شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م00:11 بتوقيت القدس

الاحتلال والحصار أصاباه في مقتل..

2019م.. ملامح "الحق في الصحة" التي شوّهها الانقسام

29 ديسمبر 2019 - 09:49

غزة:

غزة: "وزارة الصحة في رام الله أرسلت 8% فقط من احتياجات القطاع السنوية للأدوية والمستهلكات الطبية منذ بداية عام 2019م".

رام الله: "ما نرسله إلى مستودعاتنا في قطاع غزة، يأتي استجابةً لحاجات أهلنا هناك، وبناءً على طلبٍ من إدارة تلك المستودعات، وبالأصناف المطلوبة".

التصريحان السابقان صدرا مؤخرًا عن وزارة الصحة الفلسطينية في كلٍ من قطاع غزة ومدينة رام الله، ورغم تناقضهما إلا أنهما استطاعا تلخيص واقعٍ مؤلم للقطاع الصحي خلال عام 2019م، عندما عكسا عمق أزمة الانقسام ومساسها بـ"صُلب الإنسانية" عندما لم توفِ بحق المواطنين/ات في الخدمات الصحية الأساسية، خصوصًا في قطاع غزة.

الانقسام السياسي جعل الوضع الصحي "ضحية" التجاذبات والمناكفات بين هنا وهناك

في التفاصيل، كانت وزارة الصحة بغزة أصدرت تصريحًا قالت فيه: "إن ما وصل من أدوية ومستهلكات طبية بلغت قيمته 3.2 مليون دولار، من أصل 40 مليون دولار، أي ما يمثل 8% من الاحتياج السنوي، وهو المعدل الأسوأ منذ سنوات"، ليرد القائمون على الوزارة في رام الله بالقول: "الوزارة زوّدت مستودعات القطاع بأدوية ومستلزمات طبية بما قيمته 45,158,911 شيكلًا، كان آخرها شحنة أدوية تم إرسالها مطلع تشرين ثاني/ نوفمبر"، مرفقةً رقمَ الإنفاق على صحة المواطنين هناك خلال العام الماضي 2018م، وبلغ حسب التصريح 57,218,899 شيكلًا.

ورغم أن الحصول على الرعاية الأولية، يعدُّ حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان في أي مكانٍ في العالم، إلا أن الانقسام السياسي جعل الوضع الصحي "ضحية" التجاذبات والمناكفات بين هنا وهناك.

ويمكن الاستشهاد على ذلك بجملةٍ من المؤشرات، نبدأها بالوعودات التي قدمتها د.مي كيلة بعد تولّيها منصب وزيرة الصحة خلفًا للدكتور جواد عوّاد ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة التي أقرّها الرئيس محمود عباس في أبريل 2019م، حين أكدت أن جُل تركيزها سيدور حول الرعاية الأولية والمستشفيات وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين وتوطين الخدمات الصحية.

مرضى السرطان

بعد ذلك بوقت، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها ستتوقف عن تحويل المرضى الفلسطينيين إلى مستشفيات الاحتلال الإسرائيلي، واستبدالها بمستشفيات الضفة الغربية والقدس والأردن ومصر، تحت مبرر أن "الأتعاب التي تتقاضاها مالية المستشفيات الإسرائيلية باهظة جدًا مقابل الرعاية الأولية المقدمة، سيما وأن الاحتلال يقتطعها من الضرائب التي يجبيها نيابةً عن السلطة".

خلافٍ بين مستشفى المطّلع –أوغستا فكتوريا- ووزارة الصحة الفلسطينية، عقب توقّف المستشفى المقدسي لأكثر من 20 يومًا عن استقبال المرضى الذين تحوّلهم الوزارة إليه بسبب تراكم الديون

وشهد شهر يوليو توقيع وزيرة الصحة اتفاقية شراء خدمة مع مركز الحسين للسرطان في الأردن، لتحويل مرضى ومريضات السرطان في الضفة الغربية ممن لا يتوفر علاجهم في المستشفيات الفلسطينية، بينما يتم تحويل مرضى ومريضات قطاع غزة الذين تتزايد شكواهم من خدمة العلاج بالخارج إلى مصر.

أزمة أخرى طفت إلى السطح خلال شهر تشرين أول/ أكتوبر، تلخصت بخلافٍ بين مستشفى المطّلع –أوغستا فكتوريا- ووزارة الصحة الفلسطينية، عقب توقّف المستشفى المقدسي لأكثر من 20 يومًا عن استقبال المرضى الذين تحوّلهم الوزارة إليه بسبب تراكم الديون، حتى باتت غير قادرة على تسديد فواتير الأدوية للشركات.

ويستقبل المطّلع نحو 15 ألف مريض ومريضة سرطان تحوّلهم وزارة الصحة الفلسطينية، بينهم 5000 مريض من قطاع غزة.

وبينما قالت إدارة المستشفى: "إن مجموع الديون على السلطة بلغت 200 مليون شيكل"، اتخذت السلطة قرارًا بتحويل مبلغ 20 مليون شيكل للمستشفى، وهو ما عدّته الأخيرة "غير كافٍ".

مع نهاية أكتوبر أعلنت وزيرة الصحة التوصل إلى اتفاق يُنهي الأزمة، عقب اجتماعٍ مع إدارة المستشفى.

شهداء وجرحى

وواصلت قوات الاحتلال اعتداءاتها على المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فوفقًا لما رصدته شبكة "نوى" تجاوز عدد الشهداء حتى ديسمبر 280 شهيد وشهيدة، بينهم أطفال، وثلاثة أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وفي الضفة الغربية، وثّقت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" استشهاد 34 مواطنًا ومواطنة، بينهم طالبة ومسنة أطلق الاحتلال صوبهما الرصاص ومنع إسعافهما حتى استشهدتا.

أما في قطاع غزة، فقد بلغ عدد الشهداء في "مسيرات العودة" السلمية الأسبوعية التي انطلقت منذ مارس 2018م على الحدود الشرقية للقطاع، 215 شهيدًا (115 شهيدًا/ة منهم خلال عام 2019م فقط) بينهم 47 طفلًا وسيدتين، بالإضافة إلى 19069 جريحًا، بينهم 4923 طفلًا و860 امرأة.

أضف إلى ذلك 34 مواطنًا استشهدوا خلال عدوانٍ شنّه الاحتلال الإسرائيلي، واستمر لمدة ثلاثة أيام خلال نوفمبر، بين الشهداء كان 8 أطفال و3 سيدات.

وأفاد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن ثلاثة أطفال على الأقل في قطاع غزة يتعرضون للإعاقة الدائمة كل شهر نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، وأنه في العام الماضي وحده، أصيب 172 فلسطينيًا/ةً، بإصابات تسببت لهم بإعاقات دائمة، بينهم 36 طفلًا.

مهددات الواقع الصحي

وكان العام 2019م، افتُتح بتحذيراتٍ من وقوع "كارثة" أطلقتها وزارة الصحة في قطاع غزة، إثر تناقص كميات السولار المتوفرة للمستشفيات، إلى أن توقفت خدماتٌ حيويةٌ أساسية في مستشفى بيت حانون شمال قطاع غزة، ما أعلنَ رسميًا أن الأزمة دخلت مرحلةً خطيرة، امتدت حينها إلى 5 مستشفيات أخرى هي: مستشفى الرنتيسي للأطفال المصابين بالسرطان، ومستشفى العيون ومستشفى النصر للأطفال، ومستشفى الطب النفسي -وكلها في غزة- بالإضافة إلى مستشفى أبو يوسف النجار في رفح. جنوب القطاع.

الأزمة تجددت في منتصف العام على شكل "نقص أدوية"، لتطال عصب الخدمات الصحية كما صرّح حينها د.أشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة، "إذ نفد 52% من الأدوية الأساسية، ومن ضمنها الحليب العلاجي، والمكملات الغذائية لأكثر من 500 طفل في مستشفيات قطاع غزة".

وأضاف القدرة: "لقد شهد العام 2018م وفاة 56 حالةً لم يسمح الاحتلال لها بالعلاج خارج قطاع غزة، ولا بتوفير الدواء لها في غزة، بينما بقي 45% من المرضى يعانون من حرمانهم حقهم في العلاج بالخارج".

ضمن تلك النسبة التي ذكرها القدرة 150 مريضًا بالفشل الكلوي، بالإضافة إلى 190 طفلاً يعانون من عدم توفر أنابيب نقل الدم، إضافة إلى عدم توفر بعض أدوية السرطان ما يجعل كل البروتوكول العلاجي الخاص بهم بلا جدوى.

يأتي ذلك بينما تشهد المستشفيات الفلسطينية تراجعًا في الدعم، نتيجة وقف التمويل الأمريكي المقدم للمؤسسات والمنظمات التي توفر خدمات الرعاية الأولية للفلسطينيين.

ووفق تقريرٍ لشبكة السياسات الفلسطينية، فإن الافتقار إلى موفري الرعاية المدرَّبين، يُسهم إلى حدٍ كبير في تدني الرعاية الأولية ومخرجاتها في فلسطين التي لا يتوفر فيها سوى أربع كليات طبية، بينما لا يوجد في الضفة الغربية التي يقطنها ثلاثة ملايين نسمة سوى ستة أطباء متخصصين في الأورام، بالإضافة إلى سبعة في مناطق شرقي القدس، وثلاثةٍ فقط في غزة.

الصحة الإنجابية

ووفق التقرير ذاته يحرز الفلسطينيون نتائج أفضل في مؤشرات العمر المتوقع ووفيات الأمهات والرضع والأطفال مقارنةً بدولٍ عربية أخرى، عازيًا ذلك إلى ارتفاع معدلات التعليم في فلسطين وجهود وزارة الصحة في توفير الرعاية الأولية الأساسية.

لكن رغم ذلك تفوق معدلات وفيات الأمهات الفلسطينيات والرضع، معدلات وفيات الإسرائيليين بأربعة إلى خمسة أضعاف، إذ يحصل الإسرائيليون على مطاعيم لا يحصل عليها الفلسطينيون مثل تلك الخاصة بجدري الماء والالتهاب الرئوي.

تأثير العدوان الإسرائيلي على النساء الفلسطينيات كان كبيرًا، حيث استشهدت أكثر من 250 امرأة، منهن 16 حاملًا

وشهد عام 2019م، وفاة سيدتين أثناء الولادة في مستشفيات قطاع غزة، هن نور القطّاع وإيمان معمّر، بينما شهد العام ذاته ولادة الكثير من النساء على حواجز الاحتلال في الضفة الغربية.

وأوضحت دراسةٌ أعدها صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية، ومنظمة الصحة العالمية في أكتوبر الماضي، أن تأثير العدوان الإسرائيلي على النساء الفلسطينيات كان كبيرًا، حيث استشهدت أكثر من 250 امرأة، منهن 16 حاملًا، إضافةً إلى تعليق العمل في ستة أقسام ولادة بسبب الدمار الذي لحق بست مستشفيات، كما أدى التدفق الكبير لأعداد الجرحى أثناء فترات التصعيد والعدوان الإسرائيلي، إلى استخدام أقسام الولادة لعلاج الحالات الجراحية، ما أدى إلى تراجع الخدمات المقدمة للسيدات الحوامل.

وفي الضفة الغربية أوضحت شذى عودة مدير عام لجان العمل الصحي، أن 20% ممن يتزوجون في فلسطين لم تبلغ أعمارهم 20 عامًا، مما تسبب بالكثير من حالات الحمل المبكر، وزاد من مخاطر التعرض للإجهاض، وفقر الدم والعنف، ناهيك عن احتمالية الوفاة.

المستشفيات

وأثارت قضية إنشاء المستشفى الميداني الأمريكي بالقرب من حاجز بيت حانون شمال قطاع غزة، الجدل مؤخرًا، حين جاء بناؤه كحصيلة لتفاهمات التهدئة التي أُبرمت بين الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية على رأسها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، برعاية مصرية أممية وبتمويل قطري.

وتقول حماس "إن إنشاء المستشفى يأتي في ظل تأثير الحصار الكبير على الأوضاع الصحية في قطاع غزة، بسبب سياسة الاحتلال وإهمال الحكومة الفلسطينية في التعامل مع مرضى القطاع".

في ذات الوقت لخّصت وزيرة الصحة مي الكيلة موقف الحكومة من إنشاء المستشفى دون التنسيق مع القائمين على الوزارة بالضفة الغربية بـ "الرفض القاطع" كون المشروع "يندرج ضمن صفقة القرن ومخطط فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية" على حد تعبيرها.

وكردٍ على المستشفى الميداني سارعت وزارة الصحة الفلسطينية، ببحث تسريع تشغيل مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني في قطاع غزة، وذلك خلال لقاء وزيرة الصحة مع رئيس الوكالة التركية للتعاون الدولي "تيكا" أحمد رفيق شتنكايا الذي توقّع أن يصادق البرلمان التركي على الموازنة التشغيلية للمستشفى مع نهاية العام 2019م".

يأتي هذا التجاذب بينما تتواصل حملة #رفح_بحاجة_لمستشفى، التي يطلقها نشطاء وناشطات من سكان مدينة رفح الواقعة جنوب قطاع غزة، لإثارة قضة حاجة المدينة المقدّر عدد سكانها بربع مليون، إلى مستشفى متكامل.

وزارة الصحة في غزة أعلنت قبل شهرين وضع حجر الأساس لمشروع مجمّع رفح الطبي بعد وصول تبرعات للبدء بالمشروع، لكن حتى الآن لا مؤشرات إيجابية توحي بأن المستشفى يمكن أن يتم البدء ببنائه فعليًا، بالتالي سينتقل الهاشتاج #رفح_بحاجة_لمستشفى إلى العام 2020م، مرة أخرى.

وفي تقرير صدر مؤخرًا للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، رصد واقع الحق في الصحة، قدّر عدد الفلسطينيين والفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة بـ 4,816,503، بزيادةٍ قدرها (2.8%)  عن العام الذي سبقه، مبينًا أن موازنة وزارة الصحة بلغت (1,787,731,915) شيكل من الموازنة العامة البالغة (16,559,061,000) شيكل، أي بنسبة 10.8%  .

ولاحظ تقرير الهيئة أنه لا زيادة في عدد العاملين بقطاع الصحة رغم الزيادة الطبيعية في عدد السكان، بينما لم تزد المستشفيات الحكومية عن 27 مستشفى، بينما لم يطرأ أي جديد على عدد مراكز الصحة الأولية المنخفضة أصلًا والبالغ عددها 466 مركزًا.

ويعني الحق في الصحة ضمن تعريف منظمة الصحة العالمية "أن الدول يجب أن تهيئ الظروف التي يمكن فيها لكل فرد أن يكون موفور الصحة بقدر الإمكان"، وهذا ما لم يحدث في فلسطين –على الأقل خلال عام 2019م.

لقد شهد "الحق في الصحة" انتهاكاتٍ عميقة كلّفت عددًا كبيرًا من الفلسطينيين "أرواحهم" حرفيًا، عندما تقاعس المنقسمون في الضفة الغربية وقطاع غزة عن الإيفاء بالتزاماتهما إزاء إعمال هذا الحق.

قصورٌ جليٌ لا يختلف على رؤية ملامحه اثنان، أصاب أهم حقٍ من حقوق الإنسان في مقتل بسبب انقسامٍ بين شقي الوطن، وتجاذباتٍ تلاعبت بأرواح الكثيرين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما بين "تحويلات طبية تأخّرت، وواردات أدوية بالحد الأدنى، وتقليص كميات الوقود لإمداد المستشفيات، وتصريحاتٍ كيدية، وسوء إدارة في أوقات التصعيد والأزمات، ومديونيةٍ عاليةٍ للمستشفيات تسببت بتعطيل بروتوكولاتٍ علاجية هامة"، فهل سيتغير مشهد الواقع الصحي خلال عام 2020م؟ يأمل الفلسطينيون أن يحدث ذلك.. لكن ليس نحو الأسوأ.

كاريكاتـــــير