شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م18:48 بتوقيت القدس

إخطارات بالإخلاء ومخططات تهويد ممتدة..

في وصف "الشيخ جرّاح": كل بيت "وطن"

16 مارس 2021 - 10:01

شبكة نوى | قطاع غزّة:

"إذا راح حي الشيخ جرّاح، كل القدس بتروح" قناعةٌ انغرست في صدر الصحفية منى الكرد، يوم قرّرَت التصدي -بصوتها- لإخطارات الإخلاء "الإسرائيلية" المتواصلة.

منى واحدةٌ من ضمن أكثر من 500 إنسانٍ، لا ينظرون إلى بيوتهم في الحي الواقع شمال البلدة القديمة بمدينة القدس، على أنها "سترٌ وغطاء" فقط: "هي جذورنا فوق هذه الأرض" تقول.

12 عائلة فلسطينية من عائلات الحي، بينها عائلة منى، تواجه اليوم، قرار الاحتلال بالتهجير القسري من الحي العتيق، "وهذا ليس بجديدٍ" تضيف، مستدركة: "لكن هذه المرة، الوقت عنصرٌ حاسم. كل دقيقةٍ تمر هي بمثابة طعنةٍ لقلوبنا، عقول القاطنين هنا لا تفتأ تسأل أصحابها: ماذا سيحدث في تلك اللحظة؟".

12 عائلة فلسطينية من عائلات الحي تواجه قرار الاحتلال بالتهجير القسري

الاحتلال الإسرائيلي الرابض فوق قلب المدينة المقدسة، أمهل أهل الحي حتى الثاني من آيار/ مايو المقبل لإخلاء منازلهم، "وبعضهم كان حظّه أكبر، حين أُمهل حتى بداية آب/ أغسطس" تردف.

يُرعب الفلسطينيين هنا، بل يقتلهم مجرد التفكير بأن الجنود قادمين لترحيلهم بالقوة: إخطاراتٌ تنهمر كالمطر، وصمودٌ يتدفّق من بين كلماتٍ قد لا تسمع مثلها إلا هنا "نحن أهل حق، لن نتنازل، ولن ندير ظهورنا للأمر الواقع مهما حدث هذه المرة".

تتحدث الشابة عن مأساة تهجير عائلتها "وفق ما حكَت لها جدّتها" من مدينة حيفا. حدث ذلك عام 1948م، ثم تنتقل لذكرى مشابهة، عاشتها بنفسها عام 2009م، عندما أجبرهم الاحتلال على هجر نصف منزلهم هنا، لتصل إلى الثالث اليوم؛ ذاك الذي طال الحي كله.. "حي الشيخ جرّاح، الذي إن انتزُع منه أهله، صارت القدسُ لقمةً سائغةً بين فكّي إسرائيل" تتابع.

"نحن بحاجتكم"، تخاطب منى كل ذي لُبٍ وقلب، وتنادي: "قولوا لا في وجه التطهير العرقي الذي تمارسه ضدنا عقلية القمع الإسرائيلية، تضامنوا بتواجدكم في حينا، أوصلوا رسالتنا واصرخوا بعالي الصوت معنا "إنا ها هنا باقون".

يعود أصل القصة إلى عام 1956م، هناك في القدسِ أقيم حي الشيخ جرّاح بموجب اتفاقيةٍ بين وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "أنروا"، والحكومة الأردنية، ليستوعب 28 عائلة مهجّرة في حينها.

ونص الاتفاق على أن تدفع العائلات أجرة المنازل لمدة 3 سنوات، ثم تنتقل إلى ملكيّتها الدائمة، وهذا ما حدث بالفعل عام 1959 بالفعل. القصّة تعقّدت مع احتلال القسم الشرقي من مدينة القدس بعد حرب عام 1967، وهو ما أدى إلى منع استكمال عملية تسجيل الأوراق، لتبدأ بعدها سنواتٌ من القهر عاشتها –وتعيشها- عائلات الحي، بسبب مخططات الاحتلال الداعية لتهجيرهم.

يشير "نبيل الكرد" –وهو من سكّان الحي- إلى ثلاثة أشجار، وينادي في المارّة الهائمين على وجوههم نحو ما يحمله تاريخ "المهلة الأخيرة": هذه الأشجار عمرها في القدس أكبر من عمر ما يُسمى بـ(دولة إسرائيل)، استحوذوا على تاريخ القدس وهويتها، واليوم يريدون هذا". يحرّك سبابته نحو بيتٍ قديمٍ بالقُرب، ثم يتساءل: "وما هذا؟!"ن ليجيب بعدها بنبرةٍ اهتزّت وجعًا: "هذا منزلي، الذي عشتُ فيه مع أمي، يريدون انتزاعه مني، وانتزاعنا من الأرض، والتاريخ والهوية".

الاحتلال الإسرائيلي الرابض فوق قلب المدينة المقدسة، أمهل أهل الحي حتى الثاني من آيار/ مايو المقبل لإخلاء منازلهم

مأساة الرجل لم تبدأ هنا، فقد سيطر الاحتلال على منزله الأوّل في الحي، ذاك الذي احتضن طفولته وشبابه وعمره الطويل، "وها هم يسلطون أنظارهم على وطني الآخر" بالإشارة إلى منزله الثاني.

الثاني ليس مجرّد منزلٍ داخل المنطقة المهددة، بل قصة عمرٍ طويلٍ يمثل وطنًا لأهله، يقول:
"البيت الثاني وطني، درست وتعلمت وخذت شسهادتوأوتزوجت وأخذت شهادتي وتزوجت وأنجبت أولادي فيه".

وعملية الإخلاء بعيني الرجل ليست إخلاءً لمكانٍ يسكُنه، هي إخلاءٌ من وطن –يصف الحال بحرقة.

يكمل: "لا أنام ليلي خشية غدرٍ إسرائيلي مفاجئ، خوفًا من رهبة تنفيذ أوامر الإخلاء وسط ظلامٍ دامس"، مستطردًا بقوله: "لا أعرف متى سيبدأ الضرب نحونا، أذكر أن ابنتي مها، حين أخذوا البيت الأول، ظلّت مريضةً ست سنوات، كيف لهذه العائلة أن تقوى على فكرة التهجير مرةً ثالثة الآن؟".

منذ عام 1972، بدأت الجمعيات الاستيطانيّة بتقديم الطلبات للمحاكم الإسرائيلية، من أجل إخلاء بقية الأهالي "سكان الحي"، بادعاء ملكيتها لقطعة الأرض التي يسكنون فوقها، ومساحتها قرابة 18 دونمًا، ثم توالت جلسات المحاكم الإسرائيلية، التي بدا فيها تواطؤ القضاة الإسرائيليين واضحًا، حين رفضوا النظر في طلبات السكان "بإثبات الملكية".

لم يعدم أهالي الحي طريقة، تحايلوا على الواقع، فطالبوا الحكومة الأردنية بتسجيل بيوتهم بأسمائهم وفقًا للاتفاقية الموقعة مع "أنروا" عام 1956م، لكن الرد الذي وصلهم كان "صدمة": سلمنا كل ما لدينا من وثائق موقعة عام 1956 للسفارة الفلسطينية، بعد أن تلقينا طلبًا منها بذلك عام 2019".

منذ عام 1972، بدأت الجمعيات الاستيطانيّة بتقديم الطلبات للمحاكم الإسرائيلية، من أجل إخلاء بقية الأهالي "سكان الحي"

ويخطط الاحتلال لتوسيع مشاريع الاستيطان في حي الشيخ جراح، بهدف تطويق البلدة القديمة، واختراق الأحياء الفلسطينية بالبناء الاستيطاني.

وكانت وزارة الخارجية الفلسطينية، أكّدت في بيان لها أصدرته أمس، أن المملكة الأردنية، قدمت الوثائق الخاصة بعددٍ من العائلات، "وجاري العمل على تأمين وثائق أخرى". علمًا بأنه ليس من السهل توفيرها لأنها تعود لحقبةٍ سابقة من الزمن، ما سيضطر الجهات الرسمية الأردنية، لبذل جهودٍ كبيرة، من شأنها مساندة صمود العائلات الفلسطينية في الحي المهدد".

كاريكاتـــــير