غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:
ناجية من الإبادة، لكنها حملت فوق كتفيها فقدًا لا يندمل؛ عائلة كاملة غابت تحت الركام، الزوج والأبناء، ولم يبقَ سوى لها طفلتها سلمى، شريكة الألم والإصابة والغربة.
هكذا تقدّم (الشيف) الطاهية الفلسطينية أحلام النفار نفسها، وهي التي نالت مؤخرًا المركز الأول في مسابقة طبخ بجمهورية مصر العربية، عن طبق مقلوبة حمل معه حكاية الوطن وذاكرة البيت.

تستعيد أحلام يوم المسابقة بوصفه يومًا خانقًا: "كنت في غاية التوتر والخوف، لكنني سرعان ما تمالكت نفسي، وتخيلت زوجي وأطفالي الشهداء حولي، وأنني أجهز هذا الطبق لهم. كنت حريصة على أن يكون الأفضل، وأن أتمكن من رفع علم فلسطين، حتى لو بطبق مقلوبة".
وعن علاقتها بالطبخ تقول: "منذ طفولتي ولدي شغف بالطبخ. كنت دائمًا أحب متابعة أمي وجدتي أثناء وجودهن في المطبخ، أستقي التفاصيل الصغيرة منهن، وأحاول أن أتعلم كل فنون الطبخ وأسراره. ومع مرور الوقت أصبحت أمارس هوايتي المفضلة داخل منزلي لزوجي وأطفالي".

اليوم تقدم أحلام نفسها كـ شيف حلويات، مؤمنة بأن الحلويات والطبخ عمومًا ليسا مجرد مهنة، وإنما إبداع يختزن ذكريات البيت والعائلة.
وترى في الطبخ أحد أشكال الحفاظ على الهوية الفلسطينية؛ لذلك تشارك في كل مسابقة يمكن أن تحمل من خلالها اسم فلسطين، عبر أطباق تراثية تحرس ملامح المطبخ الفلسطيني، في وقت يلهث فيه الجيل الصاعد خلف الوجبات السريعة، دون وعي بقيمة الأطباق الأصيلة.
تقول أحلام: "كل طبق نقدمه يحمل حكاية يجب أن تُروى، حتى لو كان بشكل جديد يضمن جذب الأذواق المختلفة دون المساس بمضمون الطبق الأصلي والحفاظ على نكهته وروحه".
وترى أن الطبق التراثي قادر على حماية الهوية ومنع اندثارها: "أطباقنا التراثية تحمل تاريخنا وهويتنا ورائحة بيوتنا، والحفاظ عليها قادر على إفشال كل محاولات الطمس والسرقة التي يمارسها الاحتلال. نحن لا نقدم أطباقًا تراثية فقط، نحن نؤكد الهوية".
وتصف النفار تعلقها بالمطبخ الفلسطيني، وإحساسها بالفقد بعد أن تغرّبت قسرًا بالقول: "هنا أدركت كم أصبحت للنكهة الغزّية دلالة أعمق. كنت أبحث عن أي شيء يعيدني لرائحة البيت، لصوت أمي في المطبخ، وللمة عائلتي التي سرقتها الإبادة وحولتها إلى ذكرى".
وعن لحظة الإعلان عن فوز طبق المقلوبة الغزّي بالجائزة الأولى تقول: "شعرت حينها بالفخر أنني استطعت إيصال شيء بسيط عن المطبخ الفلسطيني وعن غزة. أردت أن يعرف الناس أكثر عن غزة، وإن كان ذلك من خلال الطبخ. كنت سعيدة بأنني خلقت مكانًا لفلسطين وسط المشاركين، في وقت كنت فيه الوحيدة من فلسطين في المسابقة".
وعن لجنة التحكيم تضيف: "كانوا يتساءلون كيف وصلت من غزة؟ وكيف تمكنت من القدوم للمشاركة؟".
أما عن تعقيبهم على طبقها فتكمل: "اختارت لجنة التحكيم طبق المقلوبة لأنهم شعروا أثناء تذوقه أنه قادم من غزة للتو. لم يكن تعاطفًا معي، لكنهم فوجئوا أن نساء غزة لديهن القدرة على الصبر والصمود وحب الحياة رغم كل الظروف".
"نحن فقدنا كل شيء: بيوتنا وحياتنا وعائلاتنا، وتجرعنا مرارة الفقد والغربة، لكننا لم نفقد رغبتنا في البقاء وتحقيق النجاح".
وتتابع بنبرة أسى مُزجت بفخر التحدي: "نحن فقدنا كل شيء: بيوتنا وحياتنا وعائلاتنا، وتجرعنا مرارة الفقد والغربة، لكننا لم نفقد رغبتنا في البقاء وتحقيق النجاح".
وترى النفار أن اختيارها لطبق المقلوبة جاء لأنه الأقرب لقلبها؛ فهو الطبق الذي اعتادت صناعته لعائلتها يوم الجمعة. كان زوجها وأطفالها يحبون مذاقه من يديها، فضلًا عن أن المقلوبة من الأطباق المميزة في غزة.
ورغم انتشاره في بلاد الشام، إلا أن لكل بلد بصمته الخاصة في تحضيره. وتظن أحلام أن المقلوبة الغزاوية هي الأقرب للقلب، أكلة الجمعة واللمة، وجزء من ذاكرة غزة التي لا تُنسى.
وتضيف: "مقلوبتنا الغزاوية نكهتها مختلفة تمامًا. تقريبًا ما من بيت يخلو من المقلوبة يوم الجمعة. في الحرب فقدنا لمتنا وخصوصية هذا اليوم. هذا ما دفعني لاختيار المقلوبة لأحيي كل الذكريات التي حُرمنا منها. انحرمنا من لمة ودفء العائلة".
























