شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م12:46 بتوقيت القدس

المئذنة "مملوكية" والمسجد "عمارة سكنية"!

جامع المحكمة الجديد.. جريمةٌ بحق "التاريخ" في غزة

08 نوفمبر 2020 - 13:39
رواء مرشد

شبكة نوى | قطاع غزة:

"لا حصّل جامع، ولا حصّل بيت" معظم سكّان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، أجمعوا على هذا قولًا واحدًا، بعد كشف الستار عن التصميم النهائي الجديد لمسجد المحكمة البردبكية التاريخي، الذي لم يتبقَّ من آثاره –بعد القصف الذي تعرض له خلال عدوان 2014م- إلا مئذنته.

المشهد الصادم الذي غطّى على رائحة التراث التي كانت تنبعت من حجارة المئذنة القديمة، أثار سخط سكان المنطقة، ومعظم المهتمين بقراءة التاريخ، حين أعيد بناء المسجد الذي يرجع تاريخ تأسيسه إلى العام ٨٥٩ هجري، على طرازٍ حديث، دون مراعاةٍ لفروق التصميم، وعامل الزمن، وتاريخ المسجد الأثري.

التغيير الذي حدث في هيئة الشارع بعد بناء المسجد على الطراز الحديث، دفع الحاج كامل رجب (76 عامًا) إلى القول: "من وأنا عمري سنتين باجي مع سيدي وأبوي على هادا المسجد، لغاية حرب 2014م لما قصفوه، لكن ما تخيلت اليوم أرجع أصلي فيه وشكله هيك، لأنه ما فيه ريحة أي ذكريات".

وتتحدث أم عمر البطنيجي، عن الشغف الذي كان يجذبها للمشي في شارع المسجد، تحديدًا خلال شهر رمضان المبارك، فتقول: "كنت أحب أشوف المئذنة، وأسمع صوت الأذان، شكل المكان الأثري كان مخلي للمنطقة هيبة بصراحة".

الجامع الذي يحمل تاريخيًا اسم "جامع المحكمة البردبكية"، وتأسس سنة ٨٥٩ هجرية، على يد الأمير بردبك الدودار، أيام الملك الأشرف أبو النصر إينال، الذي كان اسمه مكتوبٌ على نقشٍ تاريخي عند المدخل الشمالي بجوار المئذنة، ألحقت به مدرسة، ثم تحول إلى محكمة، فسمي باسم "مسجد المحكمة"

وتستدرك: "أما اليوم، لما صرت أمر جنبه، نص مخي بيروح للتفكير بتاريخ المئذنة، والنص الثاني بيروح للتفكير بضرورات التطور الحاصل، والتماشي معاه، لكن كان مفروض يكون في تناسق، أما هيك الجامع شكله جدًا غريب".

الجهل يقتل التاريخ

الجامع الذي يحمل تاريخيًا اسم "جامع المحكمة البردبكية"، وتأسس سنة ٨٥٩ هجرية، على يد الأمير بردبك الدودار، أيام الملك الأشرف أبو النصر إينال، الذي كان اسمه مكتوبٌ على نقشٍ تاريخي عند المدخل الشمالي بجوار المئذنة، ألحقت به مدرسة، ثم تحول إلى محكمة، فسمي باسم "مسجد المحكمة" لما أضحى له من دورٍ في الحكم بين الناس، وفقًا للدكتور أيمن حسونة أستاذ التاريخ وعلم الآثار القديمة.

يضيف د.أيمن: "الجامع ظل شامخًا لمئات السنوات، ولكن مع عوامل الزمن وقدم البناء، أصبح يعاني من عوامل تلف متنوعة، وكان يفترض أن يتم إدراجه ضمن المواقع التي تحتاج إلى ترميم، ولكن هذا لم يحدث للأسف، حتى تم تدميره بشكل كلي خلال حرب 2014م، ولم يتبق منه إلا المحراب في جدار القبلة، والمئذنة".

ويشير إلى أنه بالإضافة للفارق الزمني والأثري والعمراني، بين شكل المأذنة والمسجد الجديد، فإن المبنى الحالي أيضًا يحجب رؤية الجهة الشمالية بالكامل، للمئذنة التي تعود للعصر المملوكي، وتحتوي على زخارف معمارية جميلة جدًا، وبالتالي كان لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا الجزء التراثي واضحًا للعيان.

شبكة نوى، فلسطينيات: وزارة السياحة والآثار، كانت غير مطلعة بشكل مباشر على البناء لأن وزارة الأوقاف هي المشرفة على عملية البناء بالشكل الكامل، خاصةً في المساجد الأثرية.

ويؤكد د.حسونة أن وزارة الاوقاف "للأسف" لم تستشر أصحاب الخبرة والعلم عند إعادة بناء المسجد، كما حدث في ترميم الجامع العمري، وغيره، وبالتالي كان يجب ألا تفوتهم هذه المسألة، وألا يشرعوا بالبناء دون الاكتراث لنمط البناء القديم، خصوصًا وأن الأمر ليس بالصعب "مع توافر الحجر القديم، أو إمكانية إعادة تدوير الحجارة الحديثة، لتصبح ذات طابع أثري قديم يتوافق شكلها مع شكل المئذنة، والطابع التاريخي للمسجد".

وزارة السياحة والآثار، كانت غير مطلعة بشكل مباشر على البناء لأن وزارة الأوقاف هي المشرفة على عملية البناء بالشكل الكامل، خاصةً في المساجد الأثرية.

وحسب حديث الباحثة في وزارة السياحة والآثار هيام البيطار، فإن الوزارة تفاجأت فعليًا بشكل البناء، خصوصًا وأن "الأوقاف" لم تبلغها بالمشروع، ولم تسمح لهم بالاطلاع على مخططات البناء، رُغم أن تدخلهم عادةً ما يكون بهدف إعطاء التوصيات، بما يتناسب مع قيمة وتاريخ المبنى.

 وتقول البيطار: "وزارة السياحة والآثار، امتلكت الفرصة الوحيدة في إعادة مشروع بناء مسجد الظفر دمري في منطقة الشجاعية، من خلال مهندسين قادرين على ترميمه بطريقة علمية صحيحة، تتناسب وقيمة المسجد الأثري"، مضيفة: "ما حدث كان مفاجئًا في مسجد المحكمة، فالشكل والتشطيب حديث، يشابه المنازل الحديثة، ولا يمت بصلة للقيمة الأثرية الخاصة بالمسجد، ناهيك عن الكثير من الإضافات صارخة الحداثة، التي تتنافر والقيمة التاريخية للمئذنة، التي تعود للعصر المملوكي وعمارته العظيمة".

وزادت تقول بحنق: "في عملية الترميم الأخيرة لهذا المسجد، لم يتم حتى الاحتفاظ بالحجارة الأثرية القديمة التي تم استخلاصها بعد الهدم لاستخدامها في اللوحة التأسيسية والتعريفية للمسجد"، منوهةً إلى أنها عادةً "في مشاريع الترميم، إذا كانت إعادة الترميم ضرورية، فيتم عمل محاكاة متجانسة للشكل العام للمبنى، مع قيمته الأثرية، عبر استخدام الحجارة القديمة، التي يتم بها صناعة الواجهة على الأقل للمحافظة على الشكل العام".

ووصفت التغيير المعماري الجديد في مسجد المحكمة بـ"الجريمة التاريخية"، مطالبة بالوصول إلى المسؤول عن "هذه الجريمة"، ومحاسبته لعبثه بتاريخ وجذور المكان.

كاريكاتـــــير