شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:30 بتوقيت القدس

رضيعة ولدت بتشوهات خطيرة في الظهر..

عن العالقة في مساحةٍ ضيقةٍ بين الحياة والموت.. "حبيبة"!

07 ديسمبر 2025 - 12:34
الطفلة حبيبة رضوان
الطفلة حبيبة رضوان

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

تعيش حبيبة، بجسدها الصغير المثقل بما لا يشبه طفولتها، في مساحةٍ ضيقة بين الحياة والموت. تبدأ أمها، سهى رضوان، حديثها بصوت يختلط فيه الرجاء بالخوف: "أخشى أن يخدش الكيس أو ينفجر، فهذا قد يعرّض حياتها للخطر وقد تموت".

تمسك بطفلتها كما لو أنها تلمس حدَّ زجاج رقيق، تراقب كل حركة وكل نفَس وكأن العالم قد ينهار بمجرد شرخ صغير في ذلك الكيس الدموي الذي يلتصق بظهرها.

لا تسمح سهى لأحد بلمس ظهر حبيبة. تعيش في يقظة دائمة، تخاف على مستقبل صغيرتها كما تخاف على خيط حياة رفيع قد يُقطع في أي لحظة. الكيس الضخم الملاصق لعمودها الفقري ليس مجرد حالة طبية، بل تهديد يومي ينذرها بأن أي غفلة قد تسلب الطفلة قدرتها على الحركة إلى الأبد.

تعود سهى إلى أكتوبر/تشرين الأول 2023م، إلى ذلك اليوم الذي لم يغادر ذاكرتها. كانت في شهرها الرابع من الحمل، تقف قرب مدرسة مجاورة لمنزلها في خان يونس، حين دوّى القصف الإسرائيلي فجأة. أطفالها كانوا يلعبون أمام باب المدرسة، فركضت مذعورة وسط الغبار المتصاعد من حولها، تبحث عنهم في دخان كثيف مشبع برائحة البارود. لم تكن تعلم أن ذلك الهواء السام سيترك أثرًا خفيًا يتشكل ببطء داخل رحمها.

مرت الشهور تحت وابل القصف المستمر، وحين ولدت حبيبة، ظهرت الأكياس الدموية الكبيرة في ظهرها، ثم بدأت رحلة "الهرجومة"، ذلك التجمع الهائل للسوائل الذي تمدد من صدرها الصغير حتى بطنها وكتفيها وظهرها، وكأن الحرب تركت توقيعًا قاسيًا على جسد لم يعرف بعد معنى النجاة.

"طفلتي تعيش على المسكنات فقط. لا يوجد ما يخفف عنها حقًا في هذه الظروف القاسية، أحاول بكل قوتي، لكنني عاجزة أمام ألمها".

تحكي الأم أن جسد حبيبة بالكاد يتحمل الحركة. تغيير ملابسها يصبح مهمة شاقة تتطلب صبرًا وحذرًا، وحمّامها الأسبوعي معركة تنتهي غالبًا بوجع لا تستطيع الطفلة التعبير عنه إلا بصوت خافت. حتى إرضاعها يحتاج ترتيبات دقيقة كي لا ينضغط الكيس أو ينفجر.

تضيف سهى: "طفلتي تعيش على المسكنات فقط. لا يوجد ما يخفف عنها حقًا في هذه الظروف القاسية، أحاول بكل قوتي، لكنني عاجزة أمام ألمها".

تحمل سهى طفلتها يوميًا إلى مجمع ناصر الطبي في خان يونس، جنوبي قطاع غزة، تبحث عن أي بادرة تساعدها على البقاء. هناك، يحذر الأطباء من هبوط الكيس نحو منطقة العمود الفقري، مؤكدين أن وصوله إلى الحبل الشوكي يعني الشلل الكامل وربما فقدان الحركة نهائيًا.

تزيد الأم: "الوضع الصحي في القطاع لا يرحم: نقص حاد في الأدوية، غياب المعدات الجراحية، أجنحة مكتظة، وأطباء يعملون فوق طاقتهم. وسط كل ذلك، لا تحصل حبيبة إلا على الحد الأدنى من الرعاية، بينما وضعها يزداد سوءًا".

تعترف سهى بالعجز الذي تخفيه خلف قوة تُجبر نفسها عليها، وتقول إنها لم تعد قادرة على توفير البيئة التي تحتاجها طفلتها، ولا تستطيع انتظار "تحسنٍ قد لا يأتي".

تواصل المناشدة دون أن يتبدل صوتها الخائف: "علاجها غير موجود في غزة. تحتاج لجراحة دقيقة وأجهزة خاصة غير متوفرة هنا. أرجو أن تُنقل للعلاج خارج القطاع قبل أن يفوت الأوان".

تعيش حبيبة على حافة الموت، ضحية حصار إسرائيلي خانق وانهيار شبه كامل للمنظومة الصحية في غزة. طفلة لا تملك حتى القدرة على البكاء طويلًا، بينما تحمل أمها وحدها كل هذا الخوف، في عالم يضيق يومًا بعد يوم. تقول سهى، وهي تضم صغيرتها كما لو أنها تحرس الضوء الأخير في حياتها: "كل ما أرجوه اليوم هو فرصة لإنقاذ حياة ابنتي بعيدًا عن حدود الحرب.. هل يسمعني أحد؟".

كاريكاتـــــير