شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:31 بتوقيت القدس

صاحبة أراضٍ وابنة عز سرقت الحرب منها كل شيء..

حكاية "أمان".. وسط "رُعب" الخيمة!

07 ديسمبر 2025 - 13:16
السيدة أمان أبو طعيمة
السيدة أمان أبو طعيمة

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

أمان أبو طعيمة، ابنة العز التي عاشت أكثر من خمسين عامًا تتنعم بخيرات أرضها، تجلس اليوم في خيمة ضيقة لا تتجاوز أربعة أمتار! تتأمل تفاصيل حياةٍ مضت وانهارت دفعة واحدة. تقول بصوت يختلط فيه الأسى بالدهشة: "أكثر من نصف قرن، وأنا أزرع أرضي بنفسي وأعيش على خيرها من خضار وفواكه في بيتٍ واسعٍ يمتد على مساحة 200 متر، وها أنا أودّع كل حياتي السابقة وأعيش في خيمة لا أجد فيها سوى بؤس الحياة وبئس الطعام".

هكذا لخصت رحلة النزوح التي قلبت حياتها رأسًا على عقب، وهي التي كانت مزارعة عصامية، صاحبة أملاك، أمًّا لعشرة أبناء، وجدّة لـ35 حفيدًا، تعيش في بيت واسع في بني سهيلا، وتملك سبعة دونمات زراعية تعبت فيها عامًا بعد عام.

تركت أمان كل ما تملك خلفها، وهربت تحت القصف إلى مركز إيواء مكتظ، تقاسمت فصلًا دراسيًا مع عائلات أخرى، بلا خصوصية، ولا دواء يحميها من مضاعفات السكري.

تتذكر زواجها المبكر، حين بدأت العمل في الزراعة وهي بعمر 13 عامًا، وكيف صارت خبرتها تكبر معها حتى باتت تستأجر أراضٍ إضافية وتتاجر بالمحاصيل الموسمية، تبيع ما تنتجه، وتجود بخيرات أرضها لكل من يزورها. كانت تمتلك مزرعة دواجن وتعمل فيها بيديها، تعيل بيتًا وتبني مستقبلًا.

لكن كل ذلك تغير منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023م. تركت أمان كل ما تملك خلفها، وهربت تحت القصف إلى مدرسة تحولت إلى مركز إيواء مكتظ، تقاسمت فصلًا دراسيًا مع عائلات أخرى، بلا خصوصية، بلا دواء يحميها من مضاعفات السكري.

تقول بأسى: "تركت بيتي وبيوت أبنائي الخمسة التي بنيتها لهم. نزحت إلى مدرسة فقدت فيها كل معاني الخصوصية، حتى علاج السكر انقطع عني لفترات طويلة".

لم تستطع البقاء طويلًا داخل الفصل الدراسي، فاضطرت إلى نصب خيمة في ساحة المدرسة، بعدما أصبح صعودها للطوابق العلوية مستحيلًا. ومع الخيمة جاءت مشكلة الطعام الذي لم يناسب سنّها ولا وضعها الصحي، إذ كانت معتادة طوال حياتها أن تعتني بنفسها وتختار ما يناسبها من غذاء.

النزوح لم ينتهِ عند هذا الحد. أجبرت وعائلتها على الانتقال إلى رفح، لتبدأ رحلة جديدة مع الخيام، ثم جاء نزوح آخر في مايو 2024م، حين أعاد جيش الاحتلال دخول رفح. وجدت أمان نفسها مجددًا في الطريق، إلى أن وصلت إلى دير البلح، وسط قطاع غزة، حيث تقيم اليوم في خيمة صغيرة بمنطقة المشاعلة، فيما تتوزع خيام أبنائها وزوجاتهم بالقرب منها.

هناك، تجلس يوميًا تستذكر ما فقدته، تحصي فصول حياتها التي تحولت إلى ذكريات معلقة.

"سبع دونمات جهّزتها للموسم الجديد قبل الحرب. صرفت أكثر من خمسة آلاف دينار، زرعتها بالسبانخ والسلق. أرضي كانت حدودية قريبة من الخط الفاصل، ولهذا خرجنا فور بدء القصف".

تضيف: "سبع دونمات جهّزتها للموسم الجديد قبل الحرب. صرفت أكثر من خمسة آلاف دينار، زرعتها بالسبانخ والسلق. أرضي كانت حدودية قريبة من الخط الفاصل، ولهذا خرجنا فور بدء القصف".

تتنهد بحرقة وهي تستذكر كيف تعلمت الزراعة منذ صغرها، وكيف بات أبناؤها جميعًا يساعدونها فيها بعد أن دربتهم واحدًا تلو الآخر. تكمل: "أنا أصلًا ابنة مختار، تعودت الحياة المريحة منذ صغري، ولما كبرت كنت عصامية وعملت بنفسي. كلما نظرت إلى الخيمة تحسّرت على بيتي الذي بنيته بتعبي وعرقي".

لكن الخيمة كانت أقسى مما تخيَّلَت؛ ففي أحد أيام الشتاء غرِقَت بفعل المنخفض الجوي، ولم تجد ما يحمي أولادها وأحفادها من المياه، تقول بغصة: "وهل الخيمة تشبه البيت؟".

أصعب محطات رحلتها فكانت مرحلة المجاعة حين اضطر أحد أبنائها للذهاب نحو نقاط الموت: "كان يطلع وأنا إيدي على قلبي. لكنه مضطر ليوفر الطعام لأولاده.. كان يغامر".

يزيد ألمها غياب السلع الغذائية من الأسواق، وعدم قدرتها على شراء ما يناسب عمرها وصحتها. تشتكي: "البيض مفقود، واللحوم كذلك. حتى الفواكه وفرتها بصعوبة. أحزن كلما تذكرت كيف كنت أجود من خيرات أرضي على نفسي ومعارفي وكل من زارني".

تتذكر أمان حرب 1967م، وتقارن بينها وبين ما تعيشه اليوم، تقول: "صحيح أننا نزحنا واختبأنا داخل حفر مغطاة بالزينكو، لكنها لم تكن مثل ما يحدث الآن. اليوم كل شيء جنوني ومرعب".

أما أصعب محطات رحلتها فكانت مرحلة المجاعة حين اختفت البضائع، واضطر أحد أبنائها إلى الذهاب نحو نقاط الموت لجلب الطحين. تروي وعيناها تتسعان خوفًا: "كان يطلع وأنا إيدي على قلبي. كنت أخاف أموت من الهلع. لكنه مضطر ليوفر الطعام لأولاده.. كان يغامر".

وتستكمل حديثها عن أدوية السكري والغدة التي انقطعت عنها فترات طويلة، وعن انتظارها الطويل للحصول على فرشات تنام عليها. ورغم كل الألم تقول في النهاية: "كل ما أتمناه أن أعود إلى أرضي. صحيح أن بيتي صار ركامًا بفعل القصف، لكن خيمة على أنقاضه أفضل من خيمة في مكان آخر".

كاريكاتـــــير