شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م13:14 بتوقيت القدس

"حمصة الفوقا".. فقراء في مهبّ التهجير

07 فبراير 2021 - 13:35

الأغوار الشمالية:

جدّة وحفيدة في الشهر الثالث من عمرها، وغنمة صغيرة تلتفّ حولهما تبدو أنها تواسيهما – هكذا تتحدّث الصورة -، وعين طفل على حطام لعبة سقط عليها جدار مسكن هُدم للمرّة الثالثة في غضون أشهر، جميعهم ينتظرون إقامة خيمة جديدة تخفّف البرد القارس الذي ينخر بعظامهم في ساحة الهدم.

لم يعد للأغنام مأوى، كذلك النّاس، هؤلاء الذين هُدمت مساكنهم ولا تقلّ حياتهم أهمية عن حياة "أغنامهم". هكذا هي الحياة في "حمصة الفوقا" في الأغوار الشمالية الفلسطينية، أغنام طليقة من دون مأوى، ورعاة مشرّدين يتكئون على حطام مساكنهم ومنشآتهم التي هدمها الاحتلال في واحدة من "مجازر الهدم" المنظمة ضدّهم.

تشرق الشمس ويعجّ سهل "حمصة الفوقا" بالوفود والمتضامنين وبالإعلام أيضاً، تتراكم "عبارات التضامن" وتنهال الأسئلة على الناس الذين لا يلقون لهم بالاً، لا يريدون التحدّث، فالصورة أبلغ من القول، وهل يختصر الكلام قصّة الهدم؟ كلّ شيء هنا رخيص، حتى الأرواح، لكنّنا لن نستسلم، لن نقبل التهجير، لن نقبل سيطرة المستوطنين على السهل ولا الجنود – نظراتهم تحكي بقهر -.

في الأوّل من شباط / فبراير بدأت عملية الهدم التي استمرت سبع ساعات مرّت بثقل مرعب على عيون أصحاب المساكن، انسحب جيش الاحتلال، مع تهديد للأهالي بالعودة في اليوم التالي لاستكمال عملية الهدم، ثم عادوا في صباح اليوم التالي، طوقوا المنطقة، وشرعوا بالهدم الكامل لكل شيء هناك، بعد أن أعلنوها منطقة عسكرية مغلقة، ومنعوا وصول الصحافة والمتضامنين إليها.

وتمثل "حمصة" واقع 27 قرية وتجمعاً سكانياً في مناطق الأغوار، التي تشكل ربع مساحة الضفة الغربية، وتسعى إسرائيل إلى تصفية الوجود الفلسطيني فيها وتحويلها إلى مناطق استيطانية وعسكرية، وضمّها إلى "دولتها" ضمن مخططات ضم 30% من أراضي الضفة الغربية.

هل يمكن للإنسان أن يحتضن مسكنه؟ أن يضمّه لصدره لحمايته؟ أن يحميه من احتلال يتربّص به كلّما مر في باله هدمه؟ يبحث "المنكوبين" في "حمصة" عن إجابات بين ركام مساكنهم، في ساحة الهدم نفسها على مرأى العابرين للتضامن والدعم. وماذا سينفعنا تضامنكم؟ فلم أحد يحرّك ساكناً من أجلنا – يقولون -.

لا تتوقف جرائم إسرائيل بحق سكّان "حمصة الفوقا" إلى هنا فحسب، بل إنها حوّلت الخربة في السنوات الأخيرة إلى مرتعاً للتدريبات العسكرية إذ كانت تُرغم الأهالي على مغادرة مساكنهم لأيام بسبب استخدام الرصاص والذخيرة الحية بل إنها صار مناطق عسكرية بحسب عمليات الجيش في المنطقة ومزاجه.

وللمياه قصّة أخرى، فهناك تمنع إسرائيل وصول المياه للأهالي وتقطعها عنهم كما تستهدف خزاناتهم لإفراغ المياه منها في محاولة لإجبارهم على الهجرة وإخلاء التجمّع، هذا كلّه إلى جانب تهديدات المستوطنين في مستعمرتي " روعيه" و"بكعوت" المقامة على أراضيهم، والذين يريدون بدورهم السيطرة على الخربة.

إنها الحياة في السهل تحت الاحتلال، سهل يسكنه فقراء، ويعمل به فقراء، بل إن عين الاحتلال على ملك هؤلاء الفقراء، كم مرّة يجب على الإنسان أن يترك مسكنه ليكون ساحة رحبة لزخّات الرصاص وتدريبات العساكر؟ كم مرّة يجب أن يصمت على انقطاع المياه؟ على اعتداءات المستوطنين؟ وعلى هدم المساكن والمنشآت؟ وعلى تشريد ومحاولة تهجير "الغنمات"؟ أسئلة ترهق أصحابها.

كاريكاتـــــير