غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
لم يكن ذلك اليوم مختلفًا في حياة الطفل علي أبو صبحة، إلى أن صعد إلى سطح المنزل الذي نزحت إليه عائلته في مواصي خانيونس، جنوبي قطاع غزة. هناك، وهو يتابع تعبئة برميل المياه، شقّ انفجار عنيف هدوءَ المكان، فارتجّ السطح من تحته وسقط من أعلى الارتفاع مرتطمًا بأرضية مغطاة ببلاط الشوارع (الإنترلوك).
تلك اللحظة غيرت مجرى طفولته إلى الأبد. غاب عن الوعي، وبقي في العناية المركزة أسبوعًا كاملًا لإيقاف نزيف داخلي في البطن. وحين غادر المستشفى ظنّت عائلته أنّ الألم توقّف عند حدود تلك الإصابة، لكن ما كان ينتظرهم أعمق وجعًا وأشدّ وقعًا.
"بعد خروجه من المستشفى بأيام، بدأت عينه اليسرى تتغيّر. لم يكن هناك جرح ظاهر، ولا دم، لكن عليّ بدأ يشعر بتغبيش. خلال ثلاثة أيام فقط.. انطفأ النور تمامًا فيها".
تقول والدته: "بعد خروجه من المستشفى بأيام، بدأت عينه اليسرى تتغيّر. لم يكن هناك جرح ظاهر، ولا دم، لكن عليّ بدأ يشعر بتغبيش. خلال ثلاثة أيام فقط.. انطفأ النور تمامًا في عينه تلك".
طرقت الأسرة كل أبواب المستشفيات والأطباء المتخصصين بحثًا عن علاج يعيد لعينيه الرؤية، لكن الإجابة كانت واحدة: ضمور كبير في العصب البصري، وحاجة لعلاج غير متوفر في قطاع غزة، وتأخير أي يوم قد يعني فقدان الأمل نهائيًا.
حصلت العائلة على تحويلة طبية ونموذج خاص أشعل بصيص أمل في قلوبهم، لكن الأيام مرّت متثاقلة، والاتصال المنتظر لم يأتِ. بقي عليّ معلّقًا بين محاولة للنجاة، وانتظار يأكل روحه الصغيرة.

تروي والدته: "كان الحادث في شهر مارس الماضي، وما زال علي ينتظر. وكأي طفل يحاول أن يعيش حياته طبيعيًا، يذهب للمدرسة، يشارك أصدقاءه اللعب، ويحضر حلقات تحفيظ القرآن في المسجد".
لكن القدر لم يترك لطفولته مساحة. في أحد الأيام، وبينما كان يتوجه إلى المسجد، ارتطم بعموده. لم يُعر الأمر اهتمامًا وقتها، لكن في اليوم التالي بدا أثر الضربة واضحًا على عينه اليمنى، حيث تجمع الدم حول حدقة العين. طمأن الأطباء الأسرة بأن النزيف خارجي، لكن الرؤية لم تعد كما كانت.
"ما حدث لعلي انعكس علينا جميعًا. كلنا أمل أن يتمكن من السفر بأقرب وقت، وأن يستعيد طفولته التي فقدها مع فقدان جزء من بصره".
كان علي طفلًا محبوبًا، يلقّبه أصدقاؤه بـ"المدير". نشيط، اجتماعي، يركض إلى الجامع ويملأ الساحات لعبًا حتى المغيب. لكن إصابته الثانية هزّت عالمه الصغير. تراجعت رغبته في الخروج من المنزل، وصار يتحرك بحذر شديد، يخشى أي أذى قد يسرق ما تبقى له من بصر، فانتهى به الأمر ملتصقًا بأمه كظلّها الذي لا يفارقها.
علي أصغر أبناء العائلة، آخر العنقود، المدلّل، والروح التي كانت تبث الحياة في البيت. والدته لديها ستة أبناء، لكنه كان الأقرب إلى قلبها.
تقول: "ما حدث لعلي انعكس علينا جميعًا. لا يشغلنا اليوم شيء سوى ما حدث له. ورغم أننا لا نستطيع تقبّل ما جرى، لكنّنا متأكدون أنّ الله قادر على مساعدتنا. كلنا أمل أن يتمكن من السفر بأقرب وقت، وأن يستعيد طفولته التي فقدها مع فقدان جزء من بصره".
























