شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م04:39 بتوقيت القدس

"خلف السور"..

حكايات في القدس تعزز الانتماء للأرض والهوية

12 يناير 2023 - 13:54

القدس : 

تمسك مريم يد ابنها أمير (5 سنوات) وهي تتجه صوب المسجد الأقصى، فيقترب منه جندي إسرائيلي يمسح على رأسه ويسأله: "كيف حالك يا شاطر"، يبتسم الطفل ببراءة ويجيب: "منيح"، تشدّ يد طفلها وتمضي إلى الأقصى عازمةً ألا يمرّ الموقف مرور الكرام.

في طريق العودة، الجندي نفسه يوقف شابًا مقدسيًا على الحاجز، يدفعه بقوة ويفتشه ويحاول منعه من الدخول للأقصى ثم يعتدي عليه بالضرب، فتخاطب مريم طفلها شارحةً له المشهد: "أرأيت يا أمير ماذا يفعل هذا الجندي المحتل؟! إنه يؤذي ويضرب ويعتقل ويقتل".

مريم أبو اسنينة، أمٌّ مقدسيّة من وادي الربابة ببلدة سلوان جنوبي القدس المحتلة، اختارت ألا يألف طفلها وأطفال القدس وجود جنود الاحتلال في المكان، وألا يروهم شيئًا عاديًا ثم ينسون بمرور الوقت أنهم محتلّون لهذه الأرض، فقررت أن تطلق سلسلة قصصية للأطفال، افتتحتها بقصة (خلف السور).

الفكرة والدافع

عن ولادة الفكرة تقول مريم: "عام 2019م انطلقت عدة مبادرات من أهالي القدس لمواجهة مخططات الاحتلال لتهويد المدينة، فبحثت وفكّرت كيف أكون مؤثرة، وأساهم في الدفاع عن مكاني؟ فجاءتني فكرة كتابة قصص للأطفال تتناول الحديث عن القدس والأقصى، وبدأتُ الكتابة منذ ذلك العام".

درست مريم التربية الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة، وحصلت على شهادة التأهيل المهني للعلاج بالقصة ما ساعدها في كتابة القصص. تضيف: "كتبتُ قصصًا تربوية للأطفال قبل ذلك وتفعلت تلك القصص في مكتبة المسجد الأقصى، لكنها المرة الأولى التي أكتب فيها قصصًا تتناول واقع المدينة المقدسة".

وتمضي مريم بالقول: "إن أبرز الدوافع لإطلاق سلسلة قصصية عن القدس والقضية الفلسطينية، افتقار أدب الأطفال لمثل هذه القصص التي تتناول الموضوع، وتشرح واقع الطفل المقدسي وتعرفه بقضيته وثوابته".

وتتابع: "لاحظتُ أن أطفالنا ألفوا رؤية الجنود في الأقصى وعلى الأبواب والحواجز، وهذا مؤشر خطير ينذر بنجاح مخططات الاحتلال لتهويد المدينة، ومسح الهوية المقدسية عن أبنائها".

وتفيد مريم بأن المربي في هذه الحالة، يكون أمام خيارين، إما أن يعتاد طفله وجود الاحتلال حتى يمسي بالنسبة له شريكًا في المكان فتمسخ هوية طفله، أو أن يزرع في طفله الوعي بهويته وأرضه ويظل ذلك الجندي الواقف على الحاجز عدو محتل وغاصب للأرض في نظر الطفل.

خلف السور

أما عن (خلف السور) فتوضح مريم أن القصة "تحاكي واقع الطفل المقدسي وتروي في جزء منها قصة حقيقية حدثت في القدس، وتُفرّق بين المفاهيم المختلفة وتشرحها للطفل. من هذا الجندي؟ ولماذا يقف هنا؟ وماذا يفعل مع أهل المدينة؟ وما إلى ذلك".

وتشير إلى أن القصة موجهة للطفل المقدسي خصوصًا، والفلسطيني بشكل عام، ليفهم الطفل الذي يعيش خارج أسوار القدس ما يدور داخل أروقة المدينة وحواريها.

وتوضح مريم أن ما يميز القصة "أنها ليست مجرد قصة أطفال عادية، حيث تركت للأطفال أن يطلقوا عنان خيالهم لربط العنوان بالأحداث، وللمربين بتعزيز القيم، وتوضيح بعض المفاهيم الغائبة عن تنشئة أطفالنا والإجابة على أسئلتهم المختلفة، لننعم بمستقبل حافل بالقدوات التي يحتذى بها". 

وعن (لماذا خلف السور) تجيب مريم: "لأن هذا الاسم يحمل الكثير من المعاني ويترك مساحة للطفل بتوقع أحداث القصة، فمن خلف السور سيخرج جندي مدجج بالسلاح، وخلف السور طفولة تنتزع، وخلف السور أسرة مُحبة متآلفة متعاونة، وخلف السور الكثير".

تحديات وصعوبات

وقبل أن تخرج القصة إلى النور، واجهت مريم صعوبات عدة كان أبرزها، "عدم وجود دعم مادي للجانب الثقافي من المؤسسات المعنية"، مقابل المبالغ الهائلة التي يخصصها الاحتلال لأسرلة قطاع التعليم في القدس، وعمل الاحتلال على نشر المناهج المحرفة، والمنهاج الإسرائيلي، "فالاحتلال لا يريد طفلًا مثقفًا وعقلًا ناقدًا مفكرًا يفهم ويعي جيدًا ما يدور حوله".

وتضيف: "مما واجهني أيضًا إعراض الكثير من دور النشر عن تبني القصة وبيعها، لوجود صورة قبة الصخرة على الغلاف، واحتوائها على صورة العلم الفلسطيني، ورموز تدل على الهوية الفلسطينية"، معقبةً: "تناول القضية في واقعنا الآن، خطوة قوية وجريئة".

وحسب مريم، فإن القصة لاقت رواجًا وتفاعلًا كبيرًا من الأهالي والمدارس في القدس والضفة الغربية، لأنها لمست ما يحتاجه المربّون، وشرحت الواقع، وأوصلت الرسالة بأسلوبٍ سلسٍ وسهل وبسيط.

وتفيد أن قصة خلف السور، ستُتبع بقصص أخرى تتناول القضية الفلسطينية والثوابت الوطنية بشكل أوسع، وتطمح بأن تنتشر في كل أجزاء الوطن وخارجه لتصل الرسالة للعالم، وأن تجد دور نشر تتبنى القصة.

إن (خلف السور) شكل من أشكال الثبات والصمود أمام مخططات الاحتلال الرامية إلى تغييب وتجهيل الطفل المقدسي عن واقعه وحجب شمس الحقيقة الثابتة عنه، لتقول للاحتلال "إن الشمس لا تغطى بغربال".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير