شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م01:13 بتوقيت القدس

الانفصال قاب قوسين

هديل ومروة.. "دبلة الخطوبة في "قبضة الاحتلال"

04 فبراير 2023 - 14:06

غزة: 

قد لا تحتاج حكاية هديل القصاص إلى سيناريو وحبكة درامية لتحويلها إلى فيلم سينمائي، لما فيها من أحداث تشويق ممزوجة بالكثير من الألم والحسرة، ولوعة البُعد والفراق.

عام 2016م، ارتبطت هديل (25 عامًا) من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، بخطيبها عمر القصاص (27 عامًا)، وهو قريبها ويقيم بمدينة الخليل في الضفة الغربية، دون أن يلتقيا طوال 8 سنوات، تخللتها أحداث أدت لانفصالهما، قبل أن يعودا ويعقدا قرانهما مجددًا، على أمل أن يجتعما تحت سقف واحد، لكن تقف سياسات الاحتلال الإسرائيلي في وجه أحلامهما البسيطة.

عندما تقدّم عمر لخطبة هديل، لم يخطر ببالهما أن تطول سنوات الانتظار، تقول الخطيبة المعلّقة لـ"نوى" : "تقدمتُ مرارًا بطلبات لتغيير العنوان وأخرى للزيارة، لكنني أواجه بالرفض في كل مرة لأسباب يصفها الاحتلال بالأمنيّة بسبب صغر سني".

صمتت هديل لثوانٍ قبل أن تكمل بصوت مختنق: "غزة هي المكان الوحيد على وجه الأرض الذي أتمنى لو لم أكن فيه صغيرة العمر".

هذه المحاولات اليائسة للوصول إلى خطيبها، كانت مبررًا لما وصفتها بـ"الضغوط المجتمعية"، التي أدت لانفصالهما دون انقطاع حبل الود، ليقررا عقد قرانهما مجددًا بعدما عاد إليهما الأمل من جديد بـ"لمّ الشمل" إثر تفاهمات بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، واستئناف الموافقات على طلبات لم الشمل وتغيير العنوان.

منذ آخر دفعتين من هذه الموافقات في حزيران/يونيو الماضي، لم تُصدِر سلطات الاحتلال أي موافقات جديدة. تقول هديل: "العمر يمرّ ولا أعلم متى سيكون لقائي بعُمر".

على قساوتها، لكن قصة هديل ليست استثنائية في قطاع غزة، الخاضع لحصار إسرائيلي خانق منذ 16 عامًا، يجعل الانتقال منه إلى الضفة الغربية ضربًا من المستحيل على هديل ومثلها من الزوجات، وأغلبهن متزوجات ولديهن أطفال، فيما يقيم الأزواج بالضفة الغربية.

تشارك هديل في فعاليات احتجاجية ضد سياسة الفصل الإسرائيلية، التي ينظمها تجمع نسوي يطلق على نفسه اسم: "الزوجات العالقات في قطاع غزة وأزواجهن في الضفة الغربية"، للضغط من أجل انتزاع حقوقهن بجمع شملهن وأبنائهن مع الأزواج في الضفة الغربية.

تضيف هديل: "لا أحد يسمعنا أو يتفهم ما نعانيه.. تغيير العنوان من حقنا، من حقنا العيش أينما نريد"، وتساءلت بغضب: "ما الخطر من وراء انتقالنا لأزواجنا؟!".

ورغم أن هديل لا تخفي أن اليأس يتملكها بإمكانية حل قريب ينقلها إلى الضفة، لإتمام مراسم زواجها، لكنها لا تفكر بالانفصال مجددًا، تقول: "تخيلي بيني وبين عمر مسافة ساعتين أو أقل بالسيارة، ونفكر بالانتقال للإقامة في تركيا.. وهذا الخيار أيضًا ليس سهلًا، عمر عامل والسفر بحاجة للكثير من المال".

ومن حيث انتهت هديل بالتفكير في الانتقال إلى مساحة حرة بلا احتلال، تستطيع فيها الالتقاء بنصفها الآخر، راودت الفكرة ذاتها مروة عودة (29 عامًا)، غير أنها تقول لـ "نوى": "الانتقال إلى خارج البلاد ليست خطوة سهلة، فهي قرار بالبدء من الصفر، وقد تعرفت إلى تجارب غير ناجحة لحالات مماثلة انتقلت للعيش في تركيا، فضلًا عن التكاليف المالية الباهظة التي لا نقوى عليها".

مروة مخطوبة لعبد الله (32 عامًا)، وهو عامل في شركة ألومنيوم، يقيم في مدينة طولكرم بالضفة الغربية. ارتبطا عام 2019م، بعد محاولات عدة من طرفه للاقتران بها ورفض أهلها، بسبب "معوقات الاحتلال".

كانت بداية تعارف مروة وعبد الله عن طريق أصدقاء مشتركين لأسرتيهما، وبعد موافقة أهل مروة على طلب الزواج، تم عقد القران. تقول: "كنا نخطط ألا تستمر خطوبتنا لأكثر من 6 شهور ونقيم حفل الزواج، وتتالت السنوات منذ خطوبتنا دون أن نلتقي ولو لمرة واحدة".

وقوبلت طلبات عدة تقدمت بها مروة للحصول على تصريح زيارة للضفة الغربية، برفض سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فلجأت إلى طلب للحصول على تصريح تجارة بموجب سجل تجاري يعود لأسرتها التي تعمل في مجال التجارة، ويتنقل أفرادها بين غزة والضفة الغربية، وكانت النتيجة واحدة: "غير مطابقة" وتعني الرفض.

تتمسك مروة حاليًا بأمل الحصول على موافقة لتغيير العنوان في بطاقة الهوية الشخصية، الذي تقدمت به في أكتوبر عام 2021م، قبل أن يقع ما لا تتمناه، ويفشل ارتباطها بخطيبها الضفاوي.

تتساءل بحرقة لا تخلو من غضب: "ما سبب كل هذا الظلم؟ هل تغيير بضع حروف في خانة العنوان يحتاج إلى كل هذا التعب والمعاناة؟ أليس من حقنا كبشر أن نتحرك بحرية، وأن ونختار المكان الذي نعيش فيه، ونبني حياتنا ومستقبلنا؟".

تواجه مروة ضغوطًا مجتمعية كلما مرت الشهور والسنين: "اللي أصغر منك تزوجوا وخلفوا"، وهذه أكثر العبارات التي تخترق قلب مروة قبل سمعها. تقول: "أسمع عبارات من هذا القبيل: انت راحت عليكي، وكأنني أمتلك الخيار والقرار، فما ذنبي؟ وما الذنب الذي اقترفته عشرات المتزوجات والمخطوبات العالقات في غزة؟".

ولا تبدو الحياة في غزة خيارًا مناسبًا بالنسبة لمروة وعبد الله، تضيف: "الحياة في غزة غير مستقرة.. وعبد الله لن يستطيع التأقلم هنا، ثم إن الطبيعي أن تنتقل الزوجة لبيت زوجها، إلا هنا، الأمر البسيط يتحكم به مزاج الاحتلال".

هديل ومروة عضوتان نشيطتان يشاركن في فعاليات تجمع "الزوجات العالقات في قطاع غزة"، لخلق حالة ضاغطة من أجل إنهاء معاناتهن المستمرة منذ سنوات، دون أفق لحل قريب.

بدأت بذور أزمة "لم الشمل" تعصف بحياة آلاف الأسر الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، وتفاقمت بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م، مع فرض سلطات الاحتلال قيودًا مشددة على حرية تنقل الفلسطينيين بين قطاع غزة والضفة، وانتهاجها سياسة لفصل القطاع عن باقي الأرض الفلسطينية، وأوقفت تحديث عناوين الفلسطينيين، وأصبح أبناء قطاع غزة هناك يُعاملون كأنهم أجانب غير شرعيين.

ووفقًا لمنظمة "بتسليم" لحقوق الإنسان (منظمة إسرائيلية مستقلة)، فإن آلاف الأسر الفلسطينية تضررت من هذه السياسة، وحرمتهم من العيش كعائلة.

وبينما تجعل سلطات الاحتلال من شبه المستحيل على الفلسطينيين في غزة الوصول إلى الضفة، فإن نظام منح التصاريح يتضمن إجراءات تجعل من الصعب على سكان الضفة مغادرة غزة بمجرد دخولها، إذ يتم ابتزازهم بالتوقيع على ما تسمى "وثيقة الاستقرار"، وتقول منظمة "مسلك-جيشاه" الحقوقية الإسرائيلية (منظمة مستقلة): إن هذا الإجراء يشكل نقلًا قسريًا، وهو انتهاك خطير للقانون الدولي يرقى إلى جريمة حرب.

كاريكاتـــــير