شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م20:09 بتوقيت القدس

دكتوراه بعد الستين...

في حكاية د.كريمة.. لا نقطة في آخر السطر

14 ابريل 2022 - 11:10

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ما كان حصولها القريب على شهادة الدكتوراه المهنية، إلا قطرةً في بحر إنجازاتها. الدكتورة الفلسطينية كريمة مهدي عنان البالغة من العمر (61 عامًا) لم تضع في آخر السطر نقطةً كما فعل بها التقاعد، بل بدأت منه حكاية نجاحٍ جديدة، طبطبت على قلبها بعد وفاة نجليها سليم وأمير.

أكثر من ثلاثين سنة في العمل بمجال التعليم، ما بين معلمةٍ، ومساعدة مديرة، ومديرة، كانت نتاج حياةٍ عامرة بالعلم، والتعلّم، وحب الاطلاع، هكذا بُنيت شخصيتها: أن لا تكون "عادية".

تقول لـ "نوى": أنهيت الثانوية العامة بتفوق، وحصلتُ على العديد من المنح التي تسمح لي بدراسة الطب خارج فلسطين، لكن والدي -رحمه الله تعالى- كان يخاف عليَّ كثيرًا فما كان أمامي إلا الدراسة في معهد المعلمات في غزة، نظرًا لعدم وجود البديل، وكذلك كنت الأولى في هذه المرحلة الدراسية".

بعد حصولها على الشهادة، تزوّجَت، وسافَرَت خارج البلاد لتعود إليها في عمر (36 سنة)، لتفاجأ بزوجها يشجّعها على الدراسة في الجامعة، خاصةً بعد افتتاح فرعٍ لجامعة القدس المفتوحة بغزة.

تضيف: "اخترتُ تخصص العلوم الذي تُوِّجتُ فيه بالحصول على مرتبة امتياز، وهذا ساعدني لأجد وظيفة معلمة علوم في مدرسة الزيتون الابتدائية".

هذه المرحلة كانت نقطة تحوّلٍ في حياة د.كريمة وعائلتها، حينما بدأت أعراض المرض تظهر على نجلها الأكبر سليم لتعلم بعد ذلك إصابته بمرض ضمور العضلات. تعقب هنا: "عملتُ مع زوجي على تنظيم وقتي وحياتي من جديد، ورغم أنها كانت فترةً مؤلمةً جدًا، إلا أنني حاولت قدر المستطاع تحدي تفاصيلها الصعبة".

إحدى تلك التفاصيل كانت تتعلق بابنها المريض، الذي كان كل من حولها يقنعها بإقعاده عن الدراسة بسبب مرضه، إلا أنها كانت على الدوام تأبى ذلك. "كنتُ أقول لهم: والله لو اضطررتُ لحمله على ظهري وإيصاله إلى المدرسة. ابني سيتعلم (..) وصدّقوني إن قلت لكم إن زوجي عمل على تهيئة العديد من طرقات المدارس لتساعد ابني سليم كي يتحرك بكرسيّه المتحرك". 

وبعد سنواتٍ قليلةٍ من معرفة إصابة نجلها الأكبر بضمور العضلات، حتى تبع ذلك ظهور الأعراض ذاتها على الأصغر أمير، لتكون نتيجة الكشف الطبي إصابته كذلك بضمور العضلات.

"وهنا، لم يكن لدي مجال إلا للصبر" تقول، وتتابع: "وجدتُ دافعي نحو التقدم والنجاح تزداد. لم أشعر أبدًا بأن هذه الابتلاءات قد تشكل عائقًا في وجه طموحاتي".

وتذكر، أنها كانت تتعامل مع نجليها بشكل طبيعي، وتشجعهما مع والدهما على مواصلة الدراسة والتفوق، وهذا الذي كان بالفعل، "فكانا دومًا يحصلان على درجاتٍ مميزة، سواءً في المرحلة المدرسية أو الجامعية". 

من أصعب الأوقات التي عاشتها، هي تلك التي كانت فيها قد انتهت من الحصول على تدريب "مساعد مدير"، وكان لا بد للحصول على المركز فعليًا الخضوع لامتحانٍ صعب. تخبرنا أن موعد هذا الاختبار كان بعد 10 أيامٍ من وفاة ابنها سليم، الذي كان آنذاك طالبًا في سنته الجامعية الثانية.

تعلق بالقول: "أن تفقد الأم فلذة كبدها صعبٌ جدًا، لكن الله ربط على قلبي بالصبر الجميل، ومنحني قوةً لا يمكن لأحد أن يتخيلها، ويسّر لي وجود زوجي قربي، إذ شجعني للتقدم للامتحان رغم الظروف، وهذا ما حدث حقًا".

حصلت كريمة على المركز الأول، لكن سرعان ما تطورت الحالة الصحية لنجلها الثاني أمير، الذي قُدّر له أن يصبح مرتبطًا بجهاز تنفس لا يفارقه، وكان في ذلك الوقت قد أنهى متطلبات تخرجه من تخصص الوسائط المتعددة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بمدينة غزة، لكن بسبب وضعه الصحي، كان من الصعب أن يحضر حفل التخرج فما كان من رئيس الجامعة إلا أن حضر للبيت وسلّمهُ شهادته في موقفٍ إنساني رائع. 

الوضع الصحي لأمير كان ينذر بقرب الرحيل، وبالفعل رحل. لقد أفجع قلبي والديه لولا "الصبر". ورغم كل ما مرت به، بقي زوجها البروفيسور حيدر عنان، يشجع كافة أفراد عائلته على مواصلة التعلُّم، وعدم الوقوف عند نقطة معينة.

وتذكُرُ أن تقاعُدها ما كان إلا نقطة الانطلاقة في الحصول على الدكتوراه المهنية من جامعة "ليدز"، بعد تقديمها أطروحة دكتوراه بعنوان: "دور الكفايات الرقمية لأعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الفلسطينية في تطبيق معايير جودة التعليم الإلكتروني، الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية أنموذجاً". وهذا النجاح لن يكون أخيراً -وفق قولها- إنما سيكون ضمن العديد من النجاحات التي تطمح إليها رغم تقدم العمر وهرولته. 

كاريكاتـــــير