شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:29 بتوقيت القدس

يوافق التاسع من ديسمبر كل عام..

في اليوم الدولي لضحايا الإبادة الجماعية.. "غزّة" تروي قصتها

09 ديسمبر 2025 - 13:09

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تبدو صابرين سالم كمن يقف على حافة فاجعة لا يملك قدرة وصفها، لكنّها تحاول. تقول بصوتٍ يتهدّج: "أحلم بيومٍ تتحقق فيه العدالة لي ولعائلتي التي استشهد كل أفرادها في جريمة إبادة، 150 فردًا فقدتهم مرة واحدة، بينهم طفلاي قصيّ وأمير. لم يبقَ لي أحد".

ركامٌ ثقيل من الأسى يهبط في كلماتها. وحدها تعيش في خيمة باردة في دير البلح، وسط قطاع غزة، مجروحة بالفقد، محمولة على ألم النزوح والإصابة والحسرة الممتدة.

كانت تتشبث بما يشبه الأمان عندما أجبرهم الجيش الإسرائيلي في 8 ديسمبر/كانون الأول 2023م على النزوح من جباليا شمالًا، إلى منزل صديق للعائلة في شارع الوحدة بمدينة غزة. عائلة كاملة تجمعت تحت سقف واحد: أقارب، أنساب، أطفال، نساء، رجال. وفي ليلة 17 ديسمبر، حاصرت الدبابات المكان. فكروا بالخروج ورفع الراية البيضاء، لكن الخوف كان أثقل من الخطوة. وفي اللحظة التالية، بدأ القصف، ومعه -كما تقول- "بدأت الإبادة".

تضغط جفنيها بقوة وهي تستعيد المشهد: "فجأة وجدتني أطير في الهواء. كل أفراد العائلة طاروا بفعل الصواريخ. رأيت أجسادهم تتناثر في الشارع، وآخرين تحت الركام. رأيت دبابة تضيء ضوءها الأحمر وتدوس أجساد تسعة أطفال، بينهم طفلاي، ثم تدفنهم. غرست وجهي في الرمل من الرعب. كنت مصابة وأنزف، ولم ينقذني أحد".

في التاسع من ديسمبر من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي لتكريم ضحايا الإبادة الجماعية ومنع تكرارها، وهو يوم أقرّته الأمم المتحدة عام 2015م.

ترفع يدها إلى وجهها كمن يحاول صدّ الصورة، ثم تتابع: "بنات ابن خالي طرن فوق الشجرة مصابات. إحداهن بُترت ساقها، وأخرى استشهدت. وأكثر ما أوجعني حين عرفت أن شقيقي أحمد، وهو محامٍ، كان يصرخ مصابًا يطلب إسعافه، لكن جرافة إسرائيلية دفنته حيًا.. دفنوه حيًّا".

تستعيد بمرارة سنوات طويلة انتظرت فيها نعمة الأمومة قبل أن يأتي قصيّ ثم أمير، لتفقدهما في لحظة. استطاعت دفن أمير، بينما بقي قصيّ تحت الركام، تمامًا كباقي أفراد العائلة الذين ما زالت تبحث عن أثر لهم. وتقول: "لم ينجُ من المجزرة سوى 15 فردًا، كلنا مصابون. وحتى اليوم أنا بحاجة لعلاج".

في التاسع من ديسمبر من كل عام، يحيي العالم اليوم الدولي لإحياء وتكريم ضحايا الإبادة الجماعية ومنع تكرارها، وهو يوم أقرّته الأمم المتحدة عام 2015م. لكن ضحايا غزة ما زالوا -كما تؤكد صابرين- يبحثون عن العدالة التي تبدو بعيدة في ظل مهانة الموت المتكرر.

تتلفت داخل خيمتها التي تقيم فيها مع زوجها الذي نجا لأنه لم يكن معهم ساعة المجزرة. تقول بأسى ثقيل: "الكلام الذي ترفعه منظمات حقوق الإنسان لا يخفف شيئًا. أريد حقهم جميعًا.. أطفالي وأبناء عائلتي".

وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد استشهد أكثر من 70 ألف فلسطيني، بينهم أكثر من 18 ألف طفل، وأصيب أكثر من 170 ألفًا. أمام هذه الأرقام، يتساءل الناس: "أين تقف منظمات حقوق الإنسان الدولية من هذه الجرائم؟".

يتحدث المحامي سمير المناعمة من مركز الميزان لحقوق الإنسان عن حجم الانتهاكات التي وثقتها المؤسسات الحقوقية: جرائم متلاحقة طالت كل القطاعات، وعائلات أُزيلت بالكامل من السجل المدني بعد أن قُصفت بيوتها.

ويشير إلى أن محكمة الجنايات الدولية طالبت الاحتلال مطلع عام 2024م باتخاذ تدابير تمنع الإبادة، لكنه واصل القتل حتى بعد اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول 2025م، حيث استشهد 350 فلسطينيًا.

"ما جرى في غزة جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفق المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة لعام 1948م، التي تشمل القتل الجماعي، والإيذاء الجسدي والروحي، وفرض ظروف معيشية تؤدي إلى التدمير".

يؤكد المناعمة أن ما جرى في غزة جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان وفق المادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة لعام 1948م، التي تشمل القتل الجماعي، والإيذاء الجسدي والروحي، وفرض ظروف معيشية تؤدي إلى التدمير، مثل التجويع ومنع المساعدات.

ويضيف: "ما جرى يكشف عجز النظام الدولي. أما نحن كمنظمات فلسطينية فنلاحق العدالة بكل ما نملك، كي يتمكن الفلسطينيون من نيل حقوقهم السياسية والقانونية وتعويضهم عمّا أصابهم".

لكن الوصول للعدالة -كما يقول- يتطلب إرادة دولية غائبة، وحماية عاجلة للفلسطينيين وممتلكاتهم، وإجراءات تردع الاحتلال عن مواصلة جرائمه.

أما المحامي د.صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فيرى أن اليوم الدولي لضحايا الإبادة ليس مجرد ذكرى رمزية، بل مناسبة لإعادة تثبيت حق الضحايا في العدالة، وتوثيق الجرائم، وتفعيل الأدوات القانونية التي تمنع استمرار الإبادة، وتوفير الحماية الدولية، وتحقيق التعافي وإعادة الإعمار.

ويقول: "هذا اليوم فرصة لتعزيز التوثيق والمناصرة والضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بما يجري في غزة كإبادة جماعية، وتحويل الذكرى إلى أداة مساءلة عملية"، مؤكدًا أن التقييم الدولي لما يجري أصبح واضحًا: القتل الجماعي، التجويع، تدمير المساكن والخدمات، وفرض ظروف حياتية قاتلة بنية تدمير جماعة فلسطينية، كلها أركان مكتملة لجريمة الإبادة.

"المنظومة الدولية رغم دور مستشاريها المكلفين بالإنذار المبكر، فشلت في حماية الفلسطينيين بسبب الفيتو الأمريكي والدعم السياسي للعدوان، وضعف أدوات الأمم المتحدة، والانقسام الفلسطيني، وتراجع الدور العربي".

ويشير إلى أن الاعتراف لم يعد فلسطينيًا فقط، بل أقرّت به الأمم المتحدة وخبراؤها ومحكمة العدل الدولية ولجان تقصي الحقائق، وأن المنظومة الدولية رغم دور مستشاريها المكلفين بالإنذار المبكر، فشلت في حماية الفلسطينيين بسبب الفيتو الأمريكي والدعم السياسي للعدوان، وضعف أدوات الأمم المتحدة، والانقسام الفلسطيني، وتراجع الدور العربي، ما عزز الإفلات من العقاب.

ويضيف: "رغم ذلك، يشكل الاعتراف الدولي بالإبادة قاعدة قوية للمساءلة القانونية وضمان تعويض المدنيين المتضررين".

أما عن الخطوات المطلوبة مستقبلًا لحفظ حقوق الضحايا، فيعددها، ويلخصها بقوله: "التوثيق القانوني الشامل، وحماية الشهود والناجين، والتعويضات، وتحريك الملفات أمام المحكمة الجنائية الدولية، واستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية، وبناء تحالف حقوقي عالمي، وإعادة الإعمار، وتعزيز الاستجابة الإنسانية، وتقديم برامج الاستشفاء والتعافي للضحايا، إلى جانب حملات توعية لحفظ الذاكرة ومنع الإنكار.

كاريكاتـــــير