شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م09:48 بتوقيت القدس

انهيارات في الآبار الامتصاصية..

الأرض تبتلع سكّانها شرقي خان يونس!

29 سبتمبر 2021 - 15:41

خانيونس:

مترٌ واحدٌ فقط، حال دون سقوط الشابة آلاء وطفلها وزوجها في حفرةٍ امتصاصيةٍ انهارت بينما كانوا يمرّون بجوارها؛ فنجوا من مصيرٍ مرعب.

في التفاصيل: كانت الشابة آلاء قديح (23 عامًا) من بلدة عبسان الكبيرة، شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، تمشي برفقة زوجها وطفلها الذي انتهيا من تطبيبه داخل إحدى مستشفيات البلدة باتجاه صيدليةٍ قريبة.

حينها، لم يكن يشغل بال السيدة العشرينية سوى التفكير بابنها، ووجعه، ولولا حديث زوجها معها والتفاتتها المستعجلة نحوه، "ربما لحدثت مصيبة" تقول لـ "نوى"، وتكمل: "انهارت الحفرة فجأة، كان مشهدًا مرعبًا عندما وجدنا أنفسنا على مقربةٍ متر واحدٍ من الموت".

تحرّكت البلدية لردم الحفرة التي كان انهيارها واحدًا من سلسلة انهيارات شهدتها الحفر الامتصاصية في البلدة مؤخرًا –حسب مواطنين اشتكوا لـ"نوى".

فقد سجّلت بلدية عبسان الكبيرة انهيار (58) حفرة بذات الطريقة مؤخّرًا؛ ما جعل المواطنين يعيشون حالة قلق وخوف على أنفسهم وعلى أبنائهم، "يضاف إلى التوتر القائم أصلًا بسبب المكرهة الصحية التي تتسبب بها هذه الحفر بطبيعة الحال".

وتفتقد قرى شرق خانيونس الست: (عبسان الكبيرة- عبسان الجديدة- القرارة- الفخاري- خزاعة-بني سهيلا"، لشبكة صرفٍ صحي، ولهذا يعتمد المواطنون على الآبار الامتصاصية، وكسحها كلما امتلًات، ما يتسبب في مكاره صحية إضافة إلى الانهيارات الأخيرة.

عودة إلى آلاء التي أضافت: "موضوع الآبار منتشر هنا، ونحن دومًا نطالب البلدية بتعديل الوضع القائم، ومدّ شبكات الصرف الصحي"، مشيرةً إلى أن الحفر الامتصاصية في المنطقة، تتسبب غالبًا في انبعاث روائح كريهة، "وكثيرًا ما تمتلئ وتتسبب في اتساخ أطفالنا وملابسهم لدى مرورهم في الشوارع التي تطفح فيها، ناهيكم عن كم الأذى بسبب الرائحة الكريهة".

وتعقب: "الأسوأ هو حالة الخوف العامة الآن، فبعد أن كنا نطالب بحل لهذه الحفر كمكرحة صحية تؤثر على الصحة، صرنا نطالب بحل لنحافظ على أرواح أبنائنا حرفيًا".

الانهيارات الجديدة ذكّرت أهل البلدة بما حدث مع المواطن أنيس أبو صلاح قبل أربع سنوات، حين سقطت طفلته بشرى في حفرةٍ امتصاصيةٍ قرب بيتهم، ونجت من الموت بأُعجوبة.

يقول لـ "نوى": "كانت بشرى (10 سنوات) في طريقها مع شقيقتها إلى بيت عمّها، وفجأةً سمعتُ صوت أحدهم يصرخ: (بشرى وقعت في البير)، خرجتُ مباشرة قبل أن أفهم ما يحدث، ووجدت طفلتي داخل الحفرة البالغ عمقها 7 أمتار معلّقة على بعد مترين تحت الأسفلت تمسك بحديدة، ربما لولاها لماتت".

لحُسن حظ الطفلة أن البئر سُحبت مياهه قبل انهياره بأيام، وإلا لماتت الطفلة غرقًا بمياه الصرف الصحي.

صرخت بشرى خوفًا وهي تتشبّت بحديدة، بينما حاول والدها القفز لإنقاذها لكن جزءًا من الأسفلت انهار فوقها، فتراجع. يزيد: "لحسن حظها مر بائع موز كان يحمل حبلًا مدّه إليها "ولحلاوة الروح" قبضت عليه بقوة، فسحبها ثم نُقلت إلى المستشفى".

ويعقّب والدها (الأب لستة أبناء): "بشرى ما زالت تعاني الخوف الشديد بسبب هذا الحادث، يوميًا أودّعُ أطفالي وأنا أوصيهم بالانتباه في طريقهم إلى المدرسة، وأحاول منعهم من الخروج للشارع خوفًا عليهم (..) الأزمة أصبحت تهدد حياة أطفالنا أيضًا".

مديرة الرقابة الداخلية في بلدية عبسان الكبيرة إيمان أبو الحسن قالت لـ"نوى": "إن كل المنطقة الشرقية لمحافظة خان يونس تفتقد لشبكة صرف صحي، خلافًا لباقي المحافظة، ما يعني أن 130 ألف نسمة يعيشون تحت خطر الحفر الامتصاصية، على مساحة 750 ألف دونم في القرى الستة".

في بلدة عبسان الكبيرة وحدها، البالغ عدد سكانها 30 ألف نسمة يعيشون على مساحة 10 آلاف دونمًا، هناك نحو 5000 حفرة امتصاصية، توشك على الانهيار في أي لحظة، "ما جعل البلدية في حالة استنفارٍ دائم، وهذا خطر على المواطنين، واستنزافٌ لمقدّرات البلدية المحدودة أصلًا" تضيف.

قبل أزمة الانهيارات، كانت البلدية تعاني (والحديث لأبو الحسن) من توفير تمويلٍ لرصف الشوارع التي سرعان ما يخّربها مواطنون، من أجل إنشاء حفر جديدة، ناهيك عن المكرهة الصحية والخلافات بين الجيران، الناتجة عن امتلاء حفر، وعدم قدرة أصحابها على دفع تكاليف سحبها البالغة 70 شيكلًا في كل مرة، "ورغم تخفيض البلدية المبلغ إلى 20 شيكلًا، إلا أن هناك عائلات لا تستطيع الدفع" وفقًا لها.

وتتابع: "بحثنا عن أسباب الانهيارات ولم نجد، فليس للعمر الزمني أو العمق أو القُطر أي دور، هناك حفرٌ حديثة انهارت، وأخرى في مناطق غير مكتظة".

عقب تفاقم الأزمة، اجتمع ممثلون وممثلات عن القرى الست لتدارس الخروج بجهدٍ موحّدٍ يفضي إلى إيصال صوتهم، فكان قرارهم أن الضغط الشعبي على صنّاع القرار هو الحل، وتم إطلاق وسم (هاشتاج) #الشرقية-تنهار كبداية للفعاليات.

أبو الحسن حمّلت مصلحة مياه بلديات الساحل، المسؤولية عن تأخّر مدّ شبكات صرف صحي للمنطقة الشرقية، "فهي مدرجة كأولوية على الخطة الوطنية منذ 15 عامًا، وفي عام 2019م تم توفير تمويل قدره 15 مليون دولار، سرعان من تم سحبه وتحويله لصالح جائحة كورونا مع بداية عام 2000، لتبقى المنطقة الشرقية كلها تعاني دون أن يوفروا تمويلًا بديلًا" تردف.

على الطرف الآخر، مصلحة مياه بلديات الساحل لم تعطِ "نوى" تصريحًا مباشرًا وجاهيًا أو حتى عبر اتصال، واكتفت بردٍّ مكتوب أُرسل باسم المصلحة عبر "واتساب"، لم يعقّبوا فيه على موضوع الحفر الامتصاصية باعتبارها شأنًا يخصّ البلديات فقط.

وقالت المصلحة في ردّها: "لا شك أن الحفر تشكّل ضررًا بيئيًا وصحيًا على المواطنين؛ لكن بعد إنشاء محطة معالجة الصرف الصحي شرق الفخاري، أصبح ممكنًا البدء بإيجاد حل لهذه المشكلة عبر البحث عن تمويل لإنشاء شبكات الصرف الصحي للقرى الشرقية، وهذا ما تحرص عليه مصلحة المياه وسلطة المياه بالتعاون مع بلديات شرق خان يونس".

وأكدت إنه سيتم قريبًا تعيين استشاري لدراسة المخطط الهيكلي لنظام الصرف الصحي للمنطقة الشرقية، وتقديمه للمؤسسات المانحة للتمويل، مع العلم بأن سلطة المياه بالتعاون مع مصلحة المياه أمّنت جزءًا من التمويل المطلوب لإنشاء جزء من المخطط كبداية نحو تأمين باقي التمويل اللازم لإنشاء نظام الصرف الصحي لجميع المدن.

مصلحة المياه تركت الكثير من الأسئلة دون إجابة، منها: المراحل الزمنية لإتمام المشروع، والمعوقات المتوقّعة، وحتى مبلغ الـ 15 مليون دولار الذي تتحدث عن البلديات.

المهندس زهدي الغريز، مستشار وزارة الحكم المحلي، نفى توفر هذا الرقم، وأوضح أن ما حدث هو دراسة قدّرت مبلغ مدّ شبكات الصرف الصحي بـ 15 مليون دولار ولكنه لم يتوفّر مطلقًا.

ومشكلة الحفر الامتصاصية- كما يوضح- ظاهرة قديمة تلاشت في المناطق التي خدمتها شبكات صرف صحي، وظلّت في المناطق الأخرى خاصة قرى خان يونس الشرقية، التي تعاني أكثر من مشكلة كي تخدمها شبكة صرف صحي، دون وجود محطة معالجة، أولها أنها منخفضة، وثانيها حاجتها لتركيب مضخاتٍ قوية، تمتد حتى غرب المحافظة "وهي تكلفة هائلة" يقول.

وحمّل الغريز المواطنون والبلديات مسؤولية انهيار الحفر الامتصاصية، "فإقامتها في الشارع ممنوع أصلًا وهناك بلديات تمنع ذلك مطلقًا، ولا يجوز إنشاؤها إلا داخل حدود المنازل".

وحسب الخطة الاستراتيجية التي وضعتها مصلحة المياه -المهندس مازن غنيم ومستشاريه- فإنه لا بد من تأجيل إنشاء الصرف الصحي للمنطقة الشرقية حتى إنشاء محطة معالجة، بعدها تبدأ باقي الخطوات تبعًا للغريز.

لكن المحطة التي اكتمل إنشاؤها بتصميمٍ يعود لعام 1997 بتمويل ياباني، لتخدم خان يونس، وتعالج 30 ألف كوب يوميًا؛ تحتاج إلى توسعة كي تستوعب مياه الصرف الصحي من المنطقة الشرقية، وهو مشروع سيبدأ نهاية العام القادم 2022م، بعدها ستحتاج إلى تركيب مضخات، وخطوط ناقلة، ثم شبكات صرف صحي.

ورفض الغريز تقدير سقف زمني لإتمام المشروع، "فالأمر مرتبط بالعديد من المعوقات المتعلقة بالاحتلال"، شارحًا ذلك بقوله: "مثلًا محطة البريج، بدأ إنشاؤها عام 2015 وانتهى خلال العام الحالي، مع أنها لا تحتاج لأكثر من عامين، كذلك مع نهاية العدوان الإسرائيلي الأخير كان هناك ضرورة لمعالجة البنية التحتية في المناطق التي ضربها الحزام الناري خشية غرقها شتاءً".

ونفى الغريز إمكانية بدء كل الخطوات بالتوازي، "فالعمل يسير خطوة بخطوة، وهناك تواصل مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أجل التمويل"، مؤكدًا أن دور وزارة الحكم المحلي يكمن في الإسراع في موضوع الحل الاستراتيجي، "خاصةً وأن نهاية العام القادم ستشهد أولى الخطوات بتوسيع محطة المعالجة".

كاريكاتـــــير