شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:30 بتوقيت القدس

الغذاء الذي دخل منذ وقف إطلاق النار ثانوي..

غزة.. جوعٌ يعضّ العظام وهُزالٌ يكسو وجوه الصغار!

03 ديسمبر 2025 - 13:14

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ما زالت الشابة رويدة العرعير (33 عامًا) تبحث في أسواق مدينة دير البلح عن أصنافٍ غذائية تقوّي أجساد صغارها الأربعة، بينما تقف قلّة الأصناف وارتفاع أثمان المتوفر منها حائلًا دون تمكّنها من ذلك.

تقول الشابة وهي تشير إلى بعض البطاطس والباذنجان المتكوّمين في سلة داخل خيمتها التي تقيم فيها منذ نزوحها من غزة: "انخفضت الأسعار نسبيًا، ولكنها لم تعد كسابق عهدها قبل الحرب، كما أن المواد الغذائية اللازمة لأطفالي ما زالت غير متوفرة، وحتى القليل المتوفر مرتفع الثمن ولا أستطيع شراؤه بسبب ضيق وضعنا المادي، فزوجي فقد عمله خلال الحرب".

منذ بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي يوم 11 أكتوبر 2025م، كان يفترض أن يسمح الاحتلال بدخول المساعدات والمواد التموينية بشكلٍ مستمر، بما لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا، لكن ما يدخل أقل بكثير مما يحتاجه قطاع غزة الذي عانى من مجاعة لفترة طويلة بسبب انقطاع السلع الغذائية، وما رافقها من أمراض سوء التغذية التي انعكست سلبًا خاصة على الأطفال.

تعقّب رويدة: "معظم ما أجده لا يتعدى أنواعًا مختلفة من الشوكولاتة والمسلّيات. صحيح أنها كانت مقطوعة ويحبها الجميع، لكن لديّ طفل تعرّض قبل الحرب بعامين لحادث دهس وهو بحاجة إلى تغذية سليمة بشكل مستمر، وانقطاعها تسبب في تراجع حالته حتى إنه يشكو حاليًا من نمنمة مكان الإصابة، ما يعني أنه يعاني من سوء التغذية".

وتتابع: "كذلك لدي طفلة عمرها 4 سنوات بحاجة إلى تغذية أفضل كما تغذّى إخوتها الأكبر حين كانوا في مثل عمرها".

ليست وحدها رويدة من تشتكي تبعات سوء التغذية، بل أيضًا كبار السن الذين لا يناسبهم انقطاع المواد الغذائية أو ارتفاع ثمن المتوفر منها، تمامًا كما تشكو الحاجة أم مصعب أبو طعيمة (65 عامًا).

تقول أم مصعب النازحة في خيمةٍ بدير البلح، وسط قطاع غزة: "أنا مصابة بالسكر، وانقطع عني الدواء لفترات متفرقة. عانيت من انقطاع التغذية وتراجع وضعي الصحي خلال مرحلة المجاعة، كان أحد أبنائي يذهب إلى مناطق الخطر لجلب بعض الدقيق. كنت أحيانًا أشعر بالشبع، لكن لا أستفيد لصحتي شيئًا".

"اشترينا مؤخرًا تفاحًا وموزًا، ولكن سعره ما زال مرتفعًا. نحن بحاجة إلى الخضار والفواكه بشكل مستمر ومتنوع، بحاجة إلى بيض يقوّي عظامنا الهشّة، ولحوم تغذّينا".

وتكمل: "حاليًا تتوفر بعض السلع، ولكن ليس ما يناسب سيدة مسنّة بحاجة إلى تغذية دائمة ومستمرة. اشترينا مؤخرًا تفاحًا وموزًا، ولكن سعره ما زال مرتفعًا. نحن بحاجة إلى الخضار والفواكه بشكل مستمر ومتنوع، بحاجة إلى بيض يقوّي عظامنا الهشّة، ولحوم تغذّينا وتساعدنا على مواصلة حياتنا".

بدوره قال المتحدث باسم وزارة الصحة في قطاع غزة د. خليل الدقران: "إن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة لم تتحسن، رغم مرور أكثر من خمسين يومًا على وقف إطلاق النار".

وأوضح أن جيش الاحتلال ما زال يتلكّأ في إدخال المواد الغذائية إلى قطاع غزة، وما يُقدِم على إدخاله لا يتجاوز 25% من احتياجات المواطنين من المواد الغذائية، خاصة أن ما أدخله فعليًا يعد عناصر غير أساسية لبنية الإنسان، فمعظمه عبارة عن مسلّيات (شيبس وأندومي وشوكولاتة)، وهذا يضر بالأطفال".

وأضاف: "ما يلزم قطاع غزة من لحوم وبيض وألبان وأجبان حتى اللحظة لم يدخل القطاع بالشكل المناسب، وهي تعدّ من العناصر الأساسية التي تقوم على بناء الأجسام وتقي من الأمراض. فما دخل لا يتجاوز 5% من العناصر الأساسية، لذلك ما زالت المجاعة وسوء التغذية مستمرة في قطاع غزة".

وطالب الدقران الوسطاء بالضغط على جيش الاحتلال؛ لإدخال جميع احتياجات المواطنين من سلع غذائية وكرفانات، لأن الخيام تسببت في انتشار الأمراض.

أما عن احتياجات وزارة الصحة، فأوضح أنها لم تستطع توفير المواد الغذائية للمرضى في مستشفيات قطاع غزة، فالاحتلال لم يُدخل هذه المساعدات ولا المستلزمات الطبية ولا الوقود لوزارة الصحة بالشكل الكافي، رغم استمرار تواصل الوزارة مع المنظمات الدولية. وما يدخل فعليًا نقطة في بحر الاحتياج الكبير، لذلك يعاني المرضى من ظروف صحية سيئة، وسياسة التجويع مستمرة بطريقة أخرى، فما يدخل للمرضى يأتي من خلال ذويهم.

أما أخصائي التغذية د.موسى أبو عمارة، فقال: "إن سلعًا غذائية دخلت قطاع غزة كانت ممنوعة لعامين، مثل الخضار وبعض الفواكه والدقيق، وهي تحتوي على فيتامينات ومعادن مهمة لجسم الإنسان"، لكنه تطرّق إلى ارتفاع أثمانها قياسًا بقدرات الناس الذين لم يتمكنوا من شرائها، بالتالي يجب أن يكون سعرها مناسبًا.

"البروتينات من لحوم وأسماك وبيض لم تدخل غزة بشكل مناسب، وهي ذات أهمية عالية في بناء الجهاز العضلي، حيث أدى نقصها إلى شحوب الوجه والهزال المستمر".

والنقطة الثانية المهمة كما يؤكد أبو عمارة هي أن البروتينات لم تدخل قطاع غزة بالشكل المناسب من لحوم وأسماك وبيض وغيرها، وهي ذات أهمية عالية في بناء الجهاز العضلي والجسم، حيث أدى نقصها إلى شحوب الوجه والهزال المستمر.

وأكمل: "هذه المعادن والفيتامينات مكوّن رئيس لكرات الدم الحمراء، وبالتالي فإن نقصها تسبب في سوء التغذية لدى المواطنين".

ويتفق أبو عمارة مع الدقران حول الحاجة إلى إدخال كميات أكبر من السلع الغذائية، فقطاع غزة عانى لفترة طويلة من المجاعة وسوء التغذية خاصة لدى الأطفال وكبار السن، فأزمة الجوع التي حلّت بالقطاع غير مسبوقة، ونقص المكملات الغذائية تسبب في وفاة العديد من الأطفال، وواقع النزوح والجوع انعكس سلبًا على النمو والتطور المستقبلي للأطفال وانهيار الجهاز المناعي لدى الأطفال والكبار.

جولة في مخيمات النزوح بإمكانها أن تطلعك على الواقع الاقتصادي الذي انهار تمامًا في قطاع غزة، واستمرار شكاوى المواطنين من السيولة المالية، والفقر الذي جعل حتى إمكانية استفادتهم من الغذاء القليل الذي دخل قطاع غزة مستحيلة، ما يعني أن مساعدة الناس الذين ذابت أجسادهم بسبب المجاعة تتطلب تدخلًا أكبر من مجرد السماح بإدخال المساعدات.

كاريكاتـــــير