شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م21:15 بتوقيت القدس

اعتقالات مخالفة للقوانين المحلية والاتفاقات الدولية

السلطة "تشبح" القانون على أعتاب زنازين "الانفرادي"

14 ديسمبر 2021 - 12:18

شبكة نوى- فلسطينيات:

في 22 شباط/ فبراير لعام 2021م، صرّح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، بعدم وجود أي معتقل على خلفية سياسية، أو حرية الرأي والتعبير لدى الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية.

لكن الحقيقة لم تكن كذلك. في ذات الشهر سجلت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان  تسع شكاوى تتعلق باعتقالات على خلفية سياسية، نفذتها الأجهزة الأمنية التي يرأسها رئيس الوزراء نفسه؛ بصفته وزيرًا للداخلية. 

يروي الشاب عيسى أحمد، الملقب "أبو عنتر" تفاصيل اعتقاله الأول عام 2018م على خلفية سياسية، لمدة 19 يومًا تعرض خلالها للتعذيب والشبح (الوقوف أو الجلوس مقيدًا لساعات)، في مقر المخابرات الفلسطينية بسجن الجنيد.

اعتقلت المخابرات العامة أبو عنتر عام 2018 على خلفية انتمائه السياسي، بعد استدعائه للمقابلة من دون إبراز مذكرة اعتقال، فيما لم يتم عرضه على النيابة بعد 24 ساعة وفق القانون.

بعد يومين من الاعتقال، نُقل أبو عنتر (26 عامًا) إلى زنزانة انفرادية لا يوجد فيها دورة مياه، وكانت باردة جدًا بلا فراش أو أغطية، "كنت أضع رأسي على قنينة المياه للنوم كوسادة، وكنت اضطر لقضاء حاجتي في قنينة  فارغة".

بعد ليلة واحدة في هذه الزنزانة أُعيد أبو عنتر إلى الغرفة الانفرادية، وبقي فيها أربعة أيام لم  يسمح له خلالها بالتواصل مع أحد.

خلال اعتقاله تمّت مصادرة هاتفه الشخصي ولم يسترده إلا بعد 6 أشهر، بينما تعرض للتعذيب النفسي والجسدي، حيث ضرب وشبح وهو مغطى الرأس بكيس أسود.

حال "أبو عنتر" كحال 61% ممن تعرضوا للتعذيب من بين 250 حالة اعتقال موثقة في هذا التحقيق، "كانوا يضعون كيسًا أسودًا على رأسي، ويكبلون يديَّ إلى الخلف ويرفعونني للأعلى، ولا يفكون يديَّ إلا بعد أن يتحوّل لونهما إلى أزرق.. هذا الشبح كان يتكرر، وفي كل مرة يكون أشد وجعًا"، حسبما روى.

ثمانية أيام أمضاها بين جلسات التحقيق القصيرة والتعذيب والعزل، من دون عرض على النيابة، التي بموجب قانون الإجراءات الجزائية في المادة 107 يجب أن تستقبله خلال24  ساعة من التوقيف.

بعد مماطلة، سُمح للرجل بالاتصال مع عائلته، وتوكيل محامٍ حضر معه الجلسة التالية، وقدم له طلبات إخلاء السبيل، التي تمت الموافقة على أحدها بعد 19 يومًا من الاحتجاز.

عُزل في زنزانة انفراديّة ولم يُسمح له بتغيير ملابسه أو دخول الحمام، ولم يسمح له خلال الأيام الثمانية الأولى من الاعتقال بالتواصل مع عائلته أو أهله. 

أكثر من 2600 حالة اعتقال وثقها التحقيق في الضفة الغربية خلال الفترة بين مطلع 2015م، وحتى منتصف 2021، استنادًا إلى أعداد الشكاوى التي وصلت الهيئة المستقلة من قبل المعتقلين أو ذويهم، ما يشير إلى أن الحالات قد تكون أكثر من ذلك.

250 حالة اعتقال في الفترة بين كانون الثاني/ يناير 2018 وحزيران/ يونيو 2021م"، حللها التحقيق بالاستناد إلى بيانات مؤسسة الحق، واستبانة، ومقابلات مع عدد من المعتقلين السابقين. لم تخلُ مقابلة حالة واحدة من حديثٍ عن انتهاكٍ أو أكثر، لأحد إجراءات الاعتقال والاحتجاز والمحاكمة العادلة، التي ضمنها قانون الإجراءات الجزائيّة الفلسطيني، والقانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003م.

 الاعتقال التعسفي هو "حرمان الأشخاص من حريتهم الشخصية بشكل مخالف لنص وروح القوانين الفلسطينيّة والدوليّة"

عقاب الخصومة السياسية

26% من حالات الاعتقال الـ250 المذكورة، اعتقلت على خلفية سياسية عام 2018م (نفس العام الذي شهدت فيه الضفة الغربيّة مسيرات احتجاجيّة ضد فرض السلطة الفلسطينيّة عقوبات على قطاع غزة).

أبو عنتر كان من بين الذين اعتقلوا في هذا العام على خلفية سياسية، لكنه فوجئ في  المحكمة بالتهمة الموجهة إليه: "مددوا اعتقالي على خلفية تهمة لم يذكروها، ولم يسألوني عنها خلال التحقيق، وهي حيازة سلاح غير مرخص!".

وفي العام التالي، سُجّلت أكثر حالات الاعتقال بواقع 85 حالة، إذ زادت الاعتقالات على خلفيّة سياسيّة تزامنًا مع الإعداد لانتخابات مجالس الطلبة في جامعات الضفة الغربيّة، والحراك ضد قانون الضمان الاجتماعي كما تقول الحقوقية سحر فرنسيس.

سحر فرانسيس: توقيع الاتفاقيّات الدوليّة بحاجة للمواءمة مع القوانين المحليّة؛ فالقانون الجنائي الفلسطيني مثلًا لا يتضمن تعريفًا للتعذيب، ولا معايير واضحة لمحاسبة من يمارسه

وعلى خلفية منشور له على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيه السلطة الفلسطينية، اعتقل أبو عنتر مرة أخرى في العام 2020، وهو العام الذي وُثّقت فيه 62 حالة اعتقال، تزامنًا مع إعلان حالة الطوارئ في آذار/ مارس بسبب جائحة كورونا، وحراك ذوي الإعاقة.

شبكة نوى، فلسطينيات: اعتقلت المخابرات العامة أبو عنتر عام 2020 على خلفية حرية النشر والتعبير، من داخل مركبة عموميّة في الشارع، وبدون إبراز مذكرة اعتقال.

مسلسل الاعتقالات تواصل في 2021 مع استمرار حراكات مطلبيّة ضد الفساد والتحضير لإجراء الانتخابات، ثمّ الاحتجاج على إلغائها، حيث وثقنا 27 اعتقالًا حتى نهاية حزيران/ يونيو..

سحر فرانسيس: كان لصدور قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية انعكاسه على ارتفاع عدد المعتقلين على خلفيّة حرية التعبير والنشر

وكان لصدور قرار بقانون رقم (10) لسنة 2018، بشأن الجرائم الإلكترونية، واستخدامه في ملاحقة منتقدي السلطة –وفقًا لسحر فرنسيس، مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان- انعكاسه على ارتفاع عدد المعتقلين على خلفيّة حرية التعبير والنشر، إذ وصل إلى 41 حالة من أصل 250.

تجربة أبو عنتر في الاعتقال الثاني كانت مختلفة. حيث تعرّض -كما يروي- للاختطاف من دون مذكرة توقيف، على خلفية قضية مرتبطة بحرية النشر والتعبير، فتهمته كانت ذمّ السلطة.

تعرض أبو عنتر للتعذيب النفسي والمعاملة القاسية، والتهديد بتشويه سمعته، ولم يسمح له بالتواصل مع عائلته أو تعيين محامٍ إلا بعد إضرابه عن الطعام.

اعترضت مجموعة مسلحين بلباس مدني مركبة عمومية كان يستقلها، واعتقلته من دون إبراز أيّة بطاقات تعريفيّة، فيما اكتفوا بالقول له: "مخابرات".

نُقل إلى مقر المخابرات ثم إلى سجن الجنيد في نابلس، حيث خضع للتحقيق مدة 13 يومًا. ولم يُسمح له بالتواصل مع عائلته أو المحامي، وهو ما جعله يُضرب عن الطعام حتى سُمح له بإجراء المكالمة الأولى.

فيما بعد، واجه أبو عنتر مماطلات بالسماح له بالتواصل مع المحامي، وهو ما جعله يعلن إضرابه عن الطعام مرة أخرى. يضيف: "بعد يومين من الإضراب حولوني إلى العزل الانفرادي، ورفضت فك إضرابي حتى سمح لي بالتواصل الهاتفي".

استمر اعتقاله الثاني 13 يومًا بتهمة الذم الواقع على السلطة، قبل الإفراج عنه بقرار قضائي تأخر تنفيذه لساعات، بعد أن حاول جهاز الأمن الوقائي اعتقاله بعد الإفراج عنه من قبل جهاز المخابرات.

بعد 13 يومًا، حصل أبو عنتر على قرارٍ بالإفراج عنه، لكنه فوجئ بطلبٍ من جهاز الأمن الوقائي بتحويله إلى مقره للتحقيق، ولم يُفرَج عنه آنذاك، إلا بعد أن تدخل أحد معارف العائلة من خارج السجن.

قرارات إفراج "بلا وزن"

في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2019م، اعتقل (ب.ع) من رام الله لدى جهاز المخابرات، على خلفيةٍ سياسيةٍ أيضًا، وبعد أيام من الاعتقال والتعذيب حصل على قرارٍ من المحكمة بالإفراج عنه بعد دفع كفالةٍ مالية.

(ب.ع): اعتقلت على خلفية سياسية وبعد أيام من التعذيب قررت المحكمة الإفراج بكفالة.. دفع والدي 4 كفالات على مدار 111 يومًا حتى أُفرج عني فعلًا!

دفع والده الكفالة ليفاجأ برفض الجهاز الإفراج عنه. تكرّر الأمر مرةً ثانيةً وثالثة، وفي كل مرة يضطر الوالد لدفع كفالة الإفراج من جديد، حتى إذا ما مرت 111 يومًا، قرر القاضي الإفراج عنه، مقابل كفالةٍ ماليةٍ أيضًا، لكن هذه المرّة أُفرج عنه بالفعل.

الفترة التي عاشها (ب.ع) كانت الأطول من ناحية تأخير تنفيذ قرار الإفراج، التي وثقها التحقيق لـ57 حالة من مجموع  الحالات الـ250 سابقة الذكر. إذ تراوح تأخير تنفيذ القرار من قبل الأجهزة الأمنيّة بين ساعات، كما حصل مع 16 حالة، ويومٍ كامل، كما حصل مع 12 معتقلًا قابلتهم المُعدّة.

ثاني أطول مدة تأخير إفراج كانت لـ57 يومًا، عاشها المعتقل(م.م) من محافظة جنين، الذي اعتقله جهاز الاستخبارات العسكرية عام 2019م، ورفض الإفراج عنه ثلاث مرات بالرغم من قرارات المحكمة.

ومن بين 186 حالة صُودرت أغراضها الخاصة عند الاعتقال، لم يسترد 83 معتقلًا متعلقاتهم الشخصية بعد الإفراج عنهم مباشرة، بل إن بعضهم استمرت مطالباته بهذه الأغراض لأشهر، فيما لم يتمكن البعض الآخر من استلامها نهائيًا.

المادة 106 من القانون الأساسي الفلسطيني تنص على أن:

الأحكام القضائية واجبة التنفيذ، والامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو، جريمة يعاقب عليها بالحبس والعزل من الوظيفة إذا كان المتهم موظفًا عامًا، أو مُكلَّفًا بخدمةٍ عامة، وللمحكوم له الحق في رفع الدعوى مباشرة إلى المحكمة المختصة، وتضمن السلطة الوطنية تعويضًا كاملًا له.

أشكال التعذيب

"بعد 48 ساعة من التعذيب المتواصل، فقدت القدرة على تمييز الأصوات والرؤية، ورائحة الدم النازف من جسدي كانت لا تطاق" يقول صالح محمد زهران، من بلدة دير مشعل، قرب رام الله، الذي ورغم مرور أشهر من التجربة التي خاضها في سجون السلطة الفلسطينية، لم يكن قادرًا على احتمال آلام جسده، الذي تعرض لأبشع أنواع التعذيب على أيدي عناصر من جهاز الشرطة الفلسطينية بداية عام 2021م.

زهران: بعد 48 ساعة من التعذيب المتواصل فقدت القدرة على تمييز الأصوات والرؤية.. رائحة الدم النازف من جسدي كانت لا تطاق

اعتُقل زهران من مستشفى عام في رام الله، وكانت التهمة المُعلنة هي "التحريض على الأجهزة الأمنية، والتواجد في مكانٍ محظور"، لكن التحقيق معه لم يتطرق لهذه التهم أصلًا. يضيف: "خلال التحقيق، اكتشفت أن ملفي السياسي وقرار اعتقالي كان جاهزًا من قبل، ولكن كان ينقصهم حجة الاعتقال".

على مدار 48 ساعة، بقي زهران مقيد اليدين والرجلين، ممنوعًا من الجلوس بشكلٍ مستقيم، وخلال ذلك كان المحقق يضربه على رأسه، الذي ما إن رفعه حتى عاد ليضربه عليه من جديد، ثم يأتي آخر ويضربه على بطنه، وإذا تحرك للخلف يُضرب على ظهره.

زهران: على مدار 48 ساعة بقيت مقيدًا ممنوعًا من الجلوس بشكلٍ مستقيم.. ضربني المحقق على رأسي وبطني ووجهي وظهري وتعرضت للشتائم ومنعوني من طمأنة عائلتي بأني حي.

إلى جانب ذلك، تعرّض لسيلٍ من الشتائم كلما حاول الحديث، والضرب على وجهه بعد كل كلمة يقولها، والتهديد بنقله إلى أريحا وتعذيبه أكثر. "لم يُسمح لي بالتواصل مع محامٍ، أو حتى مع عائلتي  لطمأنتها أنني على قيد الحياة" يعقب.

زهران هو الآخر، واحدٌ من 61% من الحالات الموثقة في هذا التحقيق وعددها 250، تعرضوا للتعذيب في سجون الأجهزة الأمنية، في مخالفة للقوانين الفلسطينية، والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها فلسطين.

لم تعلّق الأجهزة الأمنية على ما توصلت إليه معدّة التحقيق من نتائج. إذ اعتذر الناطق باسم المؤسسة الأمنيّة الفلسطينيّة اللواء طلال دويكات عن الرد من دون إبداء الأسباب.

طلبُنا بالرد قوبل بالرفض أيضًا من قبل الناطق باسم وزارة الداخليّة د.غسان نمر، بحجة أن "هناك توجّهًا معيّنًا مُتبعًا خلال العمل على التحقيق".

مخالفات للقوانين الفلسطينية والاتفاقيات الدولية

التعذيب ينتهك القوانين الفلسطينية، وأهمها القانون الأساسي المعدل "الدستور"، الذي ينص في المادة ( 13) على أنه لا يجوز إخضاع أحد لأي إكراه أو تعذيب، ويعامل المتهمون وسائر المحرومين من حرياتهم معاملة لائقة.

كذلك المادة (32) التي نصت على أن "كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان، وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضًا عادلًا لمن وقع عليه الضرر".          

التعذيب ينتهك الاتفاقيات الدولية، إذ وقّعت فلسطين البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب في كانون الأول/ ديسمبر 2017م ، التي تلزم في المادتين 2 و16 منها كل دولةٍ طرف، باتخاذ تدابير فعالة لمنع أعمال التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة، في أي إقليم يخضع لولايتها.     

كما وقّعت على  العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في نيسان/ أبريل 2014م، الذي يُجرّم في المادة رقم (7) إخضاع أحد للتعذيب، ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو الحاطة بالكرامة.

وينص هذا العهد أيضا في المادة رقم ( 10) على أن معاملة جميع المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية، تحترم الكرامة الأصيلة في الشخص الإنساني.

إلى جانب التزام دولة فلسطين بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، وإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بعد حصولها على صفة دولة مراقب بالأمم المتحدة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 .

شهادة (1)

تعرضت للضرب على وجهي، وتخلل جلسات التحقيق إجباري على الوقوف مباعدًا الساقين لأقصى مسافة، رافعًا يديَّ إلى الأعلى، ومعصوب العينين. كما ضربني أحد المحققين بكيس بلاستيكي بداخله قنبلة غاز معدنيّة فارغة أصابتني أسفل البطن، وكنت لحظتها واقفًا فسقطت أرضًا جراء الألم الشديد"

معتقل من مدينة الخليل تعرض للتعذيب على يد جهاز المخابرات العامة عند اعتقاله عام 2020م.

شهادة (2)

هاجمني أربعة عساكر بالضرب بـ"البساطير" والأيدي على اكتافي وبطني، وعلى أرجلي، وكانوا يشتمونني ويشتمون  الذات الإلهية. الضرب استمر لمدة 20 دقيقة تقريبًا، وكان الضرب بقبضات الأيدي على بطني، وكتفي الأيسر، وعلى ركبتَي، ثم أكملوا ضربي بأرجلهم على مناطق متفرقة من الجسم وبشكلٍ قوي وعنيف.

معتقل من مدينة نابلس، تعرض للتعذيب على يد جهاز الأمن الوقائي عند اعتقاله  عام 2021

شهادة (3)

تعرضت لضرب "الفلكة" بأنبوب بلاستيكي "بربيش" على باطن القدم، وهذا الضرب تكرر أربع مرات متقطعة.

بعد الضرب، كان المحقق يطلب مني ويجبرني على السير داخل ممرٍ أمام مكتب التحقيق، والركض حافي القدمين لمدة 10 دقائق.

 تم تقييد يديّ بالحبل من الخلف، ورمي الحبل من فوق الباب الحديدي، ثم سحبه بقوة حتى أصبح جسمي منحنيًا إلى الأمام على شكل قوس، وربط الحبل بالباب الحديدي من الخلف، وتكميم رأسي بالكيس.

جلسة الشبح هذه كانت تستمر عشر دقائق، كل ذلك إلى جانب العزل والصراخ والتهديد.

معتقل من مدينة نابلس، تعرض للتعذيب خلال اعتقاله على ذمة المحافظ عام 2019

شهادة (4)

في بداية احتجازي لدى الأمن الوقائي، تعرضت للضرب في جميع أنحاء جسمي بالإضافة إلى الشتم والإهانة، وبعدها تمّ نقلي إلى سجن أريحا، وهناك تمّ شبحي مدة لا تقل عن 6 ساعات يوميًا، بالإضافة للضرب الشديد على جسدي، ووجهي، وإهانتي، وشتمي، وشتم عائلتي، وكل هذا تكرر معي لمدة 10 أيام أثناء اعتقالي، بعيدًا عن الظروف اللاإنسانية التي كنت أعيشها، وإجباري على شتم رموز المقاومة.

معتقل من مدينة رام الله، تعرض للتعذيب على يد جهاز الأمن الوقائي عند اعتقاله عام 2021

وبالعودة إلى الحقوقيّة سحر فرنسيس، فتؤكد أن التعذيب تراجع خلال السنوات التي أعقبت توقيع الاتفاقيات لكنه لم يتوقف، وارتبط عادةً بتطورات الأحداث السياسيّة الداخليّة.

فرنسيس أضافت: "إن توقيع الاتفاقيّات الدوليّة بحاجة للمواءمة مع القوانين المحليّة؛ فالقانون الجنائي الفلسطيني مثلًا، لا يتضمن تعريفًا للتعذيب، ولا معايير واضحة لمحاسبة من يمارسه".

هل المشكلة في القوانين الفلسطينيّة؟

ويرفض المحامي غاندي أمين، رئيس مجموعة الحق بالقانون للمحاماة والاستشارات، هذا الاستنتاج. فالخلل الأساسي، برأيه، يكمن في تجرؤ السلطة التنفيذية على القانون، دون أن يكون هناك رادع لها من السلطة التشريعية والقضائية.

حاولنا عرض التوصيات بمواءمة القوانين، والاستنتاج بوجود خلل في سلامة تطبيقها، على وزير العدل محمد الشلالدة أو من ينوب عنه، إلا أننا تلقينا ردًا بالرفض بعد حوالى شهر من المراسلات.

غاندي أمين: الخلل الأساسي يكمن في تجرؤ السلطة التنفيذية على القانون دون أن يكون هناك رادع لها من السلطة التشريعية والقضائية

تواصلنا مع مدير وحدة حقوق الإنسان بوزارة الداخليّة، هيثم عرار، للاستفسار عن أسباب استمرار التعذيب بما يخالف الاتفاقيّات الدوليّة، وجاء الرد بالرفض، لأن التحقيق "تشرف عليه (أريج) غير المسجّلة في فلسطين"، بحسب قوله.

وحول دور المؤسسات الحقوقيّة في الحد من الانتهاكات، تشير فرنسيس إلى مهمة مؤسسة الضمير في توثيق ومتابعة ملفات المعتقلين محليًا أولًا، ودوليًا، برفع شكاوى للمقررين الخاصين، ولجان تطبيق الاتفاقيات ومجلس حقوق الإنسان.

ولكن أبو عنتر لم يتوجه بنفسه إلى أي من هذه المؤسسات، لعدم ثقته بقدرتها على إحداث أي تغيير على حد تعبيره، وهو ما يوافقه عليه المحامي أمين، فهذه المؤسسات تراجع دورها خلال السنوات الأخيرة، كما يقول.

ولا يقتصر أثر التعذيب على المعتقلين أنفسهم، بل يمتد إلى عائلاتهم، التي تعيش تفاصيل التجارب القاسية لسنوات لاحقة، من شعور بالملاحقة وعدم الأمان، كما يقول أبو عنتر الذي بدا غير قادر على إخفاء آثار اعتقالاته رغم مرور عام على اعتقاله الأخير. "ما يعانيه المعتقل ما بعد الاعتقال أكبر، وكأن نارًا تشتعل داخلي، في بعض الأيام لا أستطيع النوم"، يقول.

كاريكاتـــــير