شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م20:21 بتوقيت القدس

عندما يخطف القصف ثلاثة أشقاء من حضن أمهم

14 نوفمبر 2019 - 17:08

غزة:

بصعوبة تحاول السيدة أم فتحي عبد العال تلقي التعازي من قبل النساء اللواتي حضرن لمواساتها باستشهاد ثلاثة من أبنائها الذين قتلتهم  طائرات الاحتلال الإسرائيلي يوم أمس الأربعاء أثناء وجودهم قرب منجرة والدهم في حي الشعف إلى الشرق من مدينة غزة.

تغلق عيناها بقوة وتعود للنظر بعمق في صور أبنائها الثلاثة المعلّقة على جدران المنزل، فالشبان الذين لطالما ضج بيتهم الذي لا يتجاوز 200 مترًا بصوت ضحكاتهم باتوا ذكرى مؤلمة لوالدتهم التي لم تصدق بعد أنها لن تراهم أبدًا، استشهاد فرد واحد كافٍ بقلب ميزان الحياة فما بالنا بثلاثة أشقاء دفعة واحدة.

"أحمد 24 عامًا"، ابراهيم "18 عامًا" واسماعيل "16 عامًا"، ثلاثة أشقاء من بين 16 فردًا (11ذكور-5 إناث)، من حي الشعف الشعبي المكتظ بالسكان وهو قريب من الشريط الحدودي شرق مدينة غزة.

تسرد أم فتحي ما جرى يوم أمس :"كنت أرتب البيت وأحضّر طعام الغداء بشكل عادي كما أفعل في مثل هذا الوقت من كل يوم، سمعت صوت قصف قريب من المنطقة، استبعدت أن يكونوا هم الضحايا".

شيء ما لم يكن مريحًا لقلبها الذي انقبض فجأة، مع صوت سيارات الإسعاف وصراخ الناس، حتى تقلت اتصالًا يفيد بإصابة أبنائها، هرعت برفقة جدة الأولاد إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، وهناك علمت باستشهاد اثنين منهم، وبعد أقل من ساعة لحق بهم أحمد.

تمسح السيدة وجهها الذي ظنّت أنه يتصبب عرقًا رغم برودة الجو مستخدمة حجابها ثم تضع يدها على فمها وتضغط عليه بقوة منعًا لخروج صرخة ألم، وتقول :"كنت أستعد لحفل زفاف أحمد، هو خطب في شهر يناير وتأجل زفافه حتى أبريل القادم بسبب الأوضاع المادية، أراد أن يكون زفافه في نفس شهر ميلاده هو وخطيبته التي لم تستفق بعد من الصدمة".

الخطيبة أعيتها الصدمة، إذ كانت تجلس في الغرفة التي يفترض أنها ستجمعها بأحمد بعد خمس شهور من الآن، لكن ها هو الاحتلال يحرمها فرحة عمرها، أما والدته التي ارتدت اللون الأسود بدلًا من فستان أم العريس، فتعقّب: “كنا نستعد لزفافه، نجاهد من أجل إتمام بناء شقته وتوفير الأثاث لها والستائر والملابس الجديدة، تخيلت له حياة زوجية هانئة وأطفال أحملهم كما حملته صغيرًا، ولكن ضاع مني في لحظة".

أما الطفل اسماعيل "16 عامًا" فهو كما تؤكد ابن البيت المدلل، مطيع يسمع الكلام ومقرّب من أخواته البنات، كان يحب العمل في النجارة، هي مهنة والده لكن كانت طموحًا بالنسبة له، فهو يتطوّع لمساعدة والده حتى أصبحت يداه تجيدان المهنة من نعومة أظافره.

تقول الأم الجالسة وسط المعزيّات المرتديات اللون الأسود :" إبراهيم في الثانوية العامة ولكن أيضًا كان يحب النجارة، أبنائي الثلاثة نشيطون منذ صغرهم، يحبون العمل، لم يكن مطلوبًا منهم ذلك ولكن لطالما تطوعوا لمساعدة أبيهم".

دينامو البيت اسماعيل غادره للأبد، صاحب النكتة ذو الوجه البشوش لن يبتسم بعد الآن، أحمد لن يدخل صالة الفرح برفقة والدته على وقع أغنية "يا أم العريس" التي اعتادت النساء الفلسطينيات الرقص عليها حاملات الشمع في أفراح أبنائهن، ابراهيم لن يحصل على شِهادة الثانوية العامة فقد نال الشَهادة، هكذا حرم الاحتلال أم فتحي أبناءها الثلاثة في لحظة واحدة دون أي ذنب.

أما جدّتهم، والتي لم تتوقف عن البكاء سوى لبضع لحظات تعود بعدها للانهيار من جديد، فتقول باللهجة العامية :"ما أعز من الولد إلا ولد الولد"، والاحتلال الإسرائيلي أخذ مني ثلاثة مرة واحدة كانوا أعز عندي من والدهم الذي أنجبته".

تضيف الجدّة المكلومة :"الاحتلال الإسرائيلي يقتل أطفالنا وشبابنا لننسى أننا أصحاب حق"، وتكمل إن صاحب الحق دائمًا قوي ونحن واثقون من نصر الله لنا في النهاية، الاحتلال لن يستمر إلى الأبد مهما فعل.

ومن وسط دموعها ونحيبها وبصوت متقطّع تتابع :"الله يرحمهم على قدر محبتي إلهم، وينتقم من الاحتلال المجرم، أحفادي كانوا جالسين قرب منجرتهم بشكل عادي، طلعوا من البيت شباب زي الورد ليش يرجعوا لي جثث محمولين على الأكتاف".

كانت العجوز التي قاربت الثمانين تمنّي نفسها بيوم زفاف جميل لأحمد، منذ أكثر من شهر وهو تسأل عن أجمل ثوب لجدة عريس، وتسأل عن فقرات مبهجة للفرح ولكن حرمها الاحتلال فرحة هذا اليوم، وتعلّق:"مش قادرة أتخيل الدار بدونهم مش عارفة كيف بدنا نكمل واحنا فقدنا شباب زي الورد".

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت لعلى مدار ثلاثة أيام منذ 12-14 نوفمبر جرائم قصف في قطاع غزة راح ضحيتها 34 مواطنًا بينهم ثلاث نساء وعدد من الأطفال، فيم أصيب نحو 80 آخرين وتم تدمير عدد من منازل المواطنين، بينما ردت المقاومة الفلسطينية في غزة باستهداف بعض مستوطنات الاحتلال في محيط غلاف غزة بقذائف محلية الصنع.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير