شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:30 بتوقيت القدس

اسمها "الكمالية" وتعود للعصر الأيوبي..

مدرسة أطول من عمر الاحتلال تنهض بين ركام غزة!

07 ديسمبر 2025 - 14:39

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

على وقع كلمات النشيد الوطني الفلسطيني الممزوج بعبق التاريخ في "مدرسة الكمالية" بمدينة غزة، يبدأ الطلبة يومهم في محاولة لاستعادة ما تبقّى من حياةٍ سُرقت منهم على مدار عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية. بيوت دُمّرت، مدارس مُسحت من الوجود، وأحلامٌ ما تزال معلقة بين الرجاء والتحدي.

"تحيا فلسطين عربية حرة"، يصدح الطفل خالد الغزالي (10 أعوام)، فيتردد صدى صوته في أرجاء المدرسة التي يعود تاريخ بنائها إلى العصر الأيوبي قبل نحو ثمانية قرون. وفي ذلك المشهد رسالة حياةٍ في وجه الموت: "لنا هنا جذور، وعلى هذه الأرض سنبقى".

داخل إحدى الغرف، يجلس خالد وأقرانه في الصف الثالث الابتدائي على الأرض من دون مقاعد دراسية، يتلقون تعليمًا وجاهيًا حُرموا منه طوال عامين من النزوح والقصف. يقول بصوت طفولي يصدح بالأمل: "أنا أحب المدرسة، وأتمنى أن أصبح مهندسًا".

يتحدث بفرحة غامرة عن عودته للتعليم، بعد شهور قاسية قضاها مع عائلته نازحين من مدينة غزة إلى الجنوب. وما إن عادوا إلى منزلهم القريب من مدرسة الكمالية، حتى وجد في المدرسة القديمة نبضًا يعيد إليه شيئًا من الحياة، رغم ما طال معالمها التاريخية من تدمير ممنهج.

يمرر الغزالي كفه الصغيرة على حجارة المدرسة، حجارة تكبر عمر دولة الاحتلال بقرون، ويقول: "قلت لأمي أريد بيتًا جميلًا مثل الكمالية". الحرب بدّلت نظرته للعالم، لكنها لم تنتزع حلمه؛ فهو يؤمن أن بإمكانه يومًا ما أن يساهم في إعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب. وبثقة يكرر: "غزة سترجع أحلى من الأول".

الطالبة جميلة الجيار ترى في التحاقها بمدرسة الكمالية "عودة إلى الحياة". وتقول لـ"نوى": "إن إيجاد مدرسة قريبة بعد كل هذا الدمار لم يكن أمرًا سهلًا، لكن العودة للتعليم الوجاهي كانت ضرورة لنعيد شيئًا من التوازن إلى أيامنا المضطربة".

حُرم نحو 674 ألف طالب من التعليم الوجاهي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/تموز 2025م. واستُشهد 17 ألفًا و175 طالبًا، وأُصيب 26 ألفًا و264 آخرون.

ووفق بيانات وزارة التربية والتعليم في غزة، فقد حُرم نحو 674 ألف طالب من التعليم الوجاهي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى يوليو/تموز 2025م. واستُشهد 17 ألفًا و175 طالبًا، وأُصيب 26 ألفًا و264 آخرون. كما استُشهد 928 معلّمًا وإداريًا، وأُصيب أكثر من 4400. فيما دُمّرت 144 مدرسة كليًا، وتضررت 165 أخرى جزئيًا، وطال الدمار معظم المدارس الخاصة ومدارس الأونروا.

وسط هذا الواقع، تدرك الجيار (17 عامًا)، وهي طالبة الصف الحادي عشر، أن طريق العودة إلى الدراسة لن يكون سهلًا، لكنها ما تزال متمسكة بحلمها أن تصبح معلمة تساهم في بناء مجتمعها، مؤمنة بأن التعليم هو الرافعة التي تنقل الشعوب من العتمة إلى النهوض.

عاشت الجيار تجربة النزوح بكل آلامها؛ خيامٌ بلا أمان ولا خصوصية، وأيام ثقيلة كُتبت عليها. لكنها تجاوزت الخوف، وعادت إلى مقاعد الدراسة، إلا أن فرحتها تبقى ناقصة. تقول: "الغياب الثقيل لصديقاتي اللواتي فقدتهن في الحرب، وعجز كثيرات عن العودة للتعليم، ظل جرحًا مفتوحًا يرافق لحظات انتصاراتي الصغيرة".

وبعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الماضي، استعادت مدرسة الكمالية شيئًا من روحها ضمن مبادرة "أمل رغم الألم"، كما تقول نائبة المديرة نسرين الدريملي لـ"نوى".

وتضيف: "العودة للدراسة من بين الركام والدمار رسالة صمود، خاصة في مدينة غزة التي تجرعت قسوة الفقد والتجويع الإسرائيلي".

مدرسة الكمالية، الوحيدة الباقية من العصر الأيوبي والناجية من حرب الإبادة، كانت بارقة أمل مكّنت مئات الطلبة من العودة لمقاعد الدراسة. كثيرون منهم بدأوا يفقدون أساسيات القراءة والكتابة من طول الانقطاع، فجاءت المبادرة كجسر يعيد إليهم بعضًا من القدرة على النهوض.

ويعود تأسيس المدرسة إلى عام 1237 ميلادي، وهي شاهدة على تحولات غزة على مر العصور. واليوم تستقبل أكثر من ألف طالبة على ثلاث فترات. تضم المدرسة 360 طالبة من الصف الأول حتى الرابع، و350 طالبة في المرحلة الثانوية، و350 في المرحلة الإعدادية، ويعمل فيها طاقم من معلمي الوزارة ومتطوعين مخلصين.

"بالتعليم نستطيع أن ننهض من جديد، ونستعيد حياتنا، ونثبت حقنا في مستقبل كريم وحُر. من هنا وُلدت مبادرة أمل رغم الألم، وإعادة فتح مدرسة الكمالية كعنوان للصمود في وجه محاولات الاقتلاع".

الدريملي، وهي أخصائية نفسية، لم تغادر غزة طوال الحرب. اختارت البقاء رغم الخوف والجوع وفقدان الأحبة. خسرت والدها السبعيني الذي استُهدف أمام منزله في حي الصبرة، وفقدت شقيقها إبراهيم (33 عامًا) بعد صراع مع السرطان، وخلّف وراءه أربعة أطفال وزوجة مفجوعة. وعلى صعيد الفقد المادي الإنساني، خسرَت منزلها وممتلكاتها أيضًا.

تقول بثبات رغم الألم: "بالتعليم نستطيع أن ننهض من جديد، ونستعيد حياتنا، ونثبت حقنا في مستقبل كريم وحُر". وتضيف: "من هنا وُلدت مبادرة أمل رغم الألم، وإعادة فتح مدرسة الكمالية كعنوان للصمود في وجه محاولات الاقتلاع".

كاريكاتـــــير