شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:29 بتوقيت القدس

حصلت حلا سلمي على معدل 97% في توجيهي

على بسطة بسكويت أمام بوابة "جامعة".. حلمٌ ينتظر الدخول!

08 ديسمبر 2025 - 12:15

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لم تكن حلا سلمي، الطالبة المتفوقة، تتوقع يومًا أن يصبح باب الجامعة الإسلامية، التي حلمت أن تكون مقعدها الأول نحو مستقبل "طبيبة"، هو ذاته المكان الذي يختبر انكسارها اليومي.

تقف عند البوابة ذاتها التي كانت تتمنى أن تدخل من خلالها، لكنها الآن تقف أمامها كبائعة بسيطة، تعرض بسكويتًا على العابرين، بينما تمرّ أمامها أحلامها ببطء، تلوّح لها وتبتعد.

تقول بصوتٍ يمزج بين صلابة لا تريد الاعتراف بالهزيمة وحزنٍ لا يمكن إخفاؤه: "أنا فخورة بنفسي، لكن كل يوم أرى صديقاتي يدخلن الجامعة، وأنا أقف عند الباب أبيع البسكويت فقط.. أشعر بالحزن".

"أنا فخورة بنفسي، لكن كل يوم أرى صديقاتي يدخلن الجامعة، وأنا أقف عند الباب أبيع البسكويت فقط.. أشعر بالحزن".

نزحت عائلة حلا من حيها شرقي مدينة غزة، كغيرها من آلاف العائلات التي ابتلعتها الحرب، ودفعتها إلى خيمة لا تقي بردًا ولا تعبًا. لم يكن أمامها خيار الانتظار، ولا رفاهية أن تؤجل الحياة إلى ما بعد الحرب. افتتحت بسطة صغيرة داخل الجامعة، نقطة البيع الوحيدة التي تمتلكها اليوم، تساعد بها أهلها بما تيسر، ولو كان قليلًا أمام احتياجات عائلة فقدت كل شيء تقريبًا.

كانت تقضي نهارها بين أصوات الطالبات وخطواتهن السريعة عند البوابة، تبيع ما استطاعت، وتعود ليلًا إلى الخيمة لتدرس على ضوء خافت يعاند العتمة. وعلى الرغم من كل ذلك، اجتازت الثانوية العامة قبل شهر، وحققت معدل 97% في الفرع العلمي؛ رقم يكفي ليصنع طبيبة، لكن الواقع يصنع لها ما هو أبعد من الحلم وأكثر قسوة منه.

تقول وهي تنظر إلى الطريق الترابي الممتد من خيمة عائلتها حتى الجامعة: "أشعر اليوم بالعجز تمامًا. لا مستقبل واضحًا أمامي. أرى قلب أبي يتعب كل يوم، يمشي عشرات الكيلومترات من الخيمة إلى حي الزيتون ليعود بربطة خبز مجانية، يخفف بها جوع يوم جديد".

حلمت حلا دائمًا بدراسة طب الأسنان. كانت تراه قريبًا، يرافقها من مقعد المدرسة حتى ورقة الامتحان الأخيرة. لكن كل شيء بدأ يتلاشى أمامها ببطء، كأن العلم أصبح رفاهية لا يحق لأبناء الحرب أن يفكروا بها.

"كل ما أريده هو أن ألتحق بزميلاتي. أن أصدر شهادتي. وأن أبدأ مشواري في دراسة طب الأسنان.. الحلم الذي ما زال معلّقًا عند هذه البوابة التي أمرّ بها كل يوم ولا أدخلها".

تصف صباحاتها بعبارة تنزف ألمًا: "كل صباح أشاهد صديقاتي يرتدين حقائبهن ويدخلن الجامعة. المكان الذي أحلم أن أنتمي إليه. لكن خطواتي تتوقف عند الباب. تبقى خلف السور.. تبيع البسكويت من أجل عائلتي لا من أجل حلمي".

أمها، التي تحاول أن تخفف عن قلبها، تخبرها كل يوم أن تعود إلى الخيمة عندما يحين موعد دخول الطالبات: "لا أريد أن تنكسر روحها أكثر"، تقول وهي تنظر إلى ساحة الجامعة التي كان يفترض أن تفتح لحلا أبواب المستقبل، لكنها اليوم تفتح جراحها فقط.

أما حلا فتصرّ أن الحرب لم تُبقها على قيد الحياة كي تقف خارج أبواب العلم، بل لتواصل الطريق الذي سلكته بصبر وعرق ودمع.

حلا واحدة من مئات الطلبة الذين خرجوا من الحرب بقلوب مثقلة وأحلام نازفة. عالقون بين الفقر والطموح، بين ما يستحقونه حقًا وما يمكنهم الوصول إليه.

تقول وهي تشير بيدها نحو البوابة: "كل ما أريده هو أن ألتحق بزميلاتي. أن أصدر شهادتي. وأن أبدأ مشواري في دراسة طب الأسنان.. الحلم الذي ما زال معلّقًا عند هذه البوابة التي أمرّ بها كل يوم ولا أدخلها".

حلا واحدة من مئات الطلبة الذين خرجوا من الحرب بقلوب مثقلة وأحلام نازفة. عالقون بين الفقر والطموح، بين ما يستحقونه حقًا وما يمكنهم الوصول إليه.

تسأل في نهاية حديثها سؤالًا يعلَق في الهواء طويلًا: "كل ما أتمنى هو أن تمنحني الحياة فرصة جديدة لأعيد حلمي إلى مكانه الطبيعي.. مقعد دراسي داخل قاعة الجامعة. هل هذا كثير؟".

كاريكاتـــــير