شبكة نوى، فلسطينيات
اليوم السبت 13 ديسمبر 2025م02:31 بتوقيت القدس

غزة.. حيث سرقت "الحرب" المدرسة والطفولة!

25 نوفمبر 2025 - 10:04

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

وسط الطرق الترابية التي تقود إلى مواصي خانيونس، جنوبي قطاع غزة، تمشي حبيبة الدرديسي ذات الأحد عشر عامًا وشقيقتها الأصغر منها ريحانة، كأنهما تشقان طريقًا نحو الحياة ذاتها. تتسارع خطواتهما فجرًا، في محاولةٍ لبلوغ المدرسة البعيدة التي تشبه الآن حلمًا أكثر مما تشبه واقعًا.

خرجتا من بلدة بني سهيلا التي عادتا إليها قبل أيام، بعد انسحاب جيش الاحتلال إلى المنطقة الصفراء. تقول حبيبة بصوت تحاول أن تخفي فيه خوفها: "نمشي مسافة كبيرة قبل أن نتمكن من العثور على وسيلة نقل تقلّنا إلى المدرسة، فهي بعيدة جدًا، لكننا نخشى أن يضيع العام الدراسي علينا، يكفي ما فاتنا خلال العامين الماضيين".

هكذا عاشت الطفلتان كغيرهما من أطفال قطاع غزة ظروف الإبادة بكل تفاصيلها الثقيلة، وفي الوقت الذي يحتفي فيه أطفال العالم بيومهم العالمي، لا يشغل بال حبيبة وريحانة سوى أن تعود الحياة إلى سابق عهدها؛ أن تستيقظا على مدرسة قريبة من منزلهما، وأن تجدا صفًا دراسيًا حقيقيًا، فيه كراسٍ وطاولات، وأن يعود إليهما بيتهما الذي تحول إلى كومة من ركام.

وفي مواصي خانيونس، تجرُّ فاطمة الفرا، طالبة الصف العاشر، خطواتها، وهي لا تزال تحمل في ذاكرتها ملامح مدرستها القديمة في بني سهيلا للبنات. تقول بلهجة يغلب عليها الشجن: "كنت مميزة، وأحظى بحب وتقدير كل المدرسات، وكنت من أوائل المدرسة، أشارك في أنشطة لا منهجية ككتابة الإبداع، وشاركت في مسابقة على مستوى المدرسة وفزت بالمركز الأول، وكان من المفترض أن أتنافس على مستوى المديرية ثم الوزارة، لكن الإبادة قضت على كل شيء".

اليوم تسير مسافة ليست قصيرة لتصل إلى أقرب نقطة تعليمية لمكان نزوحهم، لكنها تفاجأ بواقع لا يشبه التعليم في شيء.

داخل النقطة التعليمية، تجلس فاطمة وزميلاتها القرفصاء لساعات ثلاث متواصلة. أجسادهن ملتصقة ببعضها، لا مجال للحركة أو تغيير الجلسة إلا بصعوبة، أما الاكتظاظ فيجعل التركيز رفاهية لا يمكن الوصول إليها، ويجعل قدرة المدرسات على إيصال المعلومة معركة يومية. وأكثر ما يؤلم فاطمة أنها لم تعد تلك الطالبة المميزة؛ الجميع هنا مثقلون بأوجاع النزوح وفقدان البيوت، والمدرسات بالكاد يتذكرن أسماء الطلبة.

وفي وقت يمارس فيه كثير من الأطفال لعب البنانير (القلول) بين أزقة الخيام غير مكترثين بضياع عامين دراسيين وثالث يلوح في الأفق، يقف عبد الله حماد أمام واقعه بحكاية أخرى.

يقول: "كان يفترض أن أكون في الصف الثامن، لم أدرس منذ نزحنا من منزلنا في بلدة القرارة". لم يجد أي نقطة تعليمية قريبة، وكلما استقروا في مكان جاءت أوامر الإخلاء، حتى انتهى بهم المطاف في مواصي خانيونس. يبرر عدم اكتراثه قائلًا: "كلما توجهت إلى نقطة تعليمية أجدها مكتظة ولا مكان لطالب جديد، فأواصل لعب القلول لحين عودتنا إلى القرارة، وهناك سأعود إلى مدرستي، ربما يكون هذا قريبًا".

"كلما توجهت إلى نقطة تعليمية أجدها مكتظة ولا مكان لطالب جديد، فأواصل لعب القلول لحين عودتنا إلى القرارة، وهناك سأعود إلى مدرستي، ربما يكون هذا قريبًا".

وفي ظل هذه الأزقة المزدحمة بالألم، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن إعادة جميع أطفال غزة إلى بيئة تعليمية آمنة يجب أن تكون أولوية للجميع، مؤكدة ضرورة إعادة بناء النظام التعليمي الذي دمّرته الحرب، وتوفير الظروف المناسبة لعودة الطلبة إلى مدارسهم.

وهكذا تمضي الطفولة في غزة نحو المجهول. بين طفل يحاول التمسك بحقه في التعليم، وآخر يستسلم للواقع القاسي، تُنتهك طفولتهم وتُوأد أحلامهم في مهدها، بينما يبقى الأمل معلقًا على يوم يعود فيه الصف الدراسي كرسيًا وطاولةً ومعلمة، وجرس حصة، لا خيمة وأرضًا ترابية وركامًا.

كاريكاتـــــير