شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م17:30 بتوقيت القدس

"كورونا" يسرق ضجيج البنات من "شعبان" نابلس

21 ابريل 2020 - 09:15

نابلس/ شبكة نوى- فلسطينيات:

في مثل هذه الأيام من شهر شعبان، تفتقد رشا حرز الله أصوات الفرح التي كانت تصدحُ من بيوت جيرانها بحارة "القريون" في البلدة القديمة لمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ففي "زمن الكورونا" أقفلت البيوت أبوابها على خوف من فيها، "لا صوت دربكّة ولا غناء"، ولا روائح طعامٍ تُزكِم الأنوف عند مداخل الحارة، ولا اجتماع للعائلات النابلسية في "الشعبونية"، أهم مواسم الفرح المتوارثة منذ مئات السنين.

تقول حرز الله (35 عامًا): "عام 2020م من الأعوام النادرة التي لم تستطع العائلات النابلسية خلالها الاحتفال بهذا الموسم، بعد فترة أيام الاجتياحات الإسرائيلية، وفي الحقيقة: حالة الإغلاق وتقييد الحركة خشية تفشي فايروس " كورونا" أصعب على قلوبنا بكثير".

"الشعبونية" التي انفردت بها مدينة نابلس، هي موروثٌ اجتماعيٌ يقترب لشدة أهميته من أن يكون بمثابة "عيدٍ ثالث" لسكانها، حيث تبدأ العائلات مع اليوم الأول من شهر شعبان الهجري، بدعوة بناتها المتزوجات وأطفالهن، للاجتماع في منزل كبير العائلة، وإقامة الولائم، ضمن طقوسٍ احتفالية، تمتد لثلاثة أيام. "هذا الشهر هو روح المدينة، فايروس كورونا حرم البنات والأخوات هذا العام من الاجتماع بعائلاتهن الممتدة" تعلق حرز الله.

تتفاوت موائد شعبان حسب أذواق العائلات ومستوى دخلها، ولكنها بالتأكيد تحتوي على الأكلات التي اشتُهرت بها المدينة حسب الموسم.

لـ"الشعبونية" طقوسها التي حافظت العائلات النابلسية عليها، رغم تطور العصور، وتغير ظروف الحياة، وفيها يدعو كبير العائلة جميع نساء العائلة لوليمته التي يعدها حسب إمكانياته، ومنهم من يوسّع نطاقها لتضم الخالات والعمّات وبناتهنّ وبنات بناتهن، مع البنات والأخوات وبنات الأخ، كلهن يجتمعن في بيته من الصباح حتى ساعاتٍ متأخرة من الليل.

وتتفاوت موائد شعبان حسب أذواق العائلات ومستوى دخلها، ولكنها بالتأكيد تحتوي على الأكلات التي اشتُهرت بها المدينة حسب الموسم.

إن صادف شعبان الشتاء، تكون "اللخنة الخضراء" (ورق القرنبيط الأخضر، يحشى بالأرز واللحم، ويلف كورق العنب) حاضرة، وإن صادف موسم الزيتون أو بعده، يكون "المسخّن" سيد الموائد، بينما في الربيع، يحتل العكّوب باللبن الذي تشتهر به المدينة صدر السفرة، إلى جانب الأكلات الشعبية المعروفة من المقلوبة، والمحاشي، وورق العنب، والمقبلات، والمخللات.

ولا تغيب الحلويات عن هذه الموائد، بل هي مكونٌ أساسيٌ لها، وخاصة "الكنافة" التي كانت تُعدّ على الفحم في البيوت. إلى جانب الفطائر، والكُلاج، وحلاوة القرع "حلاوة الزلابية" التي تنفرد عائلة واحدة بصناعتها في المدينة، وارتبطت منذ القدم بموائد شعبان.

وتحرص رحاب المغربي (53 عامًا)، ومنذ زواجها في مدينة نابلس قبل 37 عامًا، على إحياء هذا الموسم، كونها عايشته كعادة متوارثة في قريتها "الجنيد" الواقعة غربي المدينة.

في العام الفائت، حضر وليمة "الشعبونية" ببيتها 15 امرأةً من نساء العائلة، منهن ابنتها المتزوجة، وبنات شقيق زوجها، وبنات خالاته وأخواله. وقد أعدت طعام الوليمة على مدار ثلاثة أيام داخل منزلها بمساعدة ابنتها، فطبخت المقلوبة، والأوزي (الأرز بالبازيلاء واللحم المفروم)، بالإضافة إلى الكبة، والتبولة، والكفتة، والمسخن، وجميع أنواع المحاشي، كما حرصت على إعداد سدر الكنافة في المنزل بوجودهن.

 إعداد الطعام مع نساء العائلة في "شعبان" هي روح الموسم، جميع المدعوّات، يقمن بمساعدة صاحبة البيت، على عكس ما تفعله بعض العائلات النابلسية، من تنظيم هذه الولائم في المطاعم.

وتؤمن المغربي، بأن أجواء إعداد الطعام مع نساء العائلة في "شعبان" هي روح الموسم، "خاصة وأن جميع المدعوّات، يقمن بمساعدة صاحبة البيت"، منتقدةً ما أضحت تفعله بعض العائلات النابلسية خلال الأعوام الأخيرة، من تنظيم هذه الولائم في المطاعم، وهو ما يُفقد الطقس بهجته.

وتتحمل العائلات التكلفة المادية لهذه الولائم مهما كانت عالية، تعلق المغربي: "هي مرة واحدة طول السنة، فيها جبر لخواطر بنات العيلة، وفرحة لبناتهن".

ولعل ما خفف من تكلفة "الشعبونية" مؤخرًا هو اقتصارها على يومٍ واحد، بعكس ما كان يحدث مسبقًا بامتدادها لثلاثة أيام، "حيث كانت تقيم المدعوات طوال تلك الأيام في منزل المضيف، ويطبخن الولائم المتعددة بكل توابعها من حلويات ومشروبات".

( في بيت العيلة، وما بتحلى السهرة إلا بالدربكة، تنشد النساء: "أمو يا أمو يخليلو أمو.. سبع كنايين تعبر على أمه"ولما ييجي وقت النوم: يلا يا بنات هاي الفراش بالقوس، أفردوه، وبتلاقوا وجوه المخدات بالمسندرة).

توثق الكاتبة عريب عزت العزيزي في كتابها "مرايا نابلسية"، طقوس الشعبونية قديمًا باللهجة النابلسية فتكتب: (بتضل الولايا وولادهم في بيت العيلة، وما بتحلى السهرة إلا بالدربكة، تنشد النساء: "أمو يا أمو يخليلو أمو.. سبع كنايين تعبر على أمه"، ولما ييجي وقت النوم: يلا يا بنات هاي الفراش بالقوس، أفردوه، وبتلاقوا وجوه المخدات بالمسندرة) ضمن الوصف، فإن الفراش يمتد من أول صالون الضيوف حتى آخره، تنام النساء وهن يتبادلن ذكريات الصغر وأحاديث أيام زمان.

غادة الجد (40 عامًا)، عاشت هذه الأيام وهي طفلة، عندما كانت ترافق والدتها للنوم في منزل جدها "أبو طلال البغدادي" ثلاثة أيام متواصلة.

هناك كانت تلتقي بكل قريباتها من عمرها، فبينما يقضي الكبار الليل بالسهر ولعب ورق الشدة، والشطرنج، والحديث، والغناء، والرقص، كانت تجتمع هي في ساحة المنزل مع الأطفال للعب الحجلة و"بيت بيوت".

كبرت غادة وتزوجت، ورزقت بثلاث بنات، ولا تزال "الشعبونية" في منزل جدها من أهم المناسبات، رغم أنه صار يقتصر على يومٍ واحد، بعد أن كبُرَت العائلة، وأصبح يجتمع على وليمتها أكثر من 70 شخصًا.

وتَعدُّ غادة نفسها محظوظة، كونها تُدعى على ثلاث ولائم بـ"شعبان"، وليمة جدها لوالدتها، ووليمة والدها، ووليمة والد زوجها. ولأنها وحيدةٌ بين خمسة أشقاء، تحظى بيومٍ منفرد لها ولبناتها، عند كل واحدٍ من أشقائها.

ولكن كل هذه الطقوس المبهجة التي ترافق هذا الموسم اختفت هذا العام، وهو ما حرم الكثيرات من هذه الاجتماعات.

"حتى الآن بناتي لم يستوعبن فكرة أننا لن نستطيع الاجتماع في شعبان لهذا العام، كل يوم يسألن إن كنا سنجتمع في بيت جدي أو أبي".

ويبدو الأمر غير مقبولٍ بالنسبة للأطفال، كما هو حال بنات غادة التي تقول: "حتى الآن بناتي لم يستوعبن فكرة أننا لن نستطيع الاجتماع في شعبان لهذا العام، كل يوم يسألن إن كنا سنجتمع في بيت جدي أو أبي".

طقوس شعبانية

وعلى مستوى مدينة نابلس وبلدتها القديمة تحديدًا، افتقد الأهالي هذا العام أيضًا احتفالية "الشعلة" بمنتصف شعبان، وهي عادةٌ قديمةٌ يُوقد أهالي المدينة خلالها "الشعلة" على أسطح منازلهم، وعلى قمم الجبال، إيذانا بدخول منتصف شعبان، وقرب شهر رمضان.

وخلال السنوات العشر الأخيرة، أعاد أهالي المدينة إحياء "الشعلة" مجددًا، بعد توقفها مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000م وما رافقها من اجتياحات للمدينة، عادوا يقيمون احتفالات جماعية، يخرج فيها الأطفال، يحملون الشعلات النارية برفقة "عدة الشيخ نظمي" (أهم الفرق الصوفية، التي تخرج في المناسبات الدينية، بالرايات والدفوف والطبول) فتجوب البلدة القديمة، وتنشد الأناشيد الدينية.

كاريكاتـــــير