شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م11:59 بتوقيت القدس

تحدثن عن الإهمال الطبي ومواسم الفرح..

شذا وإيلياء وربا.. ونبشٌ في ذاكرة "الأسْر" عبر "زووم"

19 ابريل 2022 - 13:09

رام الله:

جمعتهُنَّ غرفة اعتقالٍ واحدة في سجن "الدامون" شمال فلسطين المحتلة، وآنسنَ وحشة السجن بنور "الأمل". إنّهنَ شذا الطويل، وإيلياء أبو حجلة، وربا العاصي.

الشابات الثلاث، هنّ طالبات من جامعة "بيرزيت" في مدينة رام الله، اعتقلتهُنَّ قوات الاحتلال الإسرائيلي بسبب نشاطِهِن الطُّلابي، وأفرجت عنهن تباعًا لتغدو تجربتهنّ توثيقًا شفهيًا لظلم "إسرائيل"، و"إنسانيتها" المزعومة.

شذا وإيليلياء وربا كُنَّ ضيفات أمسيةٍ رمضانية عقدتها مؤسسة "فضا" -فلسطينيات ضد العنف- مؤخرًا لسرد تفاصيل التجربة. ثلاثُ شابات جمعتهنّ ساحة الجامعة وقاعات المحاضرات، وآخت بينهن الزنازين، أوصلنَ عبر تقنية "زووم" رسائل الدعم للأسيرات والأسرى، وكشفنَ وجه الاحتلال العنصري القبيح، في التعاطي مع كل ما يمت لفلسطين بصلة. التفاصيل ضمن التقرير:

ربا العاصي

بدأت ربا العاصي (21 عامًا) بالتعريف عن التخصص الذي تدرسه في الجامعة، وهو علم الاجتماع، ثم ولجت إلى حكاية الاعتقال المريرة في تموز من عام 2020م، حيث حُكمت بالسجن 21 شهرًا بتهمة نشاطها الطلابي.

وبين تاريخ الاعتقال، ونيلها الحرية في السادس من آذار/ مارس لعام 2022م، تروي ربا ما تعرضت له بدءًا من تلك الليلة، حين داهمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال منزلها في بلدة بيت لقيا غرب مدينة رام الله الساعة الواحدة فجرًا، وروّعت عائلتها وسكان الحي.

تقول: "اكتشفت منذ اليوم الأول كأسيرة، أن الهدف الأول من وجودنا داخل الزنازين هو سرقة أعمارنا، فالحياة داخل السجن على عكسها في خارجه، لا استقرار فيها".

حاولت الشابات الثلاث التغلب على ذلك عبر صنع "نظام تكيّف" هدفه عدم هدر الوقت في التفكير بتفاصيل المشهد، بل الاستفادة منه بما يُهوّن الواقع المر، "فكان هناك أوقاتٌ للرياضة واللعب والقراءة والجلوس مع باقي الأسيرات، هي تجربة قاسية كما تصفها ربا، لكن الأسيرات صمّمنَ أن تزيدهن قوة، لا العكس" تزيد.

وتعمد إدارات السجون -وفق ربا- إلى عزل الأسيرات تمامًا عن العالم الخارجي، ويبقى الاطمئنان على الأهل فقط من خلال التحيات التي يرسلونها عبر إذاعة صوت الأسرى، خاصةً في ظل المنع من الزيارة تحت أي مبرر مثلما حدث خلال جائحة كورونا.

تكمل: "كنا نُهنّئ كل أسيرةٍ تسمع صوت أهلها، لكن خلال مرحلة القمع تم سحب التلفزيونات والراديو من الأسيرات، وهو بالنسبة لهن شيءٌ مهمٌ جدًا، وهذا ما دفع الأسيرات أكثر من مرة لاتخاذ خطوات نضالية".

وتتحدث ربا عن معاناة الأسيرات من الإهمال الطبي، فهي أصيبت بفيروس كورونا ولم تتلق الرعاية الطبية اللازمة، بل لم توفر إدارات السجون احتياجات الوقاية، كما تشتكي الأسيرات دومًا -والقول لربا- من عدم وجود طبيب تخصص نساء، رغم مطالبتهن المستمرة بذلك بسبب مشاكل صحية يعانين منها.

تضيف ربا: "يتحججون بأن لا موازنة لطبيب نساء، أعرف أسيرة عانت سبعة أشهر حتى تمكّنت من رؤية طبيب، وأخرى قاصر اعتُقلت مصابة وعانت من مشاكل في الهرمونات، وهي أيضًا انتظرت لأشهر". الأقسى من ذلك -تبعًا لربا- أن الانتقال لعيادة سجن الرملة هي رحلة عذاب مدتها نهار كامل، بلا رعاية ولا غذاء ولا مرحاض".

وذكرت ربا "نفق الحرية" كـ"حدث أبرز"، حيث حضرت السجانات حينها على غير العادة، ومعهن عناصر من المخابرات للعدّ الصباحي الساعة الخامسة صباحًا وليس السادسة كما هو معتاد، وبدأ بعدها دق الجدران والبلاط، وهذا كان مفترضًا الساعة التاسعة، وكانوا في حالة توتر. تقول: "فهمنا أن شيئًا ما حدث، وحينها فتحنا الإذاعة العبرية فعرفنا بالخبر. كانت فرحةً لا توصف وهو ما زاد غيظ السجانين".

أما رمضان فكانت الأسيرات يحاولن خلق طقوسه الجميلة بأقل الموجود. ملَك سلمان وميس أبو غوش كانتا بارعتين في إعداد الكنافة، وبعض الأسيرات كُن يتعلمن الدبكة ليدبكنَ في يوم العيد، حيث تستيقظ الأسيرات صباحًا بعد صلاة العيد، ويتوجهن إلى غرفةٍ واحدة يوضع فيها التمر والقهوة، ويعايدن بعضهن البعض في محاولةٍ لخلق "ألفة اللمة" في أول يومٍ من أيام عيد الفطر.

لكن الموقف الذي لا تنساه ربا، فكان حين جاء نشطاء من الفلسطينيين بالداخل بمكبرات الصوت، وهتفوا لتحية الأسيرات اللواتي ركضن إلى الشبابيك في محاولةٍ لمشاهدة المحتفِلين، والمفاجأة الأكبر كانت حين قررت الأسيرات الاحتفال بعيد ميلاد إحداهن (وهي روان أبو زيادة- المحكومة بـ 9 سنوات)، ففتحوا أغنيةً خاصةً بالعيد وعايدوها بها كهدية "قالت روان يومذاك، إن هذا أجمل عيد ميلاد يمر عليها في حياتها".

شذا الطويل

أما طالبة الحاسوب شذا الطويل، فاعتُقلت بتهمة الانتماء للحراك الطلابي في الثاني من نوفمبر لعام 2020م، وحُكِمت 14 شهرًا، ذلك بعد اعتقال بيت عائلتها بطريقةٍ عنيفة صدمت أهلها وجيرانها.

وتحكي شذا أن العام الماضي شهد أحداثًا مُتصاعِدة في المسجد الأقصى والضفة وغزة، "في ذلك الوقت كانت الأسيرات تريد معرفة ما يحدث، ولا يتوفر سوى التلفزيون الإسرائيلي، وراديو لا يستقبل إلا إشارة الإذاعة العبرية، في نفس الوقت، كانت بعض الأسيرات يمتلكن معرفةً في كيفية توجيه الراديو لالتقاط موجات إذاعات فلسطينية، بل إن إحداهن كانت تضع اثنين من الإريال فوق بعضهما لتكون الإشارة أفضل".

وقت الحرب على غزة تملَّكَ جميع الأسيرات حالة من الحزن الشديد خاصةً مع قلق الأسيرة نسرين أبو كميل على عائلتها التي كانت تنتظر أي خبر بخصوصهم، "وبعد خروج إيلياء، تحدثَت عبر الإذاعة عن أنها هاتفَتْهم فانطلقت كل الأسيرات إلى غرفة رقم 9، لتهنئة نسرين. لا أحد يشعر بالخوف أكثر من الذي يعيش معزولًا عن العالم".

وتروي شذا أن برنامج اتصالات أهالي الأسرى كان مهمًا، وهو وسيلة التواصل الوحيدة مع الأهل داخل تلك الزنازين الرطبة، منبهةً إلى أن مدته التي تساوي 90 دقيقة بالكاد تكفي، "وكثيرًا ما كان يتوقف بسبب تغطيات متعلقة بالأحداث الميدانية".

وعن ملف الإهمال الطبي قالت: "إنه سياسة ممنهجة لدى الاحتلال، والكثير من الأسيرات كان يمكن أن تكون أوجاعهن أخف لو كان التدخل الطبي في وقته، لكن الفحوصات تتأخر لشهور، مثلًا ياسمين جابر كانت مصابة بالصدفية وتوقف علاجها عند اعتقالها، وضعها الصحي تدهور بسبب عدم تلقيها العلاج، وأصبحت تتألم كثيرًا".

إيلياء أبو حجلة

أما المحررة إيلياء أبو حجلة الطالبة في كلية الحقوق، التي اعتقلت في الأول من يوليو/ تموز لعام 2020م، وتحررت في 11 من مايو/ آيار 2021م أول أيام العدوان على غزة، فما زالت تذكر كيف داهمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال العمارة التي تسكنها عائلتها الساعة الخامسة فجرًا، وهاجمت شقتهم وشقق الجيران، وروعت الجميع.

وتحكي إيلياء كيف كان اعتماد الأسيرات بشكل كامل على الراديو، فمصدر الأخبار المتوفر كان التلفزيون الإسرائيلي من خلال ترجمة من يعرفن اللغة العبرية من الأسيرات.

تعاني إيلياء من الغدة الدرقية، ولدى اعتقالها قدمت أمها علاجها لجنود الاحتلال، ونبّهت ألا يحدث أي تأخير، ولكن الاحتلال رفض ذلك، ومنحها حبة دواء واحدة الساعة السادسة صباحًا، تأخذها من يد الممرض مباشرةً دون أن تُمنح الشريط بالكامل.

لاحظت إيلياء بعد مدة تضخم غدتها، وبعض المشاكل التي رافقت ذلك، "لكن بعد تواصلٍ مع المحامي الذي طلب المراجعة الطبية، اكتشفوا أن الإدارة تعطيها دواءً يزيد وضعها سوءًا، لا الدواء الخاص بحالتها".

وتروي إيلياء كيف كان رمضان فرصة للأسيرات ليتقربن من بعضهن أكثر، فقد وزعن ما يشبه تقويمًا بخط اليد وعليه مقترحات للمطبخ، كما استثمرن أوراق السولفان لقصّها وصنع الفوانيس والنجوم وتلوينها، تعقّب بضحكة: "اللي ترسم بألوان مش حلوة تتبهدل ونخليها تعيد التلوين"، أما عن أذان المغرب فيسمعنه من قسم الأشبال، وأحيانًا من الراديو.

أجواءٌ جميلة أصرت إدارة السجون على تنغيصها من خلال فرض الإغلاق المبكر للغرف طوال الشهر المبارك، وهذا كان يجبر الأسيرات على الإفطار السريع كي يتمكنّ من إخراج بقايا الطعام، ومع ذلك ثمة طقوس جميلة يتذكرنها مثل براعة بعضهن في إعداد الحلويات، وتعليمها للأخريات، إضافة إلى مسرحية لدوريد لحام كتبتها شذا، تعقّب إيلياء بضحكة: "كلنا 30، الممثلات 10 والجمهور 20".

في يوم عيد الأم -تقول إيلياء- جاء نشطاء من الفلسطينيين بالداخل المحتل، وأصبحوا يغنون لنا ونحن داخل السجن. خرجنا إلى الجدران والشبابيك التي بالكاد نستطيع رؤية أي شيء بالخارج منها. كان الصوت يصل ضعيفًا ومع ذلك كدنا نطير من الفرحة، لقد شغلوا أغنية "أنتي الأمان". بكت الأمهات ونحن بكينا معهن.

كاريكاتـــــير