شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م14:42 بتوقيت القدس

كرةُ قدمٍ وحجلةٍ وطموحاتٍ لا تنتهي..

أزقة المخيم الضيقة تتسع لأحلام الصغار

11 اكتوبر 2022 - 11:25

غزة:

كانت الأجواء مفعمة بالبهجة والتحدّي بينما يركل أعضاء فريقين من الأطفال كرة القدم بين أقدامهم وسط تشجيع وتصفير أصدقائهم، ليعلنوا في النهاية فوز أحد الفريقين.

لم يحدث هذا المشهد داخل المستطيل الأخضر المعتاد في مثل هذه المباريات لكرة القدم، بل على أرضية خرسانية وفي زقاق ضيق بالكاد يتسمع لضحكات الصغار التي تخترق جدران البيوت الصغيرة المتلاصقة في أحد شوارع مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة.

في مخيم جباليا حيث الكثافة السكانية الأكبر للاجئين في قطاع غزة، والذي بدأ يضيف على سكّانه عامًا بعد آخر، يجد الفتية ملاذهم ليمارسوا ألعابهم التقليدية المتنوعة من كرة القدم إلى "الشريدة"، تمامًا كما الفتيات اللواتي يلعبن الحجلة وقفز الحبل، فاللعب هنا بسيط لا يحتاج سوى لمهارات تمتلكها أيديهم الصغيرة وأقدامهم الناعمة.

"لاجئ سموني لاجئ" يردد يوسف علاء (14 عامًا) هذه الأغنية مع أقرانه، فقد قدّر له أن يمارس هوايته المفضلة لعب كرة القدم، في زقاق مخيمه الذي لا يتجاوز عرضه 60 سنتيمترًا، لكنه يرى فيه فسحة أمل قادم.

يقول يوسف: "اعتدت اللعب في المخيم منذ كنت أحبو، وأشعر بأجواء من الفرح رغم بساطته، فليس لدينا خيارات أخرى، مجرد المشاركة في نوادي خارج المخيم للعب قد يكلفنا مصاريف ليس بمقدورنا دفعها".

ويعد مخيم جباليا، أكبر مخيمات القطاع، يقطنه 113,990 لاجئًا، في مساحة تبلغ 1.4 كيلومترًا مربعًا، بينما يعاني اللاجئون الفلسطينيون في قطاع غزة ظروفًا اقتصادية قاسية نتيجة واقع اللجوء من ناحية، والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة من ناحية أخرى.

يضيف: "أمتلك مهارة كبيرة في لعب كرة القدم، وعادة أقود فريقي وأحقق الفوز، أحتاج لتطوير مهاراتي للمشاركة في مباريات داخل وخارج غزة، وأتمنى أن تتاح لي الفرصة للعب خارج زقاق المخيم، فأحقق حلمي بأن أصبح لاعبًا مشهورًا".

ليس دائمًا يتاح للأطفال ممارسة هوايتهم حتى وإن كان داخل المخيم، فقد يحرمون منها أيضًا كونها قد تشكل إزعاج للجيران، نتيجة صوتهم المرتفع باللعب فيمنعون من اللعب، وأحيانا أخرى قد يتعرضون لحوادث معينة أثناء اللعب في حال جاءت مركبة مسرعة ولم تنتبه لهم، فأقصى أمانيهم أن يتم توفير نوادي للعب مجانية في المخيم.

وفق إحصائية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "اونروا"، يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة بـ 1.4 مليون نسمة تقريبًا، يشكّلون أكثر من ثلثي سكان القطاع، موزعين على ثماني مخيمات هي: (مخيم البريج، الشاطئ، المغازي، النصيرات، جباليا، خانيونس، دير البلح، ورفح).

بالانتقال إلى مخيم الشاطئ الذي يطلّ على شاطئ بحر غزة مباشرة، تجمعت فتيات من المخيم يرسمن بطبشور لعبة الحجلة، إحدى الألعاب الشعبية الشهيرة، وهي عبارة عن مستطيل مرسوم على الأرض مقسّم إلى مربعات، تقوم الفتاة بدفع قطعة حجرية بإحدى القدمين إلى داخل المستطيل وهي ترفع القدم الأخرى عن الأرض بحيث لا تلامسها أبدًا، ثم تمرر القطعة الحجرية داخل بقية المستطيلات، دون أن تلامس الخط الفاصل، وإلا خسرت اللعبة لتأتي بعدها صديقة أخرى تكملها.

تقول ميس حسين (13 عامًا)، التي كانت تلعب مع الفتيات، وتمتلك هواية الرسم: "أحب اللعب بين أزقّة المخيم، لكنها ضيقة، لا نشعر فيها بحريّتنا، هوايتي المفضلة الرسم وأحبه جدًا، أمهاتنا لا تسمح لنا باللعب دومًا هنا لأننا كبرنا كما تقول، لكن في نفس الوقت لا يوجد خيارات لأن بيوتنا ضيقة".

تكمل الطفلة: "الخروج إلى متنزه يكلف العائلة مصاريف زائدة. لا نخرج كثيرًا، وفي الصيف نتوجه إلى البحر فقط، لأنه قريب".

وتشعر ميس كما غيرها من الفتيات بسعادة أثناء اللعب في الزقاق، لكن فرحتها منقوصة، فهي تطمح لتوفير أماكن ترفيه في المخيم لممارسة هوايتها المفضلة، مثل مراكز ثقافية وأماكن لعب.

يعاني مخيم الشاطئ للاجئين أيضًا كما غيره من المخيمات، من الاكتظاظ السكاني وضيق المساحة، حيث تُبنى المساكن بالقرب من بعضها البعض، إلى جانب نقص في المرافق الترفيهية والاجتماعية العامة، ويضطر سكّان المخيم إلى بناء طوابق إضافية لاستيعاب عائلاتهم، ويتم ذلك غالبًا دون تصميم منظم، كما تعيش غالبية الأسر في ظروف اقتصادية صعبة.

ويعدّ قطاع غزة واحدًا من أكثر مناطق العالم كثافة سكانية، إذ يعيش فيه قرابة 2 مليون نسمة في مساحة لا تتعدى 365 كيلومترًا مربعًا، ويعاني من فقر شديد وصل إلى 54% نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عامًا.

المعروف أن قطاع غزة يعيش فيه عدد سكان لا يتناسب مع مساحته، وطالما نحن نتحدث عن المخيمات خاصة، فيجب التنويه لأمر مهم، وهو تضاعف عدد اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948م حتى الآن إلى أكثر من 500%، يشرح علي هويدي مدير الهيئة 302 للدفاع عن اللاجئين الفلسطينيين.

ويكمل هويدي: "بذلك (أي اللاجئين)، بحاجة لمساحات إضافية حتى يضمن اللاجئ الفلسطيني على الأقل مكان سكنه، وهذا يؤثر على الأسر من كافة النواحي، والأطفال جزء من هذه المعاناة حيث لا يجدون أماكن للعب".

ويوضح هويدي أن هذا الاكتظاظ يمنع وجود مساحات آمنة للأطفال، ما يحرمهم من ممارسة هواياتهم في اللعب وهذا أبسط حقوقهم، مبينًا أن لهذا تبعات سلبية عليهم، كون اللعب ووجود مساحات آمنة، يساعد الأطفال على التفريغ النفسي للطاقة السلبية التي تخلفها الحروب المتكررة على قطاع غزة والحصار، وفي ذات الوقت يكتسب علاقات اجتماعية مع أقرانه ويعمل على تنمية هواياته.

ويلفت هويدي إلى أن الظروف التي يعيشها الطفل في المخيم تشكّل ضغطًا كبيرًا عليه من عدة نواحي تتمثل بحرمانه من اللعب، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البيت وبين الأزقة، يؤثر على حالته النفسية.

كاريكاتـــــير