شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م17:56 بتوقيت القدس

ورشة لـ"فلسطينيات" استضافت "انفلونسرز" و"متابعين"

"الاختلاف" كَحَق و"خطاب الكراهية" في مساحات النشر والتعليق

20 فبراير 2023 - 13:06

غزة : 

"أعرف أنه كان يقصد صنع محتوىً لطيف، وقد فعل، لكنه لم يقدّر أن هذا المحتوى قد يتسبب بضررٍ لكثيرين ممن يعملون عن بعد، عندما صار أرباب العمل يقيسون اقتصاديات الحياة بغزة على مقاس ما قدمه في مقطع فيديو" تقول الصحفية أبرار جودة.

مواجهةٌ خفيفة الظل، حدثت في ورشةٍ عقدتها فلسطينيات، أمس، بعنوان "خطاب الكراهية ونشطاء التواصل الاجتماعي.. التأثير والتأثر"، ضمن مشروع "بيئة حامية من خطاب الكراهية وداعمة لحرية التعبير"، بالشراكة مع المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات، وبتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي"، جمعت عددًا من الصحفيين والصحفيات، وصناع المحتوى الفلسطيني، والنشطاء، لمناقشة "خطاب الكراهية" بين مستخدمي الإنترنت عمومًا، وتأثيره على صناعة المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي.

أبرار واجهت بحديثها الشاب يوسف أبو جياب، المعروف بـ "جو جياب" (صانع المحتوى الرقمي)، وكان يومًا ما قدّم تحديًا يحكي كيف يمكن لمبلغ (20 شيقلًا) أن تكفي شخصًا ليومٍ كامل في غزة.

وبرغم أن الشاب لم يقصد بمحتواه أي أذى، ولم يقدم إلا فيديو طريف، وخفيف الظل، إلا أنه تسبب ببعض اللغط، "حيث صور الحياة في غزة سهلة، تمامًا كما ساندويش الفلافل الذي يبلغ سعره شيقل" تعلق أبرار، مضيفةً: "كنتُ وقتها أطمح لزيادة الراتب، ولما طلبتها، واجهني مديري بهذا الفيديو الذي كان يلمح فيه إلا أن الحياة في غزة رخيصة، والراتب يكفي للعيش برفاهية وفق ما تم عرضه من أسعار في الفيديو هذا".

الشاب الذي تقبّل الانتقاد برحابة صدر، أكد أنه "كان كل الهدف صنع فيديو لطيف، ملخّصه: كيف يمكن لشخص أن يمضي يومه في قطاع غزة بمبلغ 20 شيقل فقط لا غير"، مشيرًا إلى أنه كصانع محتوى، يتعرض لخطاب كراهية عميق، منذ بدأ رحلته في السوشال ميديا.

يقول: "للأسف، في مرةٍ خرجت في رحلةٍ إلى القدس، وهذا الأمر صعب في غزة، ففوجئت بالتعليقات تتهمني بالعمالة! كيف؟ ثم تعرضتُ في نفس الفيديو لخطاب كراهية كبير، عندما بدأت التعليقات تتواتر على لهجتي، حيث أتكلم بـ "الآل"، فأنا أصولي يافاوية، وهكذا نتكلم في يافا، لأجد البعض يقول لي: شد ضبتك، اعدل لسانك، يا أبو ئال وئُلنا، والكثير من العبارات المؤذية".

يعقب: "صدقوني في مرة بكيت، وتساءلت: لماذا يكره الناس الخير لنا؟ عندما حاولت أن أقدم نمطًا مميزًا من المحتوى وجدتُ كل هذا الهجوم، والتعليقات المحبطة، وكدتُ أن أنهي رحلتي في العالم الافتراضي إلى هنا، لكن لا. أعي جيدًا أن الانتقاد من حقك، لكن كيف تنتقد؟ هذا هو الذي يجب أن تفكر به جيدًا".

خيط رفيع يفصل بين حرية الرأي والتعبير، وخطاب الكراهية، ربما لا ينتبه له كثيرون، لا سيما من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وما ورد في الحوار بين أبرار ويوسف، ما كان سوى جزء من حالة جدلية شملتها الورشة على مدار ساعتين.

ساهر العامودي، الذي عُرف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم "أبو سمير"، تحدّث بدوره عن خطاب الكراهية ضد صناع المحتوى الفلسطيني، مشيرًا إلى أن "فكرة البلوك أو التطنيش غير مطروحة لديه، لأن عدم الرد على من يسيء النقد، أو يستخدم عبارات ازدرائية، تشجعه على الاستمرار في استخدام هذا النوع من الخطاب، وتنصيب نفسه حكمًا على الناس، منظرًا لا عمل له سوى انتقاد الآخرين".

أبو سمير في مقاطع الفيديو التي يصورها، يتناول قضايا مختلفة، وأحيانًا مواقف كوميدية تحدث معه من واقع عمله كممرض، ويسردها على هيئة قصص بطلتها اسمها "هناء". وبرغم عدد المتابعين والمتابعات الكثر على صفحته، إلا أن ما يؤخذ عليه "هجومه غير المباشر، وربما غير المقصود على المرأة، عبر انتقادها اللاذع دائمًا، وتنميط صورتها ووظيفتها، وأحيانًا وصفها بما تكره" تقول الصحافية أمنية مسعود.

يقول أبو سمير: "طاب الكراهية الذي نراه على وسائل التواصل الاجتماعي هو امتداد لخطاب الكراهية الموجود على أرض الواقع، فكل إنسان ينصب نفسه قاضيًا على غير، ويرى نفسه على صواب، ويهاجم كل من يختلفون معه، أو يخالفونه في الرأي والفكر"، مردفًا: "وما نلمسه على مواقع التواصل من انتقاد سلبي يتجاوز في كثير من الأوقات حدود الأدب، قد يكون نتاج جملة من الضغوط التي يعيشها المواطن في قطاع غزة، من فقر وبطالة وحصار، فيفرغ ما بداخله من كبت في انتقاد النشطاء، لا سيما أنه لا يوجد رقيب أو حسيب على هذه المنصات".

ويتابع: "تعرضتُ للكثير من الرسائل والتعليقات التي تحمل خطاب كراهية واضح، رغم أن الطبيعي لمن لا يعجبه محتواك أن يغادر صفحتك، أو يلغي صداقتك أو متابعتك، أو حتى أن يحظرك، لكن المؤسف ما يحدث على الأرض، فهؤلاء الرافضين يبدعون في استخدام كل ما هو ممكن من أجل النيل منك كصانع محتوى، كشخص وكإنسان، فلا يكتفون بانتقاد المحتوى بشكل مؤدب ولائق، بل ينتقدونك أنت شخصيًا وبطريقةٍ بشعة".

من جهته، يرى الناشط محمد أبو رجيلة صانع المحتوى شخصًا قادرًا على التفرقة بين ما هو نقد وما هو خطاب كراهية، ملفتًا إلى أن أي انتقادٍ للمحتوى، بعيدًا عن السب والشتم فهو مرحبٌ به، وصاحبه يُحترم، أما ما دون ذلك فهو غير مقبول بتاتًا.

ويزيد: "ممارسو خطاب الكراهية يقودون خلفهم أجيالًا من المطبلين دون أن ينتبهوا، ويُعلّمون من يقرأ انتقاداتهم وتعليقاتهم السلبية نفس الفكر والخطاب. انتقدني بأدب، وحاورني باحترام، احترامي واجب عليك، وانتقادك أنت حر فيه طالما كانت عباراتك لائقة، عندما تتجاوز في خطابك احترامي هنا ليس لك عندي إلا الرد بما يتناسب معك".

عودةٌ إلى مداخلة المحررة في موقع البوابة أمنية أبو الخير، فقد أشارت إلى أن حرية صانع المحتوى، تنتهي عند حرية الآخرين "والعكس صحيح"، "وما لا نقاش فيه أن احترام الطرفين لبعضهما واجب".

وتضيف: "بعض المعلقين على محتويات النشطاء، يكون هدفهم إثارة البلبلة، وتسليط الضوء على أنفسهم من خلال عبارات المخالفة، التي غالبًا ما تكون منسوخةً عن غير فهم. بعبارةٍ أخرى: المخالفة لأجل الظهور"، منبهةً إلى أن المتابع، لو كان غرضه تنبيه صانع المحتوى فعلًا لخطأ ورد في محتواه، فهناك وسائل عديدة لتحقيق ذلك غير الهجوم، والتجريح، والتشكيك بالأخلاق "إما أن يعلق بنقده هذا بمنتهى الاتزان والاحترام، أو أن يلجأ لإرسال رسالة خاصة لطيفة تعبّر عن امتعاضه من المحتوى أو أمنيته في تعديله أو تحسينه لأسبابٍ يستطيع بها إقناع صاحب المحتوى نفسه".

أمنية أشارت أثناء حديثها إلى إحدى الناشطات (وهي مصابة بالبهاق)، إذ تتعرض لخطاب كراهيةٍ قاسٍ، كانت قد صرحت بأنه تحاول تجاهله "لأنها إذا قرأته تمكث أيامًا في حالةٍ صعبة". تقول: "أيًا كان موقفي من محتواها، أو موقفك من محتواها، لا يحق لك التنمر على عاهتها، أو التقزز من ما تقدمه من طعامٍ للمتابعين، أو حتى أن تنتقد المواعين التي تقدم بها الطعام.. التي هي فعليًا موجودة في معظم بيوت القطاع"، متساءلة: "لماذا نصفق دائمًا للشكل والمظهر؟ لماذا لا ندعم فتاةً تحتاج إلى خلق واقعٍ جديد لعائلتها المطحونة، هي تحتاج إلى من يوجهها وحسب، لكن التوجيه لا يكون بخطاب كراهية".

أبو رجيلة، قاطع أمنية موافقًا بالقول: "بالفعل، الكثير من المؤثرين يهاجمون بناء على شكلهم، أو طريقة حياتهم، وطبيعة المحتوى الذي يقدمونه، رغم أن كل هذه الأشياء لا تؤذي أحدًا، وفي الوقت الذي قد لا يتفق البعض من محتوى معين، نجد الكثيرين يتابعونه بشغف، وهذه هي الحرية التي يجب الحفاظ على حدودها، وعدم المس بها، طالما أن هذا المحتوى لا يمس بالأخلاق أو القيم ولا يخالف القانون".

الصحفية ديانا المغربي، بدورها، ترى أن من حقها كمتابعة أن ترفض أي محتوى ترى أنه مخل، أو لا يحترم الدين أو العادات والقيم المجتمعية، "باعتبار أن هؤلاء المؤثرين، وما يقدمونه من محتوى، يؤثر وبقوة على الجيل الصاعد، ما يجعلنا مطالبين بحماية أبنائنا مما يقدمونه".

ويرى الناشط أحمد حجازي أننا بحاجة لنشر ثقافة تقبل الآخر، والنقد في حدود العقل والمنطق بعيدًا عن التنمر أو توجيه خطابات تؤذي الآخرين، قائلًا: "الكبت السياسي خلق حالة من الرقابة يمارسها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تجاه بعضهم البعض، وصلت لحد أن ينصب بعضهم حكامًا على بعض، يحاسبون، ويصدرون أحكامًا، ويتصدرون حملات تحريض تجاه الآخرين، لمجرد أنهم مختلفين معهم في الرأي".

فيما يجزم الشاب عبد المحي شهاب أن خطاب الكراهية إفراز لواقع سياسي واجتماعي، ونتاج لمنظومة اجتماعية مهترئة، عادًا أن بعض المحتويات المقدمة، تتجاوز قيم المجتمع، ولا يعقل أن نطلق عليها حرية رأي لما يمكن أن تتركه من آثار سلبية.

وأكثر ما يراه شهاب مؤذيًا، هو استغلال بعض المؤثرين للفئات الهشة من ذوي الإعاقة وأصحاب العلل العقلية، ملفتًا إلى أن السوشال ميديا، سهّلت ظهور خطاب الكراهية الموجود على أرض الواقع.

وعدَّ محمد أبو القمبز المختص في السوشال ميديا، الاختلاف حق، "لكن هذا الحق لا يسمح لي أن أهاجم من يختلف معي في الرأي أو الفكر، ولا يجب أن نترك الاختلاف يصل بنا إلى درجة أن نمارس الكراهية تجاه بعضنا البعض"، مبينًا أن وسائل التواصل الاجتماعي منحتنا الحل تجاه ما لا  يعجبنا من محتوى، بأن نلغي المتابعة، أو نحظره، بعيدًا عن توجيه خطابات سلبية تحمل مشاعر الكره والحقد.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير