شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م13:04 بتوقيت القدس

9 % من عائلات القطاع تعيلها امرأة..

الفقر يجلد غزة.. وأكتاف النساء يُلهبُها السوط

30 نوفمبر 2020 - 12:00

خانيونس:

لم تترك أم عبد الله أبو نمر، سبيلًا، إلا وبحثت فيه عن فرصة عملٍ تنقذ من خلالها الوضع الاقتصادي المتدهور لأسرتها المكوّنة من تسعة أفراد، لكن دون جدوى.

فالوضع الاقتصادي المتدهور في قطاع غزة، جلَدَ أكتاف الكل بلا رحمة، وباتت النساء الفقيرات يبحثن عما يستطعن من خلاله الإنفاق على عائلاتهن، ولو بأقل القليل.

تقول السيدة، وهي أم لسبعة أبناء (5 إناث وذكرين)، وتقطن منطقةً نائية غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة: "بناتي الخمس يعانين من نقص النمو، ويحتجن إلى إبرٍ دائمة، أضطر في كثير من الأحيان إلى توفيرها بالدين، حتى بيتي لا يصلح للسكن، ومع ذلك أنا مجبرة على البقاء فيه".

وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن عدد الأسر التي ترأسُها نساء، كمعيلات رئيسيات لأسرهن، هي 11% في فلسطين ككل. على مستوى الضفة الغربية تعيل النساء 12% من الأسر، وعلى مستوى قطاع غزة يُعِلْن 9% من الأسر.

وحسب الجهاز، فإن نسبة الفقر بلغت بين الأسر التي تتولى نساء أمر الإنفاق فيها 54%، وحسب تقديرات وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة، فإن النساء اللواتي يتلقين مخصصات كمعيلات لأسرهن، عددهن 26 ألفًا، من بين 70 ألف أسرة يتلقون مخصصات إغاثية.

أم عبد الله، تخطت حديثًا عامها الأربعين، إلا أن شظف الحياة وبؤسها، جعل خطوط التقدّم في العمر تكسو وجهها في هذا السن المبكر، وهي كما كل النساء الفقيرات، تحاول سدّ رمق عائلتها بما هو متوفر.

البحث عن فرصة عملٍ كما تؤكد لم يُجدِ نفعًا، أما زوجها الذي يعاني من مرضٍ نفسيٍ سببه الأول ضيق ذات اليد، فيعمل بشكل متقطّع في حمل "نقلات الحديد والحجارة إلى مواقع البناء"، مقابل 15 شيكلًا حال توفّر الفرصة.

تقول لـ "نوى": "أدبر أموري ببرارة السوق –أي الخضراوات التي تزيد مع الباعة- لأنها رخيصة جدًا، مصروف أبنائي لا يتوفر دومًا، فكيف أدبر مصاريف سبع أبناء، ولولا بعض الكوبونات التي تصلنا من فاعلي خير ما كنا لنعيش"، مشيرةً إلى أنها وفرت ملابس الشتاء لهذا العام من فاعل خير تبرع بالمبلغ لها ولعائلتها.

أما عن التعليم الإلكتروني، فلا تبدو السيدة أنها تعلم الكثير عنه، فالإنترنت غير متوفر في بيتها، ويضطر أبناؤها إلى الذهاب لبيت عمهم من أجل حل واجباتهم المدرسية، دون أن تعي هي شيئًا عنه أو عن طبيعته، "ناهيك عن افتقاد البيت لأجهزة كهربائية أساسية مثل الثلاجة والتلفزيون" تضيف.

وتكمل: "أشعر بالحسرة لأنني أقف عاجزةً أمام أصغر أمنيات أطفالي، حين يطلبون مشاهدة قنوات الأطفال على سبيل المثال، ويضطرون للذهاب إلى بيت عمهم من أجل مشاهدتها". لكن الأكثر ألمًا بالنسبة لها هو ذهابهم يوميًا إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، لمدة نصف ساعة، في طريقٍ موحشة يمرون من خلالها بمقبرةٍ مجاورة لمنطقة سكنهم النائية.

إلى دير البلح، حيث تعيش الشابة ياسمين مشعل بمفردها، هي المعيلة بالطبع لذاتها، ولكن كما كل النساء الفقيرات، ياسمين محرومة من الحصول على فرصة عمل والسبب، أنها وحيدة.

تقول ياسمين (33 عامًا): "أعيش بمفردي بعد وفاة والديّ قبل عدة سنوات، أنا خرّيجة جامعية، ومع ذلك لا أجد فرصة عمل، فأحاول تدبير أموري بأي مهنة بسيطة تتوفر ولو مؤقتًا".

تعيش ياسمين وحدها في بيتٍ بسيطٍ متواضع يحتاج إلى الكثير من الترميم، بينما تُحرم المساعدات الغذائية من كوبونات وطرود بحجة أنها وحدها، تعلّق بقهر: "حتى لو كنتُ وحدي، ألستُ بحاجة إلى نفقة كي أعيش؟! سجلتُ اسمي للحصول على فرصة عمل بشهادتي، ولو على عقد بطالة، ولكن أُحرم من هذا لأنني أحصل على مخصصات للشؤون الاجتماعية قيمتها 750 شيكلًا كل ثلاثة شهور".

نعم، 750 شيكلًا أي نحو (230 دولارًا)، تذهب لنفقاتٍ متعلقة بالبيت، ولتوفير بعض المقويات والأدوية لياسمين التي تعاني من ضعف المناعة، "ثم ماذا عن النفقات الشخصية؟" تتساءل يوميةً بحرقة، وتتابع: "لأنني وحيدة! هل هذا سبب كافٍ لحرماني من فرص العمل والبطالة وتلقي حتى الكوبونات؟".

"إن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في فلسطين، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، يؤثر على المرأة الفلسطينية بشكل مباشر داخل بيتها، حيث تعجز عن تلبية احتياجاتها واحتياجات أسرتها"، هذا ما تؤكده ابتسام سالم رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية للتوفير والتسليف.

وتضيف في مقابلةٍ أجرتها معها "نوى": "هنا النساء أكثر فقرًا من الرجال، خاصةً أولئك المعيلات الوحيدات لأسرهن، وهن نسبة ليست بسيطة في المجتمع"، متحدثةً عن عوامل متجذرة ساهمت في ذلك تبنّاها المجتمع منذ قديم الزمان، وعلى رأسها حرمانهن النساء من الميراث، وصعوبة تحكّمهن بالمصادر المالية، "حتى لو كانت الواحدة منهن امرأةً عاملة، فإنها تجد الكثيرين ممن يتدخلون بحياتها وسبل إنفاقها".

هذا الواقع شكّل عائقًا رئيسيًا أمام القدرة على النهوض بالواقع الاقتصادي للنساء، وبشكلٍ عام، جعلهن يواجهن مشاكل كثيرة في طريق محاولة تحسينه، تعقب: "الواحدة منهن، حتى لو فكرت بالحصول على قرض، احتاجت إلى كفيل، وفي المقابل تتحمل العبء الاقتصادي الكامل لعائلتها".

أزمة "كورونا" أيضًا، عقّدت واقع النساء الاقتصادي أكثر، حيث زادت من تعقيدات إيجاد فرصةٍ ولو بسيطة لتحسين واقعهن، وحتى أولئك اللواتي يمتلكن مشاريع صغيرة -والحديث لسالم- يعانين الآن من كسادٍ، وتراجعٍ كبيرين في الدخل، وركودٍ في عمليتي البيع والشراء.

كاريكاتـــــير