شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م09:00 بتوقيت القدس

العدوان على غزّة.. لحظات بين الموت والحياة

13 نوفمبر 2019 - 10:57

قطاع غزّة:

بهت لون السّماء في غزّة إذن، سحابات سوداء عكّرت صفوها بفعل صواريخ إسرائيلية ضربت منشآت مدنية مستهدفة مدنيين في منازلهم، راح بهاء وراحت أسماء، ولحق بهما محمّد وزكي وإبراهيم وعبد الله وعبد السلام وراني وجهاد وخالد، ربّما التقوا جميعهم في حلم العيش بوطن آمن محرّر من الاحتلال، منزل جميل تزيّن أسواره أشجار خضراء وجلسات سمر عائلية، حلم بالتأكيد لم يكتمل، فصواريخ الاحتلال أقرب ما يمكن إلى الواقع في غزّة.

المعروف سلفاً أن القطاع بأكمله بيئة خصبة بالأحداث الميدانية، فخلال عقد من الزمن شنّت إسرائيل عدوانات عنيفة ثلاث مرّات حصدت أرواح الآلاف من سكّانه، وما بينها، تخللها جولات تصعيد إسرائيلية عملت بدورها على قتل المزيد من السكّان، حتى وان اعتقدوا أنهم آمنين في منازلهم، إلا أن هذا الأمر ليس مرئياً أمام الاحتلال، فالكل مستهدف هنا.

فجر الثاني عشر من نوفمبر / تشرين الثاني للعام ٢٠١٩، اغتالت طائراتٌ إسرائيليةٌ، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا ٤٢ عاماً، بإطلاق صاروخ على منزله شرق الشجاعية، ما أدى أيضًا لاستشهاد زوجته أسماء أبو العطا ٣٩ عاماً.

كما واصلت الطائرات هجموها ضدّ الفلسطينيين لتقتل أيضاً كلاً من محمّد حمودة ٢٠ عاماً، وزكي غنامة ٢٥ عاماً وإبراهيم الضابوس ٢٦ عاماً، وعبدالله البلبيسي ٢٦ عاماً، وعبد السلام أحمد ٢٨ عاماً، ومحمد أبو شكل ٣١ عاماً، وراني أبو النصر ٣١ عاماً، وجهاد ابو خاطر ٢٢ عاماً، وخالد فراج ٣٩ عاماً، هؤلاء الضحايا حتى نشر هذه المادة، فالمزيد من الفلسطينيين مرشّح للموت في كلّ آن!

وأمّا الأموات مع وقف التنفيذ، حسبما يصفون أنفسهم، الأحياء الذين يعيشون في غزّة ويبلغ عددهم نحو أكثر من مليوني إنسان هكذا يصفون مشاعرهم، الكاتب مصطفى ابراهيم يتحدث عن استهداف مكتب الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والذي يقع وسط مدينة غزّة "عندما يكون القصف بصاروخ يعني الموت بجوارك، ولا تعرف أين وتبحث عن أصدقائك وزملائك، ودقائق للخروج من الصدمة والرعب المميت خوفًا وليس قلقا، ويأتي الفرج ودموع الفرح والحزن، إنهم أمامك مشوشين والغبار يغطيهم غير مصدقين وأنت غير مصدق، كيف لا تعلم إلا انها قدرة الله وربما الحظ، غزة لحظات بين الموت والحياة".

الصحافي يوسف فارس كانت له قصّة أخرى، بين التغطية وبين إصابة أحد أقربائه، كتب على صفحته الشخصية في فيسبوك "لا أدري إن كُنت اليوم محظوظاً أم مثيراً للشفقة، انعطفت بالسيارة إلى مستشفى الأندونيسي شمال غزة، بعد أن كنت متوجهاً إلى جنازة أبو سليم، على وقع اتصال هاتفي: يوسف وين انتا؟ طالع ع الجنازة - ابن عمك - أخو زوجتك- استشهد"، مضيفاً "لا أدري كيف طرت من شارع صلاح الدين إلى المستشفى، على بابه، قابلي أحدهم: أنا إلي حملت البطل.. الله يرحمه.. تبكيش.. امسك حالك، على الهاتف أمي.. ابن عمي.. أخي.. كل خلق الله، دارت الأرض في رأسي دورتها الكاملة".
وصل شقيق ابراهيم، ومعه خبراً بأن أخيه مصاب، استجمع يوسف قوة الدنيا بأسرها وأخبره بما علم به من الجمهور المحيط بي، توقفت عجلة الكون، فجأة ... إبراهيم حي.. إبراهيم حي.. إصابته بليغة لكنه حي، يحكي يوسف ويتابع "نظرت للسماء: يا حبيبي يا رب خليه عايش
طرت للشفاء أحمل أمنيتي لله بأن يبقيه لنا وفي البيت.. مأتمٌ أقسمنا بكل أنبياء الله وأولياؤه بأنه حي حتى نسكته" سيل من التعليقات التي كتبها الناس ليوسف يتمنون الشفاء لإبراهيم، حتى تحوّل إلى سيل معاكس، بعد ساعة تقريباً، حين تم تأكيد خبر استشهاده، فالعريس الذي تزوّج مروة ابنة عمه قبل شهرين قد قتله الاحتلال اليوم.. مع السلامة يا إبراهيم، والصبر لك يا يوسف ولزوجتك وكل عائلتكما! هكذا تحوّلت ردود الناس.

 أهداب العجلة، ١٧ عاماً: "الباب قدامي مفتوح، معرفتش أهرب لحالي لما سمعت القصف، وقفت استنا اخوتي وامي نتجمع ونشرد مع بعض، بأوقات الحرب، العيلة هيا الاشي الوحيد اللي وعيك معلق فيه."
تقول أهداب التي تسكن في الطابق الثاني عشر من البرج الواقع جنوب غرب مدينة غزة على خط البحر، والذي تم استهداف شقة في الطابق الخامس به اليوم: "قفز البرج في الهواء بنا فجأة وقفزت كل أثاث المنزل معه، ثم سمعنا دوي انفجارٍ عصف بكل خليةٍ من أجسامنا عصفًا وأحسست بقلبي كأنه غصةٌ في حلقي ولم أقوى على التنفس لأتمكن من الصراخ".

 كل هذا في الثواني التي تلت قصف الطابق الخامس من البرج الذي تسكنه أهداب، لم تكن تعرف ما حدث، مضيفة "كُنّا نتابع الأخبار، لكننا كنا نظن أننا بأمان، انقطعت الكهرباء، و بدا كل الهواء المحيط بنوافذ المنزل قذراً أسوداً مخيفاً كالموت!، وظننا أن النيران تبتلع المبنى بأكمله!، والدتي وأخوتي الصغار يبكون ويصرخون، لا أدري كيف أخذنا أوراقنا الثبوتية واحتضنت حقيبةً من غرفتي وركضنا وعائلتي إلى الدرج الضيِّق!، نحن في الطابق الثاني عشر!، ولا مصعد يعمل!،هل سننجو!، هل سنستطيع الفرار قبل القصف التالي!، كُننا نركض، ومن حولنا الأطفال وكبار السن والنساء يبكين، كل شيءٍ يبكي!، رَجلٌ مُقعد، يحملون كرسيه المتحرك ويركضون به، سيداتٌ ورجالٌ لم يحملوا سوى هواياهم، والمبنى يحترق والدخان في بيت الدرج، بات قاتلاً!"
لا تدري في النهاية كيف وصلت للخارج مع أسرتها وبقية السكّان، وكيف أنهم للآن على قيد الحياة، ركضت تحمل على ظهرها حقيبتها المدرسية فيها كُتُب التوجيهي، كُتُبٌ ترسم مستقبلها على ظهرها، قنابل تمحو مستقبلها خلفها- هكذا ختمت -. 

كاريكاتـــــير