شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م14:02 بتوقيت القدس

انتهت إجازة الصيف.. "عُمّالٌ" صغار على مقاعد الدراسة

06 سبتمبر 2022 - 13:57

قطاع غزة:

واقع الفلسطينيين في قطاع غزة مُر، تتجلّى صورُه في أبسط شكل يمكن للإنسان تخيله. ربّما على هيئة عمالٍ وعاملاتٍ بأعمارٍ صغيرة ينتشرون في محلات تجارية، أو مشاغلٍ للخياطة، أو أمام بسطات على الطرقات. بسطات يُمسك فيها "الطفل" كتابه ليقرأ تارةً، ويبيع تارةً أخرى. 

محمد فايز (15 عامًا)، طفلٌ يُعيل أمه وشقيقته. ثلاثة أفراد يعيشون في منزلٍ بالإيجار. الأم ربّة منزل وشقيقته مريم تكبره بعام واحد، وهو الأصغر، يتحمل مسؤوليتهما، لغياب والدهما الذي حاول الهجرة عبر البحر في عام 2014م، وانقطعت الأخبار حول مصيره.

"ما أحلى العمل في الإجازة"، قاسيةٌ هذه العبارة التي وردت على لسان طفلٍ أُجبر على تحمل العبء بسبب الفقر المدقع، وانعدام فرص الدخل التي يمكن أن تحصل عليها أسرته إلى جانب مئات الأسر المستورة في قطاع غزة.

يخبرنا محمد أن ليس لديه مشكلة في العمل، على العكس. يبيع "شالات وإكسسوار" على بسطة يطمح أن تصبح محلًا حين يصل إلى الجامعة، فهو يجمع "الشيكل على الشيكل" لأجل هذه اللحظة. 

لا يتعدى دخله اليومي 30 شيكلًا، لكن المحاولة برأيه أفضل مئة مرة من الاستسلام. بدأ برأس مالٍ صغير في بيع المسليات للأطفال ثم طورها ليبيع منتجات مختلفة تهمُّ الفتيات على أبواب المدارس، والآن أصبح يبيع في سوق الجمعة شرقي مدينة غزة.

عن دراسته يكمل "لن أترك الدراسة بالطبع، العمل مهم لكن الدراسة ستنفعني، وأنا فعليًا أطمح لدراسة المحاسبة كوني شاطر في الحسابات". يضحك ويتابع: "لست بحاجة آلة حاسبة، ولا جهاز كمبيوتر في عملي لأنني أدير كل عملياتي الحسابية بعقلي".

وعن حاجته للإجازة، يزيد: "هل لدينا خيارات لأجل الإجازة؟ كل ما أحب فعله السباحة في البحر، وهذه أفعلها مرة في الأسبوع في لمّة مع أولاد جيراني، فكل ظروفنا واحدة، ونحن سعداء جدًا، ومقتنعون بما نفعل".

زينب فتحي (17 عامًا)، ترى الموضوع من منظورٍ مختلف "مؤذٍ وسيئٍ غالبًا".

تقول: "ظروفي أضاعت طفولتي. تعلمتُ التطريز، فأخذتُ أنتج بعض القطع من باب الهواية عند سن الثانية عشر، لكنني أُجبرتُ على مساعدة أمي التي تعمل بهده المهنة كونها المعيلة للأسرة بعد مرض والدي ووفاته".

وتضيف: "أنا أكبر شقيقاتي وأشقائي الخمسة، مات أبي بسكتة قلبية مفاجئة، فزادت حياتنا جحيمًا. لم نجد من يعيلنا سوى أنفسنا. ماما خياطة، والكل كان يظن أننا نستطيع تدبير أمورنا من مردود ما تخيطه".

أخذت زينب تساعد أمها، فتصنع وجوهًا مطرزة للوسائد، ومحافظ بأسعار تناسب جميع الفئات، تبدأ من 25 شيكلًا، وتصل إلى 200 شيكل بحسب المشغول. مهنةٌ تصفها بـ"المرهقة للعيون"، و"المتعبة للنفسية" والمهدرة لوقت الدراسة، وتعقب: "لعلها لو بقيَت كما تعلمتُها هواية، بالتأكيد ستختلف النظرة".

حصلت زينب في الثانوية العامة لهذا العام على معدل 90.9 بالفرع الأدبي، برغم مواصلتها العمل مع أمها، وحاجتها للمال من أجل بعض الدروس الخصوصية التي اضطرت لأخذها قبيل الامتحانات.

"الفقر بشع، والحياة ليست وردية لكنها الفُرَص، فأن تأتينا صغارًا أفضل من ألا تأتي!" هكذا يراها أحمد حبيب، الذي انضم لمساعدة والده بالعمل في البناء، بداية في الإجازات الصيفية بعمر أربعة عشر، حتى صار الآن مهندسًا يبلغ من العمر 29 عامًا.

لا يخفي أحمد كرهه لكل الظروف التي أجبرته على العمل في سن مبكرة، يتحدث "كنت أخفي آلامي النفسية والجسدية كي لا يراني أبي مهزوزًا، ويعرف أن لديه ولد صلب يمكن الاعتماد عليه، فلو لم يكن مجبرًا لما جعلني أعمل".

في قصة أحمد، لم يرغب والده بأن يكمل عمله الشاق هذا في فترة العودة إلى الدراسة، لأنه يعلم أن ابنه من المتفوقين، وأنه سيحصد ما يستحقه يومًا في هذه الحياة، فيعتمد على مساعدته في شهور الإجازة فقط.

في الثانوية العامة حصل الشاب على معدل94  بالمئة بالفرع العلمي، فدرس الهندسة بمصاريف كان قد حصلها من عمله إلى جانب منحة حصل عليها. ثم استمرّ بالعمل حتى تخرّجه، ثم حصل على وظيفةٍ في شركة مقاولات. 

تصنف عادة فلسطين أنها الأفضل من ناحية ضعف معدلات محو الأمية بين الناس، برغم انتهاكات الاحتلال، وتضييقه، واستهداف المدارس والطلاب بشكل مباشر، وأيضًا فرضه الحصار على غزة، وقتل كل فرص العيش، وتعميق مشكلات الفقر والبطالة، لكن مع هذا، فإن الناس تدرك أهمية الشهادة التي إن لم تنفع الآن، ستنفع في المستقبل -ربما.

 

كاريكاتـــــير