شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م17:05 بتوقيت القدس

رمضانهم في الحجر أصعب..

المحرَّرُون "توًّا".. أبوابٌ أوصِدت لئلّا يحن القلب!

29 ابريل 2020 - 11:02

رام الله/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ينتظر "حمزة الخمور" خلف الباب ريثما تضع له أمه طعام الإفطار الذي يحبه، يتركها تمضي ثم يفتحه، يأخذ طعامه عن العتبة ثم يغلقه مسرعًا كي لا تغلبه عاطفة الشوق، فيخرق شروط الحجر المنزلي الذي أقرته وزارة الصحة للأسرى المحررين توًّا، ويتسبب بأذى لمن تلهّف قلبه شوقًا لدفء راحتيها منذ أكثر من 18 عامًا خلف قضبان المحتل.

حمزة الذي تحرر من الأسر قبل شهر رمضان بيومٍ واحد، لم يحظَ حتى الآن بعناق أمه، ولا مشاركتها طعام الإفطار ولا حتى دعائه، كل ما طاله بعد فيض الغياب، تلمّسَ رائحتها في زوايا بيتها الذي تركته له في مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم بعد تعقيمه بالكامل ليقضي فيه فترة الحجر، وانتقلت لتعيش في منزل والدها القديم، ضمانًا لعدم اختلاطه بأفراد عائلته أو أيٍ من أبناء مخيمه.

يرفض حمزة الذي يلتزم بشروط الحجر التزامًا "حديديًا" إعادة الأطباق التي ترسل فيها أمه الطعام فارغةً، حتى بعد غسلها، "يخشى أن يكون حاملًا للفايروس فيتسبب بالعدوى لأحدٍ منا (..) صرتُ أرسل له الطعام في أوانٍ بلاستيكية" تقول أمه فائقة عودة.

لطالما طلب حمزة من أمه أن لا تحضر الطعام بنفسها، كي لا "يحن قلبها" فتقترب منه وتجبره على ما يتمنى هو نفسه أن يحدث، لولا خوفه عليها.

لطالما طلب حمزة (35 عامًا) من أمه أن لا تحضر الطعام بنفسها، كي لا "يحن قلبها" فتقترب منه وتجبره على ما يتمنى هو نفسه أن يحدث لولا خوفه عليها وعلى كل أهله من حولها، تضيف الأم لـ "نوى" بينما تمسح دمعاتها: "بعد كل هذه السنوات، ابني بعيدٌ عني بضع خطوات، ولا أستطيع أن أعانقه أو أن أتناول معه وجبة طعامٍ واحدة في رمضان".

سيكون على والدة حمزة أن تحمل هذه الحسرة في قلبها عشرة أيام أخرى، حتى تنتهي فترة الحجر ويخضع للفحص الطبي مرة أخرى، وهو ما لا يقبله قلب الأم لولا حديث العقل الذي يجبرها على ذلك.

وكما كل الأسرى المفرج عنهم في سجون الاحتلال، أجرى "الطب الوقائي" التابع لوزارة الصحة الفلسطينية، الفحص الأول لحمزة فور وصوله إلى حاجز "الظاهرية" جنوب مدينة الخليل، يوم الإفراج عنه في 23 نيسان/ أبريل الفائت، وكانت النتيجة سلبية، مما أهله للانتقال إلى الحجر البيتي.

منذ ذلك الحين يقضي حمزة أيامه في الحجر وحيدًا، وإن كان عليه أن يتحدث مع أحد، فمن سطح المنزل الذي يعيش فيه، ليضمن وجود مسافة بينه وبين من يحدثه.

ليس حمزة من التزم بهذا الحجر فقط، بل كافة الأسرى الذين تحرروا مؤخرًا من سجون الاحتلال، تحملًا للمسؤولية الوطنية والأخلاقية، رغم ما كلفهم ذلك من عبء الانتظار، هم وعائلاتهم على حدٍ سواء، لا سيما وأن "رمضان" وفقًا لعادات الفلسطينيين يساوي "لمة الحبايب".

حلمٌ صغير "مائدة عائلية"

إسماعيل أبو عيشة، من بلدة بيت وزن غرب نابلس، تحرر هو الآخر من أسرٍ دام 18 عامًا،  ذلك في منتصف أبريل/ نيسان الجاري، وحاليًا ينتظر فحصًا أخيرًا ليتمكن من ممارسة حياته الطبيعية.

يقول لـ "نوى" عبر الهاتف: "أعيش مع عائلتي في نفس المنزل، لكنني لم أستطع أن أجتمع بهم في غرفةٍ واحدة منذ تاريخ الإفراج، وكما فترة العزل الانفرادي في زنازين الاحتلال، أتناول إفطاري وحيدًا هنا في غرفتي".

"في الأسر كنت أحلم في اليوم الذي أخرج فيه لأكون بين عائلتي وخاصة في رمضان، هذا الشهر الذي كان يزورنا على هيئة غصة بعيدًا عن الأهل والأحبة".

ويضيف: "في الأسر كنت أحلم في اليوم الذي أخرج فيه لأكون بين عائلتي وخاصة في شهر رمضان، هذا الشهر الذي كان يزورنا على هيئة غصة بعيدًا عن الأهل والأحبة، الآن أنا خارج الأسر، لكنني لا أستطيع مخالطة عائلتي بسبب هذا الفيروس".

وأبو عيشة (45 عامًا) كان قد أتم خطوبته على إحدى قريباته خلال تواجده في الأسر، وحتى بعد الإفراج عنه حُرم لقاءها أو زيارتها، ويكتفي اليوم بالتواصل معها عبر الهاتف فقط.

معظم الأسرى الذين تحرروا في الفترة الأخيرة، يؤمنون بأنهم لم يصابوا بـ "كورونا" خلال فترة تواجدهم في الأسر، لكن التخوف الوحيد لديهم، من أن يكون الفايروس انتقل لهم خلال عملية التنقل وعلى المعابر، لا سيما وأن قوات الاحتلال لا تعتمد إجراءات السلامة الوقائية للأسرى خلال تلك المرحلة، وهو ما جعلهم يجمعون على أن الحجر المنزلي هو القرار الأنسب.

ورغم قناعة الأسرى بأن هذا الحجر، هو لمصلحة أحبتهم وعائلاتهم، إلا أنه بالنسبة لبعضهم يعد من "أصعب المواقف التي تعرضوا لها على مدار سني الأسر" كما يصف المحرر جمعة التايه من بلدة كفر نعمة غرب رام الله، الذي حُرم التواجد مع ابنيه اللذين كبرا بعيدًا عنه 18 عامًا ونصف.

وأفرج الاحتلال عن الأسير التايه يوم 23 نيسان/أبريل الجاري، ليستقبل شهر رمضان، دون أن يمتع قلبه برؤية "أسامة" الذي لم يكن قد أكمل عامه الأول عندما اعتقل، و"نصر الله" الذي كان جنينًا في أحشاء أمه حينذاك. يمضي أيام الصيام في منزله الذي تركته عائلته ليقضي فيه فترة الحجر، وحيدًا برفقة زوجته التي أصرت على البقاء معه فحجرت نفسها هي الأخرى معه، بينما "أسامة" و"نصر الله" في بيت جدهما يترقبان مضيّ الوقت بصمتٍ ولوعة.

يقول لـ "نوى": "سنوات وأنا أنتظر اليوم الذي سأحتضن فيه أبنائي، ورغم أنه جاء، إلا أنني لا أستطيع أن أكون معهما ولو من بعيدٍ حتى".

زوجته "أم أسامة" أضافت على قوله: "رغم صعوبة القرار إلا أننا نؤمن بصوابيته، تقبلناه والتزمنا به، كانت من أصعب المواقف التي عشتها على مدار سنوات أسره، هو يوم الإفراج عنه، عندما ظهر زوجي عند حاجز الظاهرية فصار ابني نصر الله يصرخ (يابا.. يابا) لكنه لم يستطع احتضانه".

تنتظر أم أسامة انتهاء الـ (14) من أجل إجراي الفحص الثاني لزوجها، وتخطط كثيرًا لما ستفعله لقضاء باقي شهر رمضان الفضيل مع عائلتها "كلها".. "كلها" بالمعنى الحرفي.

تزيد: "بالتأكيد لا مقارنة بين الأسر والحجر، لا شيء أصعب من الأسر أما الثانية فتمضي",

"الأسرى هم أوْلى الناس بالالتزام بالإجراءات، فمن غير الممكن أن يضحِّي من قدم سنوات عمره في الأسر، بعائلته وشعبه"

بالنسبة للزوج الأسير المحرر فإن الأسرى هم "أوْلى الناس بهذا الحجر والالتزام بالإجراءات، فمن غير الممكن أن يضحِّي من قدم سنوات عمره في الأسر، بعائلته وشعبه".

وحول متابعة هذه الإجراءات الطوعية من قبل الأسرى، تقول مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة: "إن الالتزام بالحجر البيتي، كان بمبادراتٍ شخصيةٍ من الأسرى أنفسهم، كل أسير يقترب موعد الإفراج عنه يبلغ عائلته بأنه سيتوجه للحجر المنزلي".

وتزامن ذلك مع انتهاء محكومية عددٍ كبير من أصحاب الأحكام العالية، فقبل شهر رمضان بيومين، أفرج الاحتلال عن خمسة معتقلين، ثلاثةٌ منهم قضوا 18 عامًا، وآخران قضيا كلًا منهما 14 عامًا.

والمفارقة، بحسب سراحنة، أن أكثر الأسرى التزاما هم من قضوا سنواتٍ طويلةٍ في الأسر، فتجربتهم الطويلة في العزل قادتهم لهذا الوعي، ومكنتهم من الاستمرار في تطبيق الحجر المنزلي أكثر من غيرهم.

كاريكاتـــــير