شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م14:00 بتوقيت القدس

في بيوت متهالكة

فصل الرحمة يقسو على فقراء قطاع غزة

27 نوفمبر 2020 - 16:16

غزة

مع بدء هطول زخّات المطر قبل يومين؛ سارعت السيدة أم رائد مبارك – من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة- إلى لملمة ملابس عائلتها عن حبل الغسيل على باب منزلهم ذو الطابق الأرضي، ثم وضعت قماشة بقايا بطانية مهترئة خلف عتبة الباب وأغلقته بقوة.

كانت تمنّي نفسها ألا تقتحم مياه الأمطار بيتها من الباب المنخفض أو أن تداهم غرفتي النوم من الشقوق في الجدران المتصدّعة، كما كل موسم، أغلقت باب الغرفة على أطفالها الثلاثة وهي تدعو بأن يكون فصل الشتاء هذا العام أكثر رحمة.

تقول أم رائد في حديث لنوى :"كنا نسكن بالإيجار، زوجي يعمل بالمياومة حسب توفّر فرصة، لما عجز عن دفع الإيجار اضطررنا لبناء بيت صغير من 70 مترًا عبارة عن غرفتين ومطبخ وحمام صغيرين مسقوف بالزينكو في أرض حكومية، استعنّا ببعض الشبابيك والأبواب القديمة في البناء، فنحن لا نستطيع توفير الجديد".

حال أم رائد مع فصل الشتاء كما كل أصحاب البيوت المتهالكة في قطاع غزة، فوفقًا لتقديرات مركز الميزان لحقوق الإنسان في تقرير عام 2018 حول الحق في السكن، فإن نحو 60 ألف وحدة سكنية بحاجة إلى ترميم كي تصبح لائقة للسكن، يعوقها الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 14 عامًا ونقص التمويل الدولي لهذه المشاريع.

عودة إلى أم رائد التي تعيش في منطقة نائية غرب خانيونس تقول :"هنا الظروف صعبة بسبب بُعد المكان عن مراكز الخدمات، والمؤسسات ترفض مساعدتنا بإعادة الترميم لأن الأرض التي لجأنا لها حكومية ونحن لا نملك بديلًا بسبب وضعنا الاقتصادي، بل حتى لا يوجد مدفئة تحمي الأطفال من البرد".

في بيت أم رائد المجاور لأراضي زراعية يستهدفها الاحتلال الإسرائيلي بالقصف المتواصل، ما تسبب في عدة فتحات في الزينكو وتصدّع أعمدة البيت التي أصبحت جميعها مداخل جديدة للمطر، تحوّلت ساحة بيتها الصغير إلى مكان لأواني الطهي الفارغة علّها تجمع ماء الأمطار بدل أن تُترك كلها تُغرق البيت والغرف.

وتصف صعوبة السكن في تلك المنطقة: "الأرض المجاورة أيضًا تحوّلت إلى مكّب للنفايات الأمر الذي ساعد على دخول الحشرات والفئران بكثرة للمنزل وتخريب كل ما نستخدمه من ملابس وفراش بالإضافة إلى العقارب والأفاعي التي تحفر أرض البيت الترابية".

لكن أكثر ما يُشعرها بالقهر هو الوعودات الرسمية المتكررة بحل مشاكل البيوت المتهالكة دون جدوى، حالهم كما هو والوعود مجرد مسكنات.

إلى مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، تعيش الحاجة فايزة محمد "61 عامًا" برفقة أبنائها في بيت من الزينكو لا تتجاوز مساحته 100 مترًا، تعاني "الأمرّين" منه شتاءً.

تقول لنوى :"الزينكو مثقوب يغرق البيت بسببه، ومع كل شتاء نضطر لكسوته بالنايلون، ومع تجدد المطر نضطر لتجديد النايلون، وحين يشتد المطر، نحمل أثاثنا إلى الغرفة التي لا يصلها المطر، الأصعب أنه البيت منخفض تدخله مياه الأمطار من الشارع عندما يشتد المطر".

جولة في مخيم الشاطئ، الواقع على شاطئ البحر غرب مدينة غزة، حيث يسكنه نحو 103 آلاف لاجئة ولاجىء في بيوت قديمة ضيقة مهترئة الجدران بمساحة أقل من كيلو مترًا مربعًا، يعاني الناس من نقص الخدمات وضعف البنية التحتية. وتسرّب المياه إلى البيوت بسبب الأمطار.

تقول الحاجة فايزة:" الدخل الوحيد للأسرة هو مستحقات وزارة الشؤون الاجتماعية كل ثلاثة شهور، ولا قدرة لنا على تحسين واقعنا، سوى من دخل إضافي لابني الذي يعمل بائع سجائر يفقد عمله عند الإغلاق، بالكاد ندفع إيجار البيت ونوفر الضروريات فقط خاصة علاجي فأنل لدّي مرض مزمن".

وتوضح أن ظروف السكن القديم المترهل لا يصلح للمعيشة في ظل انتشار الحشرات والرطوبة الشديدة، وتسرب مياه الشتاء إليه من الشارع ومن شقوق الجدران، مضيفة:"زوجة ابني تضطر إلى سحب الماء من الغرفة ليلًا خوفًا على أطفالها ما عرّضها للمرض بسبب البرد".

أما السيد علي خليل "39 عام" يقول لـ "نوى": "سقف المنزل به ثقوب كبيرة ومتعددة، وفي كل مرة كنت أقوم بتغطيتها، كانت قطع النايلون تتطاير بفعل شدة الرياح نتيجة المنخفض الجوي، وهو ما كان يحَول ليلنا إلى نهار، ولم يكن يغمض لنا جفن".

تابع: "تضع زوجتي الكثير من الأواني الكبيرة في محاولة لمنع انسياب المياه إلى الفراش والأغطية، ولكن غزارة مياه الأمطار المتسربة الى داخل المنزل تكون أسبق، وهو ما يجعل نعمة الشتاء أشبه بنقمة بالنسبة لنا".

حال "خليل" كحال الكثير من العائلات الفقيرة والمستورة التي تقض مياه الأمطار مضاجعها، في وقت تعاني من شدة البرد وعدم مقدرتها على اصلاح ما يحتاج لإصلاح جراء الوضع الاقتصادي الصعب بغزة.

وزارة الإسكان المتوقع منها متابعة ملف أصحاب البيوت المترهلة والتي تحتاج إلى إعادة ترميم، تبدو غير قادرة بشكل كامل على متابعة هذا الملف.

في مقابلة مع نوى تحدث م.ناجي سرحان وكيل الوزارة عن سعيهم المستمر لتمكين الأسر الفلسطينية من الحصول على مسكن ملائم رغم تواضع الإمكانيات وكبر المسؤوليات والاحتياجات في قطاع غزة.

يضيف:"عشرات آلاف العائلات الفقيرة ومحدودة الدخل قُدّرت حسب عمليات المسح بـ 46 ألف أسرة تعاني من عدم توفر مأوى ملائم للسكن"، إضافة إلى عشرات آلاف الوحدات المأهولة التي تحتاج إلى إعادة بناء، و 60 ألف وحدة تحتاج إلى ترميم كي تلبي الحدّ الأدنى الملائم للسكن.

فالوزارة -والقول لسرحان- تحاول بكل ما أوتيت من قوة استنهاض جهود المؤسسات الشريكة لحثّهم على توفير الدعم المطلوب لمساعدة هذه الأسر، خاصة مع أزمة كورونا التي جعلت الدول المانحة تنكفئ على نفسها خلال هذا العام، بالتالي قلت انخفضت إمكانيات تنفيذ العديد من المشاريع كوننا نعتمد وبشكل أساسي على التمويل الخارجي.

ودعا سرحان الحكومة الفلسطينية إلى توفير موازنة خاصة للحالات الطارئة، ووجه نداء بضرورة التكاتف لحل جزء من هذه المشكلة من خلال التعاضد الاجتماعي وقيام المقتدرين بتقديم يد العون، لأن بعض الوحدات السكنية تحتاج لنايلون فقط أو تشطيب أو تركيب نوافذ زجاجية فباب التعاون الاجتماعي قد يساهم كثيراً في حل جزء من المشكلة".

وتعاني آلاف الأسر الفلسطينية من غرق منازلهم بمياه الأمطار شتاءً بسبب ضعف البنية التحتية واهتراء هذه المنازل وقصور قدرة المؤسسة الرسمية على معالجة مشكلة الحق في السكن الملائم، وهو ما يجعل نحو 60 ألف أسرة تعيش مفتقدة الأمان المعيشي.

كاريكاتـــــير