شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م20:49 بتوقيت القدس

تامر قديح..

ابن غزة مهندس بأشهر مطارات بلجيكا

09 يناير 2023 - 10:43

شبكة نوى، فلسطينيات: خانيونس :

ما بين ولادته في قطاع غزة المحاصر، ووصوله إلى موقعه الحالي كمهندس طيران في أحد أشهر مطارات بلجيكا، قصة كفاح طويلة عاشها الشاب تامر قديح.

وُلد الشاب تامر قديح مطلع تسعينيات القرن الماضي في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وأكمل تعليمه حتى المرحلة الثانوية، في واقع يضجّ فقرًا وضعف رعاية وظروف قاسية نتيجة ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة بأكمله.

وسط هذا الواقع المرير، نشأ تامر طالب مجتهد وذكي منذ نعومة أظافره، يرسم الطائرات على الورق ويطلقها نحو السماء تتبعها عيونه ودقات قلبه، يحلم أن يدرسها ذات يوم، ولكن كيف لفتى يعيش في بلد محتل لا مطارات فيه ولا حتى أي تخصص جامعي متعلق بالطيران، أن يحلم بدراسته بل وأن يعمل فيه أيضًا!!!

تامر، الذي يبدي فخره الدائم بفلسطينيته، يقول بمليء فمه: "نحن أحياء وللحلم بقية"، مقولة شكّلت شمس الأمل بالنسبة لتامر في هذا الواقع المظلم، فأعانته على تحقيق ما ظنّه مستحيلًا، "نعم أنا ابن هذه البلاد العظيمة، أنا ابن قطاع غزة المحاصر والفاقد لكل مقومات الحياة، وباسم بلادي حققت حلمي"، يقول تامر.

من مدينة لييج في بلجيكا، أتى صوت تامر هادئًا وهو يروي لنوى طريقه نحو تحقيق حلمه:"أن أصبح مهندس طيران، كان هذا حلمًا رافقني منذ طفولتي، وسط ظروف صعبة أنهيت الثانوية العامة في الفرع العلمي بمعدّل مرتفع، ناضلت من أجله كي تتاح لي فرصة الدراسة في الخارج".

وسط واقع انقطاع الكهرباء والعدوان الإسرائيلي المستمر، مضى تامر بحلمه تحمله منحة دراسية للمتفوقين وسافر إلى الجزائر عام 2007، درس خلالها الهندسة العامة، ولكن بدأت العثرات.

يقول: "في جامعة البليدة بالجزائر، كان عليّ تجاوز حاجز اللغة الفرنسية التي لم أكن أتقنها، وفضّلت عدم إضاعة سنة كاملة في تعلّمها، وعليّ قضاء خمس ساعات يوميًا في ترجمة محاضرة قد تكون مدّتها ساعة أو ساعتين، فكان التحدّي كبير جدًا لكنني تجاوزته بنجاح وحصلت على معدل امتياز في العام الأول".

أما اللحظة المفصلية في حياته الجامعية، فكانت عند اختيار التخصص، حين دفعه شغف الطفولة إلى اختيار تخصص هندسة الطيران، وهو ما لاقى اعتراضًا من محيطه الاجتماعي الذي وجد أنه لا مستقبل في تخصص هندسة الطيران، ناهيك عن صعوبة التخصص ذاته، ورفض طلبه من قبل السفارة الفلسطينية في الجزائر ما دفعه للتواصل مع السفارة عبر وسيط من سفارة أخرى.

أنهى تامر تخصص بكالوريوس هندسة الطيران بمعدّل مرتفع، والتحق ببرنامج الماجستير تخصص المحرّكات، عاد إلى قطاع غزة ظافرًا حاملًا شهادة عليا، لكن واجهته الأفكار الطبيعية، ماذا ستفعل بشهادتك في بلد ليس فيها مطار ولا طائرات، سوى من تلك التي تجوب سماء القطاع كغربان الظلام تهدم البيوت فوق رؤوس المدنيين، فهنا لن ترى سوى الطيران الحربي للاحتلال الإسرائيلي.

انفطر قلب تامر الذي لم يتقبل فكرة المعاناة من البطالة بعد كل هذا الجهد، فحزم حقائبه مجددًا وانطلق إلى بلجيكا بحثًا عن حياة جديدة، عمل هناك في واحد من أكبر مصانع المحرّكات في العالم، والتحق هناك بالعديد من الدورات التدريبية المتقدمة، جعلته متفوّقًا ومتميزًا في مجاله.

يتابع: "نصحني مسؤول عن تقديم طلبات التوظيف بالتقدّم للعمل في مطار لييج الدولي، وهو واحد من أهم المطارات في العالم، لكن السؤال الذي وجهه لي الكثيرين، هل سيقبلون بك وأنت لا تحمل الجنسية البلجيكية".

العديد من الأفكار السلبية واجهها، لكنه قرر التقدم إلى هذه الوظيفة في المطار الذي يعدّ الثامن على مستوى أوروبا من حيث عدد الرحلات الجوية، ما يجعل التميّز سمة أساسية لكل من يعمل فيه.

يكمل: "المفاجأة أنني قُبلت، وعملت مهندسًا للطيران في مطار لييج الدولي، وتحقق حلمي بعد سنوات طويلة من المعاناة مع دراسة تخصص صعب والحصول على الماجستير في تخصص دقيق فيه وهو المحرّكات، ومن ثم الحصول على دورات متقدمة جعلتني متميزًا في هذا المجال".

طرق الأمل قلبه مجددًا، خاصة بعد حصوله على الجنسية البلجيكية التي جعلته موظفًا رسميًا في المطار بفضل تميّزه، هنا حقق تامر الحلم خارج أسوار قطاع غزة الذي تحاصره سلطات الاحتلال من كل جانب، لكنه ما زال يحلم باليوم الذي يعود به إلى موطنه في فلسطين، وأن يكون لدينا مطارات يسافر من خلالها الناس وأن يشاهدوا الطيران المدني بدلًا من ذلك الذي يقصف ويقتل.

أنهى تامر الحديث لنوى وهو يردد أمنياته التي يؤمن إنه سيراها ذات يوم رأي العين، ويوجه رسالة للشباب أن آمنوا بأحلامكم وقدراتكم فالمستحيل وُجد كي نقهره وليس العكس، وإن الأحلام الكبيرة بدأت من نقطة صغيرة.

كاريكاتـــــير