شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:11 بتوقيت القدس

تحت نيران القصف يتوه الطريق..

ما لا تعرفونه عن "الخوف".. في قلب نازحٍ "كفيف"!

18 مايو 2022 - 14:13

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تحت حمم الحرب يفتقد الفلسطيني ملامح الأمان. صواريخ الاحتلال لا تفرق بين أحد، وتحت نيرانها الكل مستهدف. في لحظات العدوان؛ الثانية الواحدة تحدثُ فرقًا، وقد تصنعُ مسافةً بعيدةً بين النجاة والموت. ماذا لو كنا نتحدثُ عن فاقد بصر يسير إلى المجهول ذات نزوح؟ عندما يفرُّ إلى الحياة وسط ظلامٍ لا يسمع فيه فحيح الموت.

مشاعر مُرعبة عايشتها "بصيرة القلب" إيمان الغولة خلال عدوان مايو/ آيار لعام 2021م، حينما ركضت في الشارع حافية القدمين بحثاً عن شيء من الأمن تحتمي خلفه مع عائلتها بعد أن نزحت من منزلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، إلى منطقة الرمال وسط المدينة.

من الصعب عليها وهي ابنة الـ (22سنة)، أن تنسى شيئًا من تفاصيل تلك الحرب التي زادت من قلقها ومعاناتها بعد نزوحها من منزلها الذي تحفظ أناملها تفاصيل زواياه كلها، عندما اضطرت إلى المغادرة نحو تفاصيل أخرى وأماكن لا تعلم عن ملامحها أي شيء.

تقول لـ "نوى": "بمجرد الحديث عن تلك الأيام أشعر بالخوف، يزيد تفكيري بالطريقة التي يمكن لي بها الانتقال خارج البيت في حال حدث عدوان جديد. الأمر مرهقٌ جدًا بالنسبة لنفسيّتي".

أخذت نفسًا عميقًا وهي تعود بذاكرتها إلى العام منصرم، ثم أكملت: "صديق والدي اقترح علينا مغادرة المنطقة إلى بيتٍ كان يظنه أكثر أمانًا، وهذا ما شجّع والدي على القبول".

لكن المغادرة لم تكن بالأمر الهيّن، فالقصف كان متواصلًا في بيتٍ لم تألفه إيمان بعد، يضم الكثير من الأطفال، وجدةٌ مقعدة، وشقيقةٌ تشاركها معاناة فقد البصر. "هذا كله كان يشكل عبئًا كبيرًا أمام فكرة النزوح".

صراخ وبكاء

صمتت قليلًا حتى تستطيع ترتيب كلماتها، ثم تابعت: "كنت في كل خطوة أمسك بثياب شقيقتي التي كانت تسير بنفس خطواتي إلى حيث بيت صديق والدي، وصلنا إلى المكان، وقبل أن آخذ أنفاسي وأرتاح قليلًا، قُصفت شقة مجاورة لنفس البناية التي أردنا المبيت فيها، وهذا جعل كل من في العمارة يركضون نحو الشارع".

تردف بانفعال: "تزاحمت الأصوات في أذني، الصراخ والبكاء اشتد ولم أكن أعرف إلى أين اتجه، الجميع كان يركض مذعورًا، وأنا كنت حافية القدمين، أسير على حجارة وزجاج وركام المباني"، مكملةً: "كنت أتغاضى كل الوجع بحثًا عن الشعور بالأمان، وكلما التقطتُ أنفاسي لبضع لحظات يعود قلبي ليخفق بعنف مع تجدد القصف".

تشبه إيمان خروجها من البيت الذي تحفظه عن ظهر قلب بـ"الغربة" عن الوطن، "تتوه حاجاتي، ويضيع طريقي، ولا أجد الأمان" تقول.

سجل الذكريات المؤلمة في حياة إيمان لم تبدأ في مايو، بل سبقها الكثير والكثير من الخوف والهلع مع وقع كل صاروخ. في عدوان عام 2014م، كانت ما زالت في المدرسة، حين قصفت طائرات الاحتلال منزلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وتم تدمير كل شيء فيه حتى آلة الطباعة الخاصة بلُغة برايل، "اللغة الخاصة بفاقدي البصر"، التي كانت بالنسبة لها عالمها الذي تكتب فيه موادها الدراسية.

ذكريات مُرعبة

وكما لكل جولة حرب حكاية، كان لنسمة نافذ (33سنة) تجربة قاسية أيضًا. تقول لـ "نوى": "كنت طالبة في الدراسات العليا، وعملت على تجهيز خطة الرسالة لنيل درجة الماجستير، وتمت الموافقة عليها، وبدأت في إنجازها بهمة ونشاط رغم كل المعيقات والصعوبات التي تواجه الإنسان من ذوي الاجتياحات الخاصة".

وتتابع: "لا أعلم كيف أصف حجم السعادة التي كنت أشعر بها مع كل مبحثٍ أُنجزه من الرسالة، لكن هذه الفرحة اغتالتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي حينما قصفت بيتي في حي الشجاعية، وخرجتُ مع عائلتي إلى الشارع لا نعلم إلى أي مكان يمكن أن نذهب".

وتضيف: "لم أستطع أن أحمل أي شيءٍ معي. كنتُ أركض وأنا أبكي فلم يكن أمامي إلا محاولة النجاة بنفسي مع عائلتي، فكانت الخطوات مخيفة حيث الركام على الأرض الذي يزيد من تعثر خطواتي، وصوت الصواريخ الذي يزيدني رعبًا".

بعد انتهاء الحرب عثَرت نسمة بين الركام على جهاز "اللاب توب" الخاص بها، وكان قد تحطم ولم تستطيع الحصول على ورقة واحدة من إنجازها بالرسالة، الأمر الذي زاد من وجعها.

حاولت كثيرًا أن تبحث عن خطة الرسالة، حتى وجدت عنها نسخةً في بريدها الإلكتروني، لتبدأ العمل من جديد في رسالتها، ذلك بعد أربعة أشهر حاولت خلالها أن تلملم جرحها، وأن تستيقظ من صدمة الحرب، والنزوح، وتدمير بيتها.

الحال ذاته عاشته إسلام العريني (28سنة). إن مجرد الحديث عن تلك الذكريات يجدد في قلبها الوجع، وهذا ما يجعلها تتفادى أي حديثٍ عن الحرب أو الموت أو الدمار.

تقول لـ "نوى": "كلمة "إخلاء" بالنسبة لي أكثر من مجرد الخروج من البيت. يصعبُ علي الحركة والتنقل، وكل خطوة بالنسبة لي هي بمثابة الغربة التي تحمل الخوف".

وتقول وهي تضع يدها اليمنى على اليسرى بقوة: "لا أحب ذِكر الحرب، فصوت الصواريخ ترعبني جدًا، ومن الصعب الحديث عن تلك المشاعر التي قد تصيب فتاةً من ذوي الإعاقة، عندما يكون الموت أقرب ما يكون إليها، بينما هي غارقة في ظلامٍ وقد تاه عنها طريق النجاة".

كاريكاتـــــير