطوعات ضمن التجمع، اللواتي يقمن بإعداد وجبات الفطور للأطفال في المدارس، فيتم توزيع ما بين 150 و200وجبة لكل مدرسة تستهدفُها المبادرة وعددها ثلاثة، بشكلٍ يومي.

ويضيف لـ "نوى": "المدراء في المدارس يراقبون الطلبة لحصر عدد الذين يأتون دون مصروف يومي، ولا يقبلون على الشراء في فترات الاستراحة، ما سهّل عملية إفادتهم بعدد وجبات الإفطار".

ويتابع: "تواصلنا فقط مع المدراء حفاظًا على كرامة الأطفال، لكن تأثرهم بالمبادرة كان مذهلًا لدرجة أننا شعرنا بفرحتهم أكثر من الأطفال".

وعن توفير تكاليف الفطور، يخبرنا المدلل: "وفرها من ما يقدمه أبناء مدينة رفح المقتدرين، إذ يتبرع صاحب مخبز بمئات الأرغفة، وآخر بادر بتوفير الحمص والفول، وغيره قدّم لنا الجبن والمرتديلا، ثم تقوم المتطوعات وهن بنات جامعيات متخصصات بفنون طهو الطعام بصنع "السندويشات"، بإشراف من الشابة سحر لافي.

ودخول المبادرة إلى المدارس سار بتنسيق "عالٍ" مع مدراء التربية والتعليم و"أنروا" في مدينة رفح، كما أنها لم تقتصر على وجبات الفطور فحسب، بل هناك "مصروفك بإيدك" وهي عبارة عن توفير قرابة 200 إلى 300 شيكل، تُسلّم لمدراء المدارس، فيقومون بتوزيعها على الطلبة الذين لا يأتون إلى المدرسة بمصروف.

وتعمل تكية رفح، منذ ٣ سنوات على مساعدة الأسر المتعففة، حيث لاقت استحسان الناس وقبولهم، يثنون عليها ويطالبون بتوسيعها وتعميمها على محافظات أخرى في قطاع غزة، بعد نشأة "تجمع المبادرون" قبل أربعة أعوام، الذي يهتم بالجانب الإنساني والإغاثي والاجتماعي؛ للتخفيف عن كاهل الأسر المتعففة.

كاريكاتـــــير