شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:30 بتوقيت القدس

مليونا إنسان في قبضة المماطلة الإسرائيلية..

عدوانٌ ممتد.. هدنة بلا حياة وإغاثة رهن الشروط!

27 نوفمبر 2025 - 11:50

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

"وقف إطلاق نار… بلا إغاثة!" هكذا يختصر الناجون في غزة واقعهم بعد الهدنة، حيث يمرّ الوقت أثقل من الركام، وتظلّ المأساة قائمة بوجه آخر لا يقلّ قسوة عن القصف: الاحتلال يماطل، يؤخر، يربط، ويحرم.

فالمساعدات التي يُفترض أن تكون حقًا بديهيًا ومنقذًا لحياة ما تبقّى من المدنيين، تتحول إلى ورقة مساومة تُعلّق على شروط ذات طابع عسكري. ورغم سريان وقف إطلاق النار، منذ أكثر من شهر، فإن الكارثة الإنسانية تتفاقم وسط غياب أي آلية دولية قادرة على فرض فتح الممرات الإغاثية فورًا، وعلى محاسبة من يمنع الغذاء والدواء عن الناس، في ما يرقى إلى جريمة حرب مكتملة الأركان.

ما بعد الهدنة لا يشبه الهدوء، بل امتداد لصراع من نوع آخر؛ صراع مع الجوع والعطش والبحث عن الحياة في أبسط صورها.

توقّف القصف، لكنّ الخيام امتلأت بالقلق، والوجوه أثقلها العجز، والنازحون يطاردون كسرة خبز وزجاجة ماء نظيفة، فيما يستمرّ النقص الحاد والمزمن في كل شيء. آلاف العائلات لم تصلها المساعدات رغم إعلان الهدنة، وكأنّ الاتفاق لم يمرّ على أبوابهم.

في مدرسة تحولت إلا مركز إيواء شمالي القطاع، تشهد أم أحمد حليوة على هذا الحرمان وهي تعدّ أيامها بين طوابير التسجيل وانتظار دور لا يأتي. تقول: "الشغل ما بكفي يجيب كل متطلباتنا، بدنا مساعدات غذائية ومواد تنظيف، كل حاجة بتلزم".

 ثم تضيف بمرارة هادئة: "نسجل في الروابط وننتظر. تصلنا مساعدات في فترات متباعدة جدًا".

أما أبو عدي الوادية، النازح في دير البلح، وسط قطاع غزة، وربّ أسرة مكونة من عشرة أفراد، فيلخّص المأساة بجملة واحدة: "منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ لم يصل عائلتي أي مساعدة إنسانية"، مضيفًا بغصّة لا تخطئها الأذن: "كل شيء مربوط بتطورات الوضع السياسي.. حتى أبسط حقوقنا".

وتبلغ القسوة ذروتها حين تتحول حياة مليون ونصف إنسان إلى تفصيل تفاوضي. النازح علي محمود، مصاب حرب يقيم في خانيونس ويحتاج إلى عملية جراحية دقيقة في الأوتار، يرفض أن يكون مصيره معلّقًا على أي شرط، قائلاً: "هذه إبادة. لا نريد أن تكون إغاثتنا مرهونة باتفاق إطلاق النار".

وتقريرًا بعد آخر، تتضح الصورة: الاحتلال يربط دخول المساعدات بمطالب تخصّ جثث الأسرى الإسرائيليين، ليحوِّل الحق الإنساني إلى ورقة ضغط تُستخدم فوق أجساد المنكوبين.

وتكشف بيانات المنظمات الدولية حجم المماطلة: فبدلًا من إدخال 600 شاحنة يوميًا كما تنصّ الاتفاقيات المعلنة، لم يدخل إلى غزة سوى ما يقارب 24% من الكميات المتفق عليها. متوسط الدخول اليومي لم يتجاوز 145 شاحنة، في فجوة تبتلع أرواحًا وجوعًا وأيامًا تمضي بلا أفق.

هذا العجز، كما تؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وبرنامج الغذاء العالمي، يضع الناس في مستويات حرجة من الجوع، ويجعل خطر المجاعة واقعيًا ومقتربًا، فيما يبقى المنع المتواصل عقبة أساسية أمام أي استجابة إنسانية جادّة.

ورغم وضوح الانتهاكات، لا تزال المحاسبة غائبة. فلا آلية دولية ناجزة تُلزم الاحتلال بفتح الممرات، ولا إجراءات عقابية فورية تردع استمرار هذا التعطيل. ما يظهر للعيان هو مساحة مفتوحة أمام الطرف الأقوى ليستمر بلا خوف من تبعات حقيقية.

"اتفاقية جنيف الرابعة تلزم قوة الاحتلال بضمان الإغاثة، وأن هذا الامتناع المتعمد قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية متى توافرت النية الخاصة بالقضاء على جماعة محمية".

ويؤكد أستاذ القانون الدولي في جامعة الأزهر، الدكتور ماهر مسعود، أن منع المساعدات الإنسانية العاجلة "انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني"، وأن التكييف القانوني لهذه المماطلة يرتقي إلى جريمة حرب وفق المادة (8/2/ب/25) من نظام روما الأساسي، التي تحظر "تجويع المدنيين عمداً بوصفه أسلوباً من أساليب الحرب". ويشير كذلك إلى أن اتفاقية جنيف الرابعة تلزم قوة الاحتلال بضمان الإغاثة، وأن هذا الامتناع المتعمد قد يرقى إلى جريمة إبادة جماعية متى توافرت النية الخاصة بالقضاء على جماعة محمية.

أما دكتور العلوم السياسية، طلال أبو ركبة، فيرى أن الأمم المتحدة لا تمتلك الدور الحاسم القادر على فرض الإغاثة، وأن أدوات الضغط الدولية تتعثر عند "الفيتو الأمريكي"، مما يضع العبء الأكبر على الوسطاء الإقليميين، خصوصًا المصري والقطري.

ويشير إلى أن الرهان الحقيقي اليوم هو على تحولات الرأي العام العالمي، الذي "كشف بشاعة صورة إسرائيل"، معتبرًا أن استمرار الحركات الشعبية هو القوة الأكثر تأثيرًا في دفع القرار السياسي نحو تغيير حقيقي.

وقف إطلاق النار –كما يبدو للناس– مجرّد عنوان ناقص إن لم يرافقه فتح فوري ودائم للممرات الإغاثية. وما لم تتراجع المماطلة الإسرائيلية التي تستخدم حاجات الناس كأداة مساومة، فإن الهدنة ستبقى امتدادًا آخر للعدوان، ولكن هذه المرة عبر التجويع.

إن العالم مطالب اليوم بالتدخل العاجل: لفتح الطرق، لتمرير الغذاء بلا شروط، ولإحياء آليات المساءلة الدولية ضد كل من يتسبب في استمرار حرمان المدنيين من حقهم الوحيد في النجاة.

كاريكاتـــــير