شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:30 بتوقيت القدس

شظية كبيرة اخترقت جمجمته وأصابت دماغه..

يزن.. ناجٍ يخشى "السُّقوط" من جديد!

04 ديسمبر 2025 - 12:02

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"أكثر ما يرعبني أن أسهو عنه قليلًا فيقع أرضًا"، بهذه العبارة تختصر ختام أبو جراد كل ما تحمله من فزعٍ يومي. لا تترك حفيدها يزن لحظةً واحدة، تراقب أنفاسه وارتجاف يده واهتزاز رأسه، وكأن أي حركة غير محسوبة قادرة على إعادة الجراح إلى نزيفها الأول، وكأن الألم يتحفّز عند كل التفاتة.

بالنسبة لختام، لم يعد يزن مجرد طفل جريح؛ إنه آخر ما تبقّى من عائلةٍ أُطفئت دفعة واحدة. نجا وحده بعدما قُتل والداه وشقيقه في الثاني عشر من نوفمبر 2023م، ليُوسم باللقب الأقسى: "الناجي الوحيد"، ويحمل وحده ذاكرة تلك الليلة التي لم تترك خلفها إلا أنقاضًا وألمًا.

تستعيد الجدة التفاصيل: في حي تل الهوى بمدينة غزة، عند منتصف الليل تمامًا، أصاب قصفٌ مباشر المبنى الذي كانت تقيم فيه عائلة يزن. تقول: "وردني اتصال يقول إن ابنتي وزوجها استشهدا، ركضت للمستشفى بلا وعي".. جملة تقطعها دموعٌ لم تهدأ منذ ذلك الحين.

في مستشفى الشفاء، وجدَت يزن وشقيقه الصغير على سريرين متجاورين؛ أحدهما يقاوم بجهدٍ يائس، والآخر يترنح على حافة الرحيل. لم يمضِ وقت طويل حتى سلّم الأخ الصغير روحه، تاركًا يزن وحيدًا بين الركام، الناجي الوحيد الذي كُتبت له حياة ناقصة من كل اتجاه.

كان يزن قادرًا على الكلام حين وصل المستشفى، لكن الصمت سرعان ما صار قدره. شظية كبيرة اخترقت جمجمته وأصابت دماغه مباشرة، ما أجبر الأطباء على استئصال جزء منها لإنقاذ حياته. ومن تلك اللحظة بدأت خسارته تتسع: فقد النطق، وتسلل إليه شلل وصعوبة حركة وضعفٌ شديد في التوازن، كأن جسده كله يتهجّى خطواته من جديد.

تقول جدته: "كلما حاول الوقوف أشعر أن قلبي يسقط. أخاف أن يقع، أن يتألم، أن أفقده أيضًا". تراقبه وهو يحدّق في الأطفال الذين يمشون أمامه، يحاول اللحاق بهم بعينين فقط، فيما جسده يخذله في كل محاولة، وكأن الحياة تُفتح أمامه ثم تُغلق في اللحظة ذاتها.

وما يزيد محنته ثقلاً أنّ الوضع الصحي في غزة يكاد يكون بلا قدرة على احتماله. الأجهزة الطبية معطلة، الأدوية شحيحة، أقسام الجراحة والعظام والأعصاب تعمل في ظروف طارئة لا تتيح إجراء العمليات الدقيقة التي يحتاجها. حتى جلسات التأهيل والعلاج الفيزيائي، التي قد تعيد ليزن جزءًا من توازنه، باتت شبه مفقودة مع انقطاع الكهرباء ونقص الطواقم الطبية.

خارج المستشفى، لا تبدو الحياة أكثر رحمة. "الأحياء مدمّرة، الشوارع ملأى بالركام، والنزوح لا يتوقف". في مثل هذا الواقع، يصبح الاعتناء بطفل مصاب مهمة تفوق قدرة عائلة كاملة.

وخارج المستشفى، لا تبدو الحياة أكثر رحمة. تقول الجدة: "الأحياء مدمّرة، الشوارع ملأى بالركام، والنزوح لا يتوقف". في مثل هذا الواقع، يصبح الاعتناء بطفل مصاب بإصابة عصبية شديدة مهمة تفوق قدرة عائلة كاملة، فكيف بجدّة تقاوم وحدها بكل ما بقي لديها من قوة؟

ولا تطلب ختام أكثر من نافذةٍ صغيرة للنجاة. تقول وهي تضمه إليها بقوة تشبه الخوف: "علاجه غير متوفر هنا. إذا بقي في غزة لن يستطيع الوقوف ولا الكلام. أرجو أن يُنقل للعلاج بالخارج قبل فوات الأوان".. كلمة "فوات" تقولها وكأنها تعرف أن الزمن يمضي بسرعة لا تليق بطفل يحاول أن يتشبث بالحياة.

يزن ليس مجرد حالة طبية؛ إنه طفل واحد من عشرات آلاف في غزة لم يتجاوزوا سنواتهم القليلة، لكنه حمل وجع عائلة كاملة على كتفيه الصغيرتين. بقي شاهدًا على ليلةٍ خطفت منه كل شيء، بينما لا تزال جدته تحلم بأن يُمنح، ولو لمرة واحدة، فرصة جديدة للحياة التي سُلبت منه قبل أن يبدأها.

كاريكاتـــــير